تم اختياري للجزيرة من بين (2001) إعلامي عبر معاينات وامتحانات قاسية
لم يقف معي أحد وهذه (….) قصتي مع الإذاعة
الجزيرة وضعت الأساس لظاهرة الفضائيات الحرة الجريئة ونجحت وهذا قاد لتقليدها ولكنهم يسبحون بحمد سلاطينهم
لفت نظري تميّز الكثيرين من الإعلاميّين في السّودان ممّن يتقاضَوْنَ أجوراً أقلّ من معيشةِ الكفاف
محمد الكبير عبدالله (الكتبي) اسم لمع في دنيا الإعلام المحلي والعالمي، ما بين المولد بمدينة النهود بغرب كردفان والنشأة في مدينة الفاشر، حكايات، ثم الأثر الأكبر لمكتبة والده والجمعيات الأدبية في تشكيل الشخصية الإعلامية لتمهد الانطلاق للعالمية عبر قناة الجزيرة القطرية، ليصبح من الجيل الثاني المؤسيس للقناة.
حوار: سلمى عبدالمنعم
* من هو الكتبي؟
– محمد الكبيرعبدالله الكتبي، ولدت بمدينة النهود بغرب كردفان ونشأت وترعرعت في مدينة الفاشر التي درست فيها الابتدائي والمتوسطة والثانوي، ثم درست الزراعة، ثم الآداب، ثم دبلوم الإعلام في بولندا، ثم الإذاعة والتلفزيون ودورهما كوسائل اتصال في ماليزيا، إلى جانب دورات متخصصة في الصحافة الإذاعية والتلفزيونية مع أكاديمية السودان للتدريب الإعلامي ومؤسسة فريدريش نومان الألمانية.
* دعنا نتوقف عند الكتبي؟
– تماماً محمد الكبير هو اسم مركب كغيره من الأسماء المركبة، أما الكتبي إنّما هي صفة أُطلقت على والدي لأنّه كان صاحب مكتبة الحضارة بالفاشر وكانت واحدةً من أكبر المكتبات في السودان، ثم فيما بعد أصبح لقبا علما يعرف والدي به واسمه أصلاً عبدالله مصطفى.
* ماذا عن التكوين الأول في الفاشر وشمال دارفور وهل كانت بمثابة الانطلاقة للكتبي للعالم بمثل ما كانت الفاشر للرحالة الأمريكية الجوية اميليا إيرهارت في محاولة لعبورها العالم؟
– طبعاً كان التكوين الأول والأساسي لي في مدينة الفاشر، حيث نشأت وعشت فترات الطفولة والصبا الباكر اندمجت في مختلف مجتمعات المدينة يوم كان الطفل يربيه المجتمع بأسره ويوم كان الصبي مسؤولاً مسؤولية تامة عن نفسه وبيته وله دور في مواجهة مشاكل الحياة، تعلمت الهم الجماهيري عبر الجمعيات الأدبية وكانت واجباً في المدارس المتوسطة والثانوية ومن خلال جمعيات النشاط الطلابي بدأت رحلتي مع الإذاعة والصحافة والمسرح.
* هذا يعني أن القراءة والاطلاع هما سر تميز الكتبي وبالتأكيد هى مميزات الإعلامي الناجح؟
– نعم ذلك جانب مهم وأساسي من صياغة شخصيتي فقد نشأت وعشت ولا أزال وسط أمهات الكتب من مختلف العلوم والفنون والمعارف لدرجة أنّني لا أعرف عدد الكتب التي قرأتها وأظنها آلاف الكتب وما زلت أمتلك في منزلي مكتبة ضخمة أقضي فيها وقتاً جميلاً.
* كما ذكرت بداية الرحلة مع الإذاعة والتلفزيون بدأت عبر الجمعيات الأدبية وجمعيات النشاط الطالبي ولكن نلاحظ اتجهت للزراعة؟
– الحقيقة أنّني تعلمت من مكتبة والدي علوماً كثيرة دينيةً ودنيوية، لكن الزراعة وعلومها هي الشيئ الوحيد الذي لم أتعرف عليه وأسبر أغواره وصدقيني قد أضافت إلى كثيراً وبلورت شخصيتي العامة بدرجة بعيدة، ثم مع ذلك أنا لم أبتعد عن الإعلام فبالتوازي مع الزراعة درست الآداب أيضاً ومضيت قدماً في مختلف التخصصات الدقيقة المتعلقة بالإعلام والاتصال ولا أزال اتعلم في كل يوم شيئاً جديداً.
* نتحدث عن تجربة الإذاعة القومية ومن وقف معك والبداية كانت بأي قسم؟
– لم يقف معي أحد، شققت طريقي لوحدي في البداية لأنّني وافد من الأقاليم، لم أعرف موقع الإذاعة، سألت وتهت وفي النهاية وصلت وعاكسني موظف الاستقبال الخارجي و (غافلته) ودخلت ثم عاكسني موظف الاستقبال الداخلي فتركته ودخلت عن طريق مدخل إذاعةً صوت الأمة في الركن القصي، استقبلني مدير الإذاعة الأستاذ محمود أبو العزائم ورحب بي ولما علم أنّي درست الزراعة قال لي إنَها أم الثقافات وحولني للجنة اختيار المذيعين وكانوا بصدد امتحان 240 متقدم من الجامعيين لاستيعابهم في أقسام الإذاعة المختلفة، اجتزت الامتحان مع أثنين آخريْن هما المذيع المشهور الراحل نجم الدين محمد أحمد ومذيعة أسمها منى سلامة غادرت الإذاعة بعد وقت وجيز من التحاقها وانضمت للخارجية، بالنسبة للأقسام انضممت لإدارة الأخبار والبرامج السياسية وظللت بها حتى مغادرتي السودان لكنني عملت وشاركت في عشرات البرامج الثقافية والمنوعة والرياضة.
* ذلك يشير لدور الإدارة والمدير الناجح؟
– نعم ليس دور الإدارة والمدير الناجح فقط بل دور كل رؤساء الأقسام وقادة العمل الإذاعي وكبار المذيعين وكبار المخرجين وكبار معدي البرامج والمشرفين.
* وماهو شعورك لحظتها؟
– شعور من حقق هدفاً وجد فيه نفسه، وكان التحدي أن أنافس العمالقة الذين وجدتهم أمامي وقد تحقق لي ذلك بفضل الله كما أنهم الأساتذة الذين لم يقفوا أبداً في طريق ناشئ ناجح.
* من الذي نال إعجابك من مذيعين البرامج؟
– المذيع الأستاذ محمد خوجلي صالحين، برنامج لسان العرب، حتى أنني اخترته لاحقا عنوانا لبحثي في بولندا.
*بعد الولوج للإذاعة درست دبلوم الإعلام، لماذا وهل بعد ممارسة العمل اتضحح لك أنه لا بد من من دراسة الإعلام هل ضرورة أم الموهبة تكفي مع الممارسة؟
– أبداً ليس ذلك كذلك، إنّما هنالك برنامج ومنحة تابعة لليونسكو و رشحتني الإذاعة له وزيادة العلم في أي مجال مكسب للإعلامي، الموهبة هي الأساس وينبغي أن تدعم بالدراسة ما أمكن ذلك، لكن الدراسة النظرية للإعلام دون موهبة واستعداد فطري هي دراسة لا جدوى منها ولا تصنع الإعلامي خاصة في الإذاعة والتلفزيون.
* ننتقل لقناة الجزيرة بداية الرحلة ولماذا الجزيزة تحديدًا؟
– بداية الرحلة كانت مطلع عام 1997م قرأت إعلان في الصحف عن الجزيرة وقدمت مع أكثر من (2000) آخرين وبعد الامتحانات القاسية والمعاينات واختبارات اللغة العربية والإنجليزية واختبار الصوت تم اختياري مع ثلاثة آخرين من أصل (2001) وكانت فرصة للانتقال من الإذاعة للتلفزيون والعمل في بيئة عمل أفضل ومن ثم حططت رحالي بالدوحة يوم 3 يوليو 1997م وبرفقتي الزميل العزيز فوزي بشرى وكنت قد تعرفت عليه لأول مرة في المعاينات.
* يعني ذلك بعد تأسيس القناة بعام؟
– بعد تأسيس الجزيرة بثمانية أشهر ومن الجيل الثاني المؤسيس للقناة.
* هل واجهت صعوبة في الاندماج مع جنسيات متعددة وكيف تقيمهم للإعلامي السوداني؟
– بالعكس لم نواجه أي صعوبة وما وجدنا منهم إلا كل احترام وتقدير.
* ماهي المعايير التي تعتمد عليها القناة في الاختيار؟
– يخضع الشخص لامتحانيْن واحد شفوي وآخر تحريري في إجادة اللغتيْن العربية والإنجليزية والإلمام الكامل بالترجمة التحريرية وغزارة المعلومات العامة، اجتازهما يؤهل لاختبار الصوت لو كان يريد العمل صحفياً مثلنا واختبار الصوت والكاميرا لو كان يريد أن يعمل مذيعاً وفي الآخر المقابلة الشخصية.
* قناة الجزيرة الآن شبكة الجزيرة نتحدث عن سر التميز؟
– السر بسيط للغاية هو تمسكها منذ تأسيسها بثوابت نجاح العملية الإعلامية المتعلقة بالمصداقية ونقل الرأي والرأي الآخر مع توفير الإمكانات و وسائل النجاح وتسخيرها لخدمتها وحرصها على العمل الميداني المتخصص، ثم إنَها وبحكم أنّها أولى الفضائيات الإخبارية المتخصصة في العالم العربي جعلها رائدة تتقدم كل القنوات التي جاءت بعدها ووقعت في فخ تقليدها.
* أيضا يحضرني سؤال عن الإعلاميين السودانيين ودورهم في تأسيس قناة الجزيرة؟
– عن الإعلاميين السودانيين الذين يعتبروا من المؤسسين وليسوا كثيرين بل يعدون على أصابع اليد في البداية كانوا خمسة (حسن إبراهيم الشهير بحسن البطل، المرحوم حامد عبد الرؤوف، المرحوم حسن آدم أبو الحسن، الأستاذ فوزي بشرى وشخصي الضعيف) ثم جاء بعد ذلك الزبير نايل وعمار عبد الرحمن وعاصم بكري، أما المذيعين فأقدمهم نانسي محجوب وقبل سنوات جاءت ميادة عبده وأخير جاء للجزيرة مباشر مصطفى أحمد الشيخ ومهج حسن.
* قناة الجزيرة نستطيع القول أنها وضعت الأساس لانطلاقة القنوان نظرتك لهذه القنوات وهل الجزيرة استطاعت الحافظ على مكانتها أم هنالك تراجع؟
– نعم قناة الجزيرة وضعت الأساس لظاهرة الفضائيات الحرة والمتخصصة والجريئة في العالم العربي بعد أن كان الأمر قاصراً فقط على الغرب وتحديداً في (البي بي سي) ببريطانيا و (السي إن إن) في الولايات المتحدة وقد نجحت في ذلك نجاحا منقطع النظير، الأمر الذي أدى بكثيرين من أعداء هذا التوجه من فتح قنوات لمنافستها أو لتقليد نجاحها وعلى الرغم من أن هذه القنوات وهي معروفة تحقق نجاحات مقدرة لكنّها لم تخرج أبداً عن عباءة الدول التي أنشأتها وتتعرض للعقاب متى ما حادت عن سياسة الدولة المؤسسة وذلك لا يوجد في الجزيرة ولا ينطبق عليها، أول القنوات التي نشأت مقلدة للجزيرة ونجحت كانت قناة أبوظبي الإخبارية لكن دولة الإمارات سرعان ما أغلقتها وسرحت موظيفها دون سبب واضح لتحتضن الإمارات بعد ذلك فضائيات تحمل أسماء براقة مثل (العربية وإسكاي) لكنّها جميعاً تسبح بحمد سلطانها كسائر القنوات المحلية، هذا هو الاختلاف الذي جعل الجزيرة تحافظ على مكانتها وتتطور عكس تلك القنوات المخلتفة على نفسها ثم أن وجود الجزيرة في المقدمة والريادة أضفى عليها ميزة خاصة لا ينافسها فيها أحد تجعل جميع القنوات المشابهة بما فيها البي بي سي والسي إن أن تركض خلفها ولا تصلها.
* قناة الجزيرة شعارها الرأي والرأي الآخر هل تحقق هذا الشعار وهل محايدة في تغطيتها البعض يري تنقل كل ما يخص دولة قطر ولو ضمنا؟
– نعم على حسب سياساتها وخطها التحريري ولكن كثيرين قد يروا غير ذلك.
* نتحدث عن متابعتك للإعلام في السودان ومن من الإعلاميين لفت نظرك؟
– أتابع مختلف محطات الإذاعة والتلفزيون في بلادي وأعتقد أنّها تقوم بجهد جبار بإمكانات شبه منعدمة وما يتقاضاه العاملون فيها يعيشون مستوى أدنى من الكفاف، جزاهم الله وعوضهم خيرا وقد لفت نظري واقنعني كثيرون منهم وأعتقد أنَّ شبابنا مفعم بالإبداع والتميز فقط تنقصهم الفرص لبلورة ذلك.
* أيضا تفسيرك لهجرة الكوادر الإعلامية من الولايات للعاصمة ثم الخارج ما هي الأسباب في رايك؟
– الهجرة من الولايات للعاصمة لتوفر المواعين الإعلامية المتعددة ومن السودان للخارج بحثاً عن مناخ عملي أفضل ولقمة العيش التي أصبحت مستحيلة في هذا الزمن.
* ختاما أهم مميزات الصحفي الناجح بمعناها الشامل؟
– من أهم مميزات الصحفي الناجح وهي ذاتها الوصايا التي ينبغي اتباعها وهي الأمانة والثقة في النفس والدقة والإطلاع الواسع ودراسة القضايا التي يتناولها ومعرفة المحيط الذي يعمل فيه وأهدافه وجمهور المتلقين وذوقهم.
صحيفة فكرة الفنية الإلكترونية