السودان والإمارات .. نريد التكلم ولكن …!

تقرير : المنبر 24
لأول مرة يتحدث مسؤول من السودان واخرمن الإمارات عن إمكانية التواصل المباشر لحل الأزمة السياسية المتفاقمة بين البلدين ، فما حيثيات ذلك .
نريد التكلم … ولكن :
وزير المالية السوداني د. جبريل إبراهيم ، أحد أبرز أضلاع السلطة الانتقالية بقيادة البرهان ، كان أكثر صراحة حين أعلن عدم ممانعتهم في الجلوس مباشرة مع قادة الإمارات ليفهموا منهم لماذا يقومون بكل هذا العداء والاستهداف للسودان ، لكن المتكلم نفسه تمسك بأنهم لن يذهبوا إلى أبوظبي لفعل ذلك بل يمكنهم الالتقاء معهم في دولة أخرى محايدة .
قبل د. جبريل غرد مستشار رئيس دولة الإمارات ، أنور قرقاش ، مؤكداً دعمهم للجهود الإنسانية في السودان وقال قرقاش إن بلاده لن تتخلى عن الشعب السوداني ، لكنه أردف ذلك بجملتين هامتين الأولى حين أكد على عدم وجود حل عسكري للصراع والثانية حينما دعا لحله عبر الوسائل “السياسية” و” الدبلوماسي”.
ويبدو في هذا الإطار أن البلدين يرغبان في التحدث أو انهما يمهدان إلى ذلك ، لاسيما عن وجود مساع عربية مبذولة في هذا الاتجاه ، وقد كشفت مصادر دبلوماسية مطلعة تحدثت لـ(المنبر 24) عن جهود مصرية سعودية لإنهاء التوتر والتحضير لقمة ثلاثية مع الإمارات من أجل إنهاء الحرب في السودان .
المصادر أشارت إلى علم القيادة السودانية بهذه التحركات .
لا لقاء :
بالأمس ترددت أنباء عن لقاء مرتقب سيجمع رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد في الولايات المتحدة .
لكن وزير الخارجية السوداني ، السفير حسين عوض ، نفي في حوار مع صحيفة (الكرامة) ذلك وأعتبر ما تردد بشأن هذا اللقاء بأنه إرهاصات .
وبهذا التصريح تبدو الحكومة السودانية غير مستعدة لمثل هذا النوع من اللقاءات رفيعة المستوى بين قيادتي البلدين .
ما وراء نفي الوزير :
وربما يرى السودان ان الاتصال الاخير الذي جرى بين البرهان وبن زايد بواسطة من رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد ، ربما لم يحقق النتائج التي كانت تنظرها الخرطوم ، ولم يخفي البرهان خيبة أمله بعد هذه المحادثة إذا صرح قائلاً إنه قال لمحمد بن زايد إن قرار وقف الحرب في السودان بيدك من خلال وقفكم لدعم المليشيا وأن بن زايد وعده خيراً ولكنه لم يفعل شيئاً .
في هذا السياق كشفت الحكومة لمجلس الأمن عن مواصلة الإمارات دعمها للمليشيا وتزويدها بالسلاح وذلك عبر المندوب الدائم في الأمم المتحدة الحارث إدريس ، الذي قدم أدلة جديدة لمجلس الأمن عن تسير الإمارات شحنات بحرية وجوية خلال أشهر يوليو وأغسطس وسبتمبر لإمداد المليشيا بالسلاح ، وهو ما دفع قيادة مجلس الأمن لتعميم شكوى السودان ضد الإمارات.
خيارات محدودة :
برغم الحملة الدولية التي أطلقها السودان للكشف عن الدور الإماراتي في الحرب ، إلا أن خيارات السودان تبدو محدودة بالاستمرار في مواجهة الإمارات ، فقد بلغت هذه الحملات مداها بشكوى مجلس الأمن ومن قبلها تقارير بعثة لجنة الخبراء ثم الصحافة العالمية ، وتبدو أيضاً فرص السودان ضئيلة في الحصول على دعم دولي أو إقليمي ـ في حده الأدنى ـ لمواجهة الإمارات .
وقد لا تخطئ حسابات السودان إذا قال إنه حقق نجاحاً كبيراً من خلال إجهاض مشروع انقلاب حميدتي ومن خلفه هزيمة المشروع المدعوم إماراتياً ، ثم قيادته حملة دولية ألحقت بالإمارات كثير من الأضرار ، ومع ذلك ذهبت ثلاثة دول داعمة للسودان بنصح حكومته باختيار مسار ثالث ، فمع مصر والصين ، أعلنت روسيا صراحة رغبتها التوسط من أجل حل الخلافات بين الخرطوم وأبوظبي، ليس هذا وحسب بل أرسلت رسائل أخرى يستشف منها أنها ليست على استعداد لإرباك حساباتها مع السعودية والإمارات بشأن القاعدة والتطلع إلى سواحل البحر الأحمر.
لقد تحولت الحرب إلى صراع بالوكالة ، مما يحتم على السلطة بقيادة البرهان ، التعاطي مع العامل الخارجي كفاعل مهم لتطويق الأزمة السودانية ، من خلال مخاطبة شواغل الداعمين للحرب ، لقد بدأت إدارة بورتسودان تدرك هذا ولذلك مضت في مسار المنامة ـ رفضه الجيش ـ وهي تريد أن تمضي بنوده في إطار من الجيش الواحد بينما يفضل داعمي الوثيقة تطبيق الوصفة القديمة .
مأزق الإمارات :
الناظر لصورة الإمارات الدولية يجد أنها تأثرت كثيراً بفعل الحملات الإعلامية والأصوات الدولية التي تزاد لحمل لإمارات للتوقف عن دعم المليشيا ، تحاول أبوظبي التكلم عن أبعاد إستراتيجية معقدة لوجوب الاحتفاظ بقوات حميدتي ، لكنها على أي حال تخسر إفريقياً من خلال انتباه الأفارقة لخطورة مشاريعها السياسية المصحوبة بالمال ، كما أنها تخسر عربيا من خلال ترسيخ شعور عربي رسمي وشعبي بأن ما أقدمت عليه في السودان ، واختراقات حرب اليمين ، من شأنها القضاء على أي بارقة أمل في أي نوع من أنواع التضامن العربي مستقبلاً فليس سهلاً بعد ما حدث للسودان أن تجد شعباً عربياً يقبل توجه حكومته لأي نوع من المساندة أو الدعم السياسي والعسكري للإمارات.
ومع كل ذلك لا يمكن فصل الأبعاد النفسية لقادة الإمارات من خلال إصرارهم على التمادي في دعم مليشيا حميدتي ، فالحملة السودانية أصابت كبرياء زعماء الدولة في مقتل ، فهم لا يمكن ان يسلموا بحقيقة فشل مشروع حميدتي المدعوم من قبلهم أو بالفضيحة الدولية التي الحقها السودان بهم ، فهل تعيد توازنات المصالح وحسابات استثماراتها الكبيرة في السودان إليها التوازن لاتخاذ القرار المناسب بالتكلم مع مؤسسات الدولة السودانية الشرعية وإدارة شواغلها عبر هذه البوابة .؟!

موقع المنبر
Logo