* النمو المضطرد عنوان كل مكان تطأه القدم، وتصافحه العيون .. العالم من حولنا يتطور بسرعة الإفلات بينما نحن لا نزال نتحارب كأهل القرون الوسطى وننزخ من بلاد لبلاد بحثاً عن الأمن والتمتع بالحق في الحياة الذي هو من الأبجديات، ونجاهد في توفير المأوى والطعام وغيرهما من الأساسيات، ومهما زادت الأحوال من حولنا قسوة فلن تؤثر فينا لأن قلوبنا – بحمد الله – تحجرت ولم يعد يخيفها شروق شمس تحول جديد؛ أو تهور غير متوقع؛ فليس من بعد الحرب مفاجاة تذكر، فما بين تمدد مساحات التشاؤم يوماً تلو الآخر؛ وإنكماش رقعة أمل تُطمِئن النفس بالعودة للديار ترقد ملايين الهواجس والتساؤلات والشكوك والظنون ..!
* دعونا من الحديث عن ماسأة الحرب في بلادنا، والنزوح الذي أضحى سيد الموقف، ولنرى ماذا سيفعل (الخباز الشاب) طالما أن الحياة مبنية علي القتال في كل مكان بغية تحقيق الغايات، فعندما تتناسل العوائق وتتحول العقبات الى كتلة متاريس متماسكة يبقى خيار أولي الإرادة فى القفز فوق أسلاك الحياة الشائكة .!
* ما بين الصراع من أجل محبوبة، والقتال في سبيل وطن خيط من إدراك، ففى الوقت الذى تزداد فيه دقات أفئدة الموجودين بالقاعة مع أرتفاع (رتم) الموسيقى التصويرية إذا بالخباز الفلسطيني الشاب (عمر) يراوغ قناصة العدو الإسرائيلي من أجل عيون امرأة بايعها سراً وعلانية لتصبح حسه وإحساسه، ثم سرعان ما أكتشف أن مراوغة رصاص الجنود الإسرائيليين المتربصين في أبراج المراقبة الرابضة فوق الجدار العازل للقاء حبيبته (نادية) ينبغي أن يدفعه للتفكير في تحرير وطن يصون حب ابنائه، ويضمن لهم لقاءات عاطفية آمنة، قبل التفكير فى تأمين ممر يضعه ومحبوبته وجهاً لوجه، فلا قيمة لعلاقة عاطفية فى بلد منزوع الأمن والطمأنينة والحرية.
* تتزاحم الأسئلة الملغومة في خلفية الذهن، ويتسابق بعضها للقفز أمام العين، والفيلم الذي سبق أن اختارته إدارة مهرجان دبي السينمائي لإفتتاح الدورة العاشرة يقطع شوطاً طويلاً في الأحداث والاحداثيات :
هل جاملت إدارة المهرجان وقتها طاقم فيلم (عمر)؛ أم أنه بالفعل كان يستحق حظوة الإستهلال ونيل شرف (قص شريط المهرجان) ؟؟.. كيف تمكن المخرج الفلسطيني هانى ابو أسعد أن يقول كلمة البدأية من بين 174 فيلماً تسابقوا للتنافس أو العرض من 57 دولة ؟؟.. من أين استمد (ابو أسعد) وطاقم فيلمه جرأة الحديث عن إنتاجهم و أنفسهم وردود فعل عملهم، وكيف رسخت نبرات صوته في ذهنى وهو يسخر في المؤتمر الصحافي الخاص بالفيلم من الغضب الإسرائيلي على (عمر) ويتساءل متهكماً : (هل كانوا يريدون منى إنتاج فيلم ضد الصومال) .؟
* تحققت الإرادة لصناع السينما الفلسطينية، فقالوا كلمتهم بصوت عالٍ و(أبناء جاد الله جبارة) حدثت لهم بحمد الله قفزة مؤخراً فبتنا نرى أفلاماً سودانية في المهرجانات الكبرى كفيلم (تموت في العشرين)، وأخرى تعرض في دور السينما بكل البلدان كاللوحة الفنية البديعة التي حملت أسم (وداعا جوليا) ..!
* تتصاعد الأحداث داخل القاعة تباعاً، وتتسمر الحواس مع (عمر) الذى بات جبل من إصرار بعد أن وصل وعيه الوطنى سدرة منتهي الإصرار ، وفى غمرة التعايش مع أحداث الفيلم تنكأ (عيننا الصحافية الطايرة) الجرح من جديد عندما تلمح المخرج الكويتي خالد الصديق الذى أخرج لنا سينمائياً رائعة (عرس الزين) قبل أكثر من أربعين عاماً، فياترى أين نحن الأن، وماذا يحدث بالسودان؟؟
* مابين خيبة الأمل وتقلص مساحات التفاؤل للحرب التي اندلعت بالبلاد، ونجاح فيلم (عمر) تبقى الإرادة هي كلمة السر المستوحاة من المشاهد ..!
* والإرادة وحدها تدفعنا لوقف نزيف الخواطر ونسيان قصة العودة لتذكر تفاصيل فيلم (عمر)؛ فتسارع وتيرة الأحداث على شاشة مشهد السودان الماساوي لا يمكن حلها إن لم تتوفر الإرادة الجادة، ويرتفع الجميع لمستوى المسؤولية الوطنية.
نفس أخير
* وخلف نزار قباني نردد:
إذا خسرنا الحرب لا غرابة ..
لأننا ندخلها بكل ما يملك الشرقي
من مواهب الخطابة
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة
لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابة ..!