هل مات هاشم ؟
هل انطفأ قنديل بانت ؟!
هل انطوى ظله الممتد تحت شجرة النيمة؟
هل صمت كل شيء الحكاوي والغناوي والأسرار والأفكار ؟
والقعدة في ضُل الأغاني؟!
هل سكن القلق المشرئب من عينينه؟
هل تحشرج صوت الثورة في جوف المغني *مهما ليل الظالم طول…*
يا أستاذ انتظرني قليلا ريثما أطرق باب بيتك في بانت (بجنون ) في منتصف النهار كالعادة .
لازلت في انتظار مقدمك المباغت الذي ربما يكون متهلل الأسارير وربما متحاملا على أوجاعه.
أرجوك لا أريد أن يجيبني الصمت …
لازالت لدي ذكريات معلقة في بانت بين طاولات باعة ( الخضار) في سؤالي الدائم ( شارع بيت هاشم صديق بوين ؟!) .. لازال الكوب الذي قدمه مساعدك وابنك محمد ممتلئ فوق المنتصف أمهلني قليلا لأشربه ثم أطلب المزيد .. لاتوصد الباب فلازالت الكاميرات منصوبة في انتظارك ..قصائدك الأخيرة بحاجة لبعض الوقت .. واسمك لازال داويا كطبل أفريقي ..ومجلسك مترع بالمؤانسة التي تترك أثر الفراشة ..
عد ولو لبعض الوقت فقط.. وأعدك أن أكف عن الاحتجاج الدائم والثرثرة الزائدة والشغب الطفولي أعدك أن أنصت هذه المرة وأنصت فقط..
عد فلازال بيننا مشروع توثيقي لم ير النور بعد .. لازالت الأوراق نهمة لمزيد من الكتابة .
لا بأس يا أستاذي وصديقي لقد كان كل شيء بخير وعلى وشك التحقق ثم اندلعت الحرب لم يكن بوسعي الخروج من هنا لأفي بما وعدت .. ثم أخبرني ما الذي حدث بالضبط لقد توقف كل شيء لديّ قبل أشهر مع مكالمة دكتورة لينا التي طمأنتني ( بابا تمام ) وأن كل شيء على مايرام ماذا حدث بعدها ؟
أريد أن أخبرك بشيء اليوم الجميع يفتقدون المسرحي العظيم الذي زاوج مابين الأكاديمية العالية والفطرية الوثابة ..والشاعر الذي فاضت نصوصه بالصور المباغتة (حاجة زي نقر الأصابع لما ترتاح للموسيقى) و(حاجة فيك ) شعرك الذي يشرف على البوح ثم لايفعل يفتقدون الإنسان المفطور على الثورة :
الله أكبر . الله أكبر..أذن الاذان
وبنصليك يا صبح الخلاص حاضر…
وبنفتح دفتر الاحزان من الاول وللآخر
ونتسآءل منو الربحان منو الخاسر
ووحدي أبكي فيك الإنسان الذي يتنزل عن عرشه المعرفي ليتعامل بأبويه وتواضع ووضوح ساطع قد لايحتمله بعض ضعاف البصر !!
كنت أريد أن أخبرك أن جزءا من روحي إنطفأ الآن وللأبد الآن فقط فهمت رسالتك بعد فوات الآوان.. كنت تشير فيها لتساقط الأصدقاء والمجايلين كمال الجزولي ومحمد الأمين .. لم أكن أدرك إطلاقا أنك ستستسلم بسهولة عهدتك مقاتلا شرسا خاض حروبا ضارية مع الذات والآخر والعام والخاص وكل شيء لم أكن مدركة لإمكانية قرب رحيلك .
أظن أن صديقنا المشترك ( ماهر حسن سيد) لازال جالسا على كرسي الحديد الأبيض تحت (ضُل النيمة ) في انتظار خروجك إلينا .
وأنا لازلت كما عرفتك على أيام الدراسة الجامعية لازلت أتفرس في كلماتك لأمسك بتلابيب كلمة وأ بحث حولها أتعلم من مجرد (ونستك الطاعمة ) تماما مثلما تحول أورفيوس إلى أحد الرموز المهمة بل التي تعقد حولها المقارنات .
الآن يا أستاذ هاشم لو توقفت الحرب هل يمكننا أن نعود دون أن نطرق بابك ؟ .. دون أن نلح في الدخول ؟ .
كراستي الصغيرة أو محضر المؤانسة والإعداد لحلقات العيد الذي اندلعت قبله الحرب لا أعرف أين هي الآن ؟ هل لازالت بخير كذكرى أخيرة أم أعدمت هي الأخرى …ياله من زمان موحش يتعمد أصابتنا بالمواجع حتى لم يبق في طيف روحنا مكان لم تسكنه المواجع والمواجد .
لا أدري كيف نحزن على العزير الراحل ونحزن منه أيضا ؟!
ربما لأن …
الموت لا يوجع الموتى،
الموت يوجع الأحياء.
أو كما قال درويش .
أو ربما لكوني لا أستطيع أن أعزي أبنائك دكتور قصي ودكتورة لينا كفاحا ولا حتى أستطيع أن أرفع الفاتحة في بانت أتكور على حزني وأستجدي من الزمان ساعة !!