عثمان ميرغني يكتب: بيان الخارجية السودانية.

ربما حاولت – وبهذه الصياغة- وزارة الخارجية أن تتخلص من عبء ثقيل ناتج من دعوات للرد على بيان الخارجية الاماراتية بالتي هي أخشن.. وفي هذا فالخارجية السودانية معذورة.
بيان صدر مساء أمس ،الأحد ، من الخارجية السودانية ردا على بيان نظيرتها الامارتية.. تضمن تفصيلا لاتهامات باتت معلومة ومضمنة بشكوى قدمها السودان لمجلس الأمن.. وفي خاتمة البيان رحب بدعوة تركيا للتفاوض بين السودان والامارات.
يقول البيان في الفقرة الأخيرة (إن ترحيب السودان باستعداد تركيا الصديقة للتوسط بينه وبين الإمارات منبعه أن الأخيرة طرف في العدوان الذي يتعرض له، وأن أي جهد لإقناعها بأن تكف أذاها عن السودان وشعبه يستحق التشجيع والتعاطي الإيجابي معه، خاصة وأن تركيا محل ثقة وتقدير السودان..)
في تقديري هذا البيان المرتبك لم يحظ بدراسة كافية وربما جاء بعد خلاف في وجهات النظر اضطر من كتبه لصياغة حمالة أوجه قد لا تُرضِي لكنها بالضرورة لن تُغضِب.
أو ربما حاولت – وبهذه الصياغة- وزارة الخارجية أن تتخلص من عبء ثقيل ناتج من دعوات للرد على بيان الخارجية الاماراتية بالتي هي أخشن.. وفي هذا فالخارجية السودانية معذورة.
الحكمة تقتضي أن نفرق بين الاستراتيجي والتكتيكي.. وفي السياسة الخارجية عادة لا تبنى الأفعال أو ردودها على المنظور قصير المدى.. لابد من التحديق جيدا في رقعة الشطرنج قبل تحريك أية قطعة فيها.. وعندما تُحرك القطعة فلا يُقصد الهدف القريب المنظور بل متراكمات الحراك الذي يقود في النهاية إلى لحظة اعلان الفوز.. الفوز بتحقيق الأهداف المنشودة.
تمنيت لو أن السودان خطا نحو مربع جديد.. يقود فيه الأجندة و لا يتلقاها برد الفعل.. يصنع الألعاب بدلا من انتظار التمريرات التي قد لا تأتي .. و إن أتت قد تكون بعد تجاوز خط المرمى.
الرئيس اردوغان قدم عرضا للبرهان برعاية مفاوضات مع الامارات.. من الحكمة أن ينظر السودان إلى خارطة ترتيبات دولية تعتري الشرق الأوسط كله، فيتموضع حيث يمكن تعظيم المصالح القومية للبلاد.
النظرة الاستراتيجية تقتضي أن يبتدر السودان المفاوضات مع الامارات من مربع العلاقات الثنائية وبالتحديد آفاق المستقبل.. مفاوضات “دولة-دولة” State To State بسؤال واضح وصريح “ماذا يريد السودان من الامارات” و ليس العكس.. من هنا تكون البداية الصحيحة.
هذا السؤال يضع السودان اجاباته المباشرة، مشفوعة بما يطمئن، ليس الامارات وحدها بل المجتمع الدولي أيضا، على تجاوز حالة الـ”لا دولة” التي تقلل من فرص الشراكة الخارجية وتضعف الثقة في مؤسسية الدولة.
المفاوضات لا تستهدف الامارات وحدها -رغم كونها الطرف المقابل من الطاولة- بل المجتمع الدولي و الاقليمي معا.. فتقاطعات المصالح عابرة للعلاقات الثنائية بحكم التداخل و المحاور الاستراتيجية.
ماذا يريد السودان من الامارات؟ العنوان العريض بناء علاقات متميزة في أبعادها الثنائية والدولية.. وشراكت اقتصادية منتجة لمصلحة الطرفين.. تحت هذا العنوان يبدأ ارتباط مؤسسي في المسارات التي تختص بقطاعات الدولة الدبلوماسية و الاقتصادية وبالضرورة الأمنية.
و رغم تعدد هذه المسارات لكنها وثيقة الارتباط على مستوى الأهداف المرحلية والبعيدة. خاصة في المساق الأمني.. حيث ركيزة الاستقرار الذي يحقق المنافع للطرفين.
الواقع الحالي لعلاقات البلدين سهل تجاوزه طالما العشم في المستقبل هو الدافع.. وأسهل منه الغرق في لجته ان قصرت النظرة على الراهن.

موقع المنبر
Logo