* برغم تاريخه التليد، وجذوره الممتدة في باطن الأرض، وأثره الفاعل في صياغة الوجدان السوداني منذ قديم الأزل، ورفده للساحة الفنية بأعذب وأجمل الأصوات إلا أن (فن الغناء الشعبي) قد بدأت أوراقه في بدأية الألفية الثالثة في الذبول وأخذ نجمه في الأُفُول.
* تيار الحداثة يجتاح دنيا الفنون؛ ومراكز الشباب التي كانت لديها شعبة للغناء الشعبي تُفرِخ حناجراً جديدة لم تعد بذات الألق القديم والإنتاج الوفير والأصوات المتلاحقة.
* كانت لدى اتحاد فن الغناء الشعبي وقتها إجتهادات؛ وتنتظمه حركة ولكنها للأسف محدودة لا تتجاوز جدرانه؛ ولا تسمع ضجيجاً إلا حينما يحين ميقات الانتخابات فتشتعل (حرب الحناجر) على (الأصوات) .
* أسئلة كثيرة كانت تحتاج لإجابات عاجلة :
(كم هو عدد فناني الغناء الشعبي الآن..؟؟ وهل لهم نشاط فاعل؟ .. وهل هناك أغنية شعبية بالمفهوم الذي كان متعارفاً عليه في زمن الفنان الفلتة الراحل المقيم محمد أحمد عوض، والمبدع الراحل صديق الكحلاوي.. إنها تساؤلات كلما شخصت أمام عيني، وتلقفها قلمي بسرعة، وجدت نفسي أختزل الإجابة عليها بعبارة من كلمات معدودات :
(كان أسمه الغناء الشعبي)..!!
* الحقيقة التي لا جدال حولها أن بعض محاولات التجديد من قبل أصوات شابة تردد أغنيات شعبية لا تسد الفراغ الذي أحدثه غياب الغناء الشعبي عن الساحة الفنية .
* وفي ظل تلك الأجواء كنا نسمع جمال فرفور بالشعبي فنرأه حراكاً جيداً، ولكن جمال مصنف (فنان حداثي) وإن تعلق قلبه بالغناء الشعبي، وكذا الحال مع حسين الصادق؛ وإن كان أحمد حسن قرقوري الأكثر تمدداً في الغناء الشعبي و…
* وإذا كانت كتابة الأشعار وصياغة الألحان قدمت يوسف البربري للمشهد الفني وتغنى بأعماله عدداً من المطربين الشباب؛ فإن افتتانه بالحقيبة ودخوله عالم الغناء الشعبي أكسب هذا النوع من الغناء مسحة خاصة؛ ونكهة مختلفة؛ وطعم مغاير.
* ارتدت الأغنية الشعبية الحديثة مع البربري جلبابها القديم، ووضع الفتى المسكون بتاريخ الرواد على رأسها طاقية الهيبة، ولا زلنا نأمل في مواصلة مشواره بأغنيات تعيد مجد هذا الغناء التليد؛ وتُعمِّق قيم الغناء الشعبي بعد أن ترفع رأية التجديد.
* لا يختلف أثنان على أن يوسف البربري مشبع بالحقيبة، ومتشرب بالغناء الشعبي، لذا فانه يردد هذا النوع من الغناء كمحبٍ قبل أن يكون فناناً محترفاً، فالفتى (المسكون بحب القديم) يحمل في طيات جديده (الحديث) عراقة الماضي؛ و(ريحة تراب الأمس) حتى أنك تكاد ترى حركة الاسطوانات التي يجمعها عوض بابكر لتشغيلها في (حقيبة الفن) عبر هنا أم درمان.
* كان الإختلاف في التقييم عند ظهور البربري في (الكورس المصاحب) وطريقة الرقص؛ ورغم ذلك التباين في الاراء فإنهم أحدثوا إلتفاتة وجذبوا الأنظار؛ وإن كنت أرى حسب وجهة نظري الخاصة أن ثمة مبالغة جعلت الشكل يبدو (كوميدياً) في بعض الأحيان أكثر من كونه (غنائياً) فهناك شئ من المبالغة في استعراض الكورس وصوره التعبيرية المصاحبة للأغنيات، ولكن المهم حقاً : أن المنظومة بأكملها أعادت للغناء الشعبي كثيراً من البريق المفقود.
* عندما يردد البربري أغنيات شعبية جديدة فتلك إضافة لمكتبة بادي محمد الطيب، ومبارك حسن بركات، ومحجوب علي الحاج، وعوض الكريم عبد الله ورفاقهم قبل أن تكون إضافة للشاب المرح صاحب الإبتسامة الدائمة، والقفشات التي تتراقص طرباً على طرف اللسان.
* عزيزي البربري : ليس مهماً أن تواصل رحلتك فحسب؛ ولكن الأهم أن تجذب آخرين من الشباب ليمشوا معاك ذات المشوار؛ خاصة بعد ظهور حناجر تهتم بهذ النوع من الغناء، فمثلما نحتاج دائما لمطربين حداثيين، فإننا أيضاً في حاجة ماسة لحناجر تحمل هم الغناء الشعبي الذي لا غنى لنا عنه، فهذا الضرب له أهدافه؛ وقيمه؛ وأبعاده؛ وتاريخه التليد.
We will be happy to hear your thoughts