8 مارس.. المرأة السُّودانيّة في زمن الحرب

خاص – المنبر 24

أنتجت حرب 15 أبريل 2023م، واقعاً كارثياً، انعكست آثاره المباشرة وغير المباشرة على السُّودانيين، خُصُوصاً على شريحة النساء،  إذ لجأ أكثرهن إلى معسكرات النزوح، في ظل أوضاع إنسانية بالغة التعقيد، بسبب الحرب الدائرة منذ قرابة العام، بين الجيش السُّوداني و«مليشيا الدّعم السّريع»، وتعيش النساء شتّى أنواع الانتهاكات، التي حوّلت حياة الملايين منهنّ إلى جحيمٍ. فكثيرات تعرّضن للتحرش الجنسي والاغتصاب، والتهجير القسري الذي أجبرهنّ على السير لمسافات طويلة على الأقدام إلى معسكرات أُنشئت في دول الجوار، أو الإقامة شهوراً طويلة في معابر حدودية من أجل الحصول على تأشيرات دخول.

يجئ «يوم المرأة العالمي» في 8 مارس من العام 2024م، والوضع في غاية الخطورة والتعقيد بالسُّودان، وتُواجه أطراف الصراع اتهامات باستخدام أجساد النساء “كساحات للحرب”، أي استخدام العنف الجنسي – وعلى رأسه الاغتصاب – كأسلوب  قذر من أساليب الحرب.

ازدياد مُعَـدّل الانتهاكات

الناشطة في منظمات المجتمع المدني سيدة يعقوب تقول لـ(المنبر 24): “في اليوم العالمي للمرأة، الذي ركّز في شعاره هذا العام على أهمية دعم وتمكين النساء والفتيات في جميع المجالات، وتناولت في صوت يُخيِّم عليه الحُزن، ازدياد العنف والانتهاكات ضد المرأة السودانية بسبب الحرب التي قاربت العام ما بين نزوح ولجوء قسري وانتهاكات وصلت حٌـدّ القتل والاغتصاب والاختطاف.

ونادت سيدة، الطرفين بإنهاء الحرب ووقف الانتهاكات المُـمنهجة ضد النساء والفتيات في كل السُّودان، خاصّةً النساء الدارفوريات اللاتي تتضاعف معاناتهن يوماً بعد يوم.

وتضيف: “كثير منهن توفين بسبب انعدام الرعاية الصحية أثناء حملهن أو وضوعهن، وهناك من فقدن أطفالهن وأجهضن خلال الفرار، وهناك اللائي قطعن آلاف الكيلومترات في رحلة البحث عن ملاذ آمن”، كما أن الوضع في معسكرات اللجوء والنزوح في غاية السُّــوء، والأوضاع الإنسانية مُـؤلمة، كما أنّ آخريات أُجبرن على الزواج.

وحثّت الناشطة بمُنظّمات المجتمع المدني، الهيئات الدولية والإقليمية بالضغط على الأطراف لوقف الحرب الهمجية، التي اُرتكبت فيها أسوأ الفظائع التي لا يمكن تصـوُّرها.

وتمنّت سيدة أن تكون المرأة  السُّودانيّة في 8 مارس 2025 في وطن آمن ومستقر تمكن فيه النساء لخدمة المجتمع.

جريمة حرب

وتقول نائبة رئيس هيئة محامي دارفور، نفيسة حجر في حديثها لـ(المنبر 24): “لم تتقاصر القوانين الوطنية والدولية عن اعتبار الاغتصاب في زمن السلم والحرب، جريمة مع اختلاف عقوبته، وورد ذلك في القانون الدولي الذي عَـدّ الاغتصاب إحدى جرائم الحرب، كما نَصّ عليه في القانون الوطني، ولكن تكمن المشكلة في التطبيق، ففي فترة حرب دارفور عجزت الإرادة السِّياسيَّة عن تقديم الجناة للعدالة، والآن في ظل الظروف والوضع الحالي لا يمكن أيضاً تقديم الجناة، لأنّ الحرب لا تزال قائمة”.

وحيّت نفيسة النساء السُّودانيّات وهن يُقدِّمن التضحيات وصامدات في ظل الحرب العبثية التي تسبّبت في فقدان الابن والولد والزوج، وتقول إنّ النساء أكثر الشرائح التي تأثّـرت بالحرب في ظل انصراف الرجال للحرب، وباهت بتحمُّل المرأة السُّودانيّة مهام الأسرة كافّة، وهن يحملن أطفالهن من ملجأ إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، وترى الناشطة الحقوقية أنّ النساء في كل بقاع السُّودان تأثّـرن بالحرب، كما أن المنتجات منهن في الحقل الزراعي كُـنّ ضحية الموسم الحالي الذي وصفته بالفاشل بنسبة 100%. وتضيف مُحدِّثتي: إنّ النساء العاملات فقدن أعمالهن ووظائفهن، وفقدن وأيضاً أعَـزّ ما يملكن، في ظل هذه الظروف الصّعبة يحاولن لملمة شتات الأسر.

وتقول نائبة رئيس هيئة محامي دارفور وهي كيان حقوقي، إنّ الحرب أثْـرت على قطاع المرأة بصورة مباشرة، وتحمّلن مسؤوليات جِساماً رغماً عن قساوة الظروف، فإنّ النساء هن ضحية للبطش والتنكيل والضرب والاغتصاب والتهجير، وأثّـرت الحرب أيضاً على شريحة النساء في كل مناحي الحياة.

اِنتهاكاتٌ فظيعةٌ

وتضيف نفيسة: “فيهن المغتصبات واللاتي تٌمّ الاعتداء عليهن بالضرب أو أيِّ نوع من أنواع الأذى الجسيم، ظلت المرأة السُّودانيّة صابرة على الأذى”، وآن الآن لنساء بلادي  الوقوف وقفة واحدة (لا للحرب – نعم للسلام)، ويجب أن تكون الأصوات  الأولى التي تنادي بالحرب نسوية، لأنّ المرأة هي التي تحس بمرارة الحرب، وتشير نفيسة إلى أن الأبناء الآن خارج إطار التعليم بسبب الحرب، مِمّا يُلقِي كاهل مسؤوليات كبيرة على المرأة السُّودانيّة.

ودعت نفيسة إلى وقف الحرب التي قضت على الأخضر واليابس، وتَمَنّـت   الناشطة الحقوقية توفر الإرادة السياسية لتحقيق ذلك، وتابعت: “نحن غير مستعدين لفقد المزيد، وأغلب الذين وصلوا لمناطق النزوح واللجوء من شريحة  النساء ويعانين الأمرين وهناك منهن موجودات في السجون بسبب الهجرة غير الشرعية إلى دول الجوار”.

عودة العُبوديّة إلى السُّودان

من جهته، اتّهم الأمين العام للمجلس الأعلى لرعاية الطفولة بالسُّودان، د. عبد القادر عبد الله أبو في حديثه لـ(المنبر 24)، مليشيا الدعم السريع بتخصيص أسواق لبيع فتيات تَمّ اختطافهن في عدد من الولايات المتأثرة بالحرب.

في 25 سبتمبر أيلول العام 1926م، وقِّعت في جنيف الاتفاقية الخاصّة بالرق، ودخلت حيِّز التنفيذ في 9 مارس آذار 1927م، لضمان القضاء الكامل على الرق بجميع صوره، وعلى الإتجار بالرقيق في البر والبحر.

وأشار عبد القادر لمُمارسة ما وصفها مليشيات الدعم السريع بانتهاك جسيم في حق الطفلات والفتيات القاصرات، وكشف عن أكثر من (500) طفلة مفقودة في الولايات التي تأثّرت بالحرب.

وأبدى الأمين العام لمجلس رعاية الطفولة، عن استيائه من موقف المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، رغم إخطار السودان لها بتلك المُمارسات المُخالفة للأعراف الدولية والإنسانية.

وقال تاجرٌ فضّل حجب اسمه لدواعٍ أمنية، إنّه رصد سوقاً للرقيق في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور، ولحظ طفلة صغيرة في غاية الجمال تبكي في حالة هستيرية تَمّ عرضها في مزادٍ وصل سعرها مليوني ونصف جنيه سوداني، مما دفعه دون أن يشعر الدخول في المزاد ودفع مبلغ ثلاثة ملايين جنيه سوداني حمايةً للطفلة، ومن ثَمّ توجّه بها إلى منزله وضمّها مع أسرته مؤقتاً لحين إرجاعها إلى أسرتها، وأضاف التاجر: “بعد مُحاولاتٍ، نجحت في الاتصال بأسرتها في حي المزاد بالخرطوم بحري”.

وحسب المادة (4) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “لا يجوز استرقاق أحد أو استعباده ويحظر الرق والإتجار بالرقيق بجميع صورها”.

ووفقاً للبند السابع من الهدف الثامن من أهداف خُطة التنمية المُستدامة للعام 2030م، وعدت كافة الدول “باتّخاذ تدابير فورية وفعّالة للقضاء على السخرة وإنهاء الرق المعاصر والإتجار بالبشر”.

مُـذكِّرةٌ للنائب العام

وفي السُّودان، دفعت حملة معاً ضد الاغتصاب والعنف الجنسي في 3 مارس الجاري بمذكرة إلى النائب العام، مُطالبةً بعدم التقيُّد بالاختصاص المكاني وأورنيك 8 لضحايا الاغتصاب خلال الحرب الحالية.

وقالت المحامية أنعام عتيق، إنّ ضحايا الاغتصاب والعنف الجنسي يعانين خلال الحرب الحالية في فتح البلاغات بسبب القتال الدائر، وأوضحت أنّ تأخُّـر إجراءات فتح البلاغ يُعيقُ عملية التخلُّص من الحمل الناجم عن الاغتصاب، والحصول على العلاج اللازم يؤدي لصعوبات كبيرة.

وتُشير المذكرة إلى الارتفاع الملحوظ في حالات الاغتصاب والعنف الجنسي خلال الحروب والنزاعات المُسَلّحَة مع تباطؤ عملية تقديم البلاغات والوصول للعدالة، نتيجةً لعدم وجود أجهزة إنفاذ قانون فعّال للعدالة في المناطق المُتضرِّرة.

أرقامٌ مُخيفةٌ

ورصدت الحملة الأولى التي دشّـنت أعمالها رسمياً في يناير في تقريرين، 245 حالة اعتداء جنسي، معظمها لإناث، وسبع حالات ذكور.وقالت الحملة في تقريرها للفترة الأولى من 15 أبريل إلى 31 ديسمبر العام الماضي، إنّها وثقت 189 حالة في ست ولايات وإنّ 185 من الضحايا إناث بجانب أربعة ذكور، وتتراوح أعمار الضحايا ما بين (11 – 45) عاماً، حيث تبلغ نسبة الأطفال دون (18) عاماً 46%، والشباب والشابات تتراوح أعمارهم ما بين (18 – 34) 42%.وأكدت سارة التجاني عضو الحملة، أن 42% من الاعتداءات المذكورة وقعت في (طويلة وكتم) بشمال دارفور، و18% في الخرطوم، و22 % في مناطق أخرى.

تقارير مُوثّقَـة

ووثّقٌـت الحملة الثانية في تقريرها الثاني للفترة من 15 ديسمبر حتى 5 فبراير لـ56 حالة اعتداء جنسي في 4 ولايات، وأوضحت أنّ من بين الضحايا 53 امرأة و3 رجال، وإن الأطفال دون سن الـ18 عاماً يُشكِّلون 25% من الضحايا.

وسجّلت مدينة مدني أعلى نسبة من الحالات وتمثل 48%، تليها شمال دارفور بنسبة 34%، والخرطوم بنسبة 12%، ومناطق أخرى بنسبة 6%.وقالت سارة التجاني لـ”راديو دبنقا”، إن الحملة تعتمد في رصدها على مجموعات وكيانات موثوقة تعمل على الأرض.

وقالت الحملة إنّ العدد المتزايد للحالات المُوثّقَـة يُوضُّح أنّ هناك حاجة مُلِحّة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية النساء والأطفال من العنف الجنسي، مع التأكيد على أنّ الحروب والصِّـراعات المُستمرِّة في السُّودان تزيد من تعرُّض النساء والأطفال لخطر الاغتصاب والعنف الجنسي.

رواياتٌ صَـادِمَةٌ

وتوالت التقارير عن تعرُّض نساء وفتيات للعنف الجنسي على يد مقاتلين، وهناك روايات عن أفراد عائلات قُتلوا أو اغتصبوا، ومنها شهادة فظيعة عن فتاة في الخامسة عشرة، هوجمت واغتصبت، واُختطفت بعيداً عن أسرتها.

وبينما ترفض معظم الضحايا الإبلاغ عن تعرضهنّ للاغتصاب خوفاً من الانتقام أو الوصم، وافقت ضحى، وهو اسمٌ مُستعارٌ، التحدث للحرة شرط إخفاء هويتها واسمها الحقيقي.

ونسبت مفوضية حقوق الإنسان الأممية 70% من حوادث العنف الجنسي المُؤكّـدة لمُقاتلين يرتدون زي قوات الدعم السريع.

الرِّواية الرَّسميّة

وتقول سليمى إسحاق، رئيسة الوحدة الحكومية السودانية لمكافحة العنف ضد المرأة في تصريحات سابقة لها، إنّ “الحالات الموجودة خاصّةً التي لها علاقة باقتحام المنازل والاختفاء القسري أو الاسترقاق الجنسي، هي كلها على حسب ما أوردت الناجيات اُرتكبت من أشخاص يرتدون زي الدعم السريع”.

وتابعت “جملة الحالات المسجلة عندنا هي 136 حالة عنف جنسي متصل بالنزاع. هي فعلياً لا تمثل أكثر من 2%، وتوجد الكثير من الحالات غير الموثقة، لأنّ طريقة الإبلاغ تكون صعبة، في ظل انقطاع الاتصال أو تردي الوضع الأمني نفسه، ومُعظم الحالات قد لا تصل للمرافق الصحية ولا تُبلّغ”.

“وفي منتصف أبريل 2023م، دخل السودان في دوامة صِـرَاعٍ مُسلّحٍ بين أكبر مكونين عسكريين في البلاد، بعد أزمة بين جنرالين انقلب تحالفهما القديم لعداوة واقتتال وحرب شوارع، أسفرت عن مقتل وإصابة الآلاف ونزوح وتهجير الملايين، ناهيك عن انتشار جرائم اغتصاب لنساء في عدة مُدن وقُرى سُودانيّة.

يبدو أنّ ندوباً عميقة ستتركها الحرب على المرأة السودانية، فحتى لو انتهت، فإنّ آثارها ستظل باقيةً لعقودٍ، فعندما اندلعت كان السودان يعاني أزمات اقتصادية متتالية، والآن يتكبّد تكاليف الحرب وضحيتها الأولى المرأة.

 

موقع المنبر
Logo