حرب السودان.. ماذا بعد فشل مؤتمر لندن… بقلم.. أمجد فريد الطيب

في الذكرى الثانية لاندلاع الحرب المدمرة في السودان، كشف مؤتمر لندن، الذي دعت إليه واستضافته وزارة الخارجية البريطانية، عن تصدعات عميقة بين الفاعلين الدوليين حول كيفية التعامل مع الأزمة السودانية. تجلت مظاهر الخلاف بشكل واضح في فشل المؤتمر في الخروج ببيان ختامي متفق عليه بين الحاضرين الدوليين، الذين غاب عنهم تمثيل الحكومة السودانية و”قوات الدعم السريع”. ومنعت الاختلافات في المواقف الدول المشاركة، من الاتفاق على صياغة نهائية للبيان الختامي للمؤتمر، فاكتفت بريطانيا بإصدار بيان عام يمثل رعاة المؤتمر.

ومع دخول الحرب في السودان عامها الثالث، تستمر المخاطر الإنسانية والسياسية والأمنية في التزايد، بينما يظل المجتمع الدولي عاجزا عن التوصل إلى استراتيجية موحدة للتعامل مع الأزمة السودانية بشكل فاعل وواقعي.

وتكمن المشكلة الجوهرية في المقاربات الدولية تجاه السودان في تبنيها مبدأ “التكافؤ” الزائف بين القوات المسلحة السودانية و”قوات الدعم السريع”. هذا النهج ليس معيبا من الناحية التحليلية فحسب، بل هو غير مقبول أخلاقيا. فـ”الدعم السريع”، لا يمكن معاملتها كفاعل سياسي أو عسكري شرعي على قدم المساواة مع القوات المسلحة السودانية، التي تشكل جزءا من جهاز الدولة السودانية. وفي الوقت نفسه، يستمر إصرار الفاعلين الدوليين على التعامل مع القوات المسلحة السودانية ككيان منفصل ومستقل عن حكومة السودان، تمسكا بعدم شرعية الحكومة منذ انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021. لكن الواقع أن القوات المسلحة جزء أساسي من الدولة السودانية، ومعاملتها بمعزل عن الحكومة يخاطر بزيادة عسكرة المجال السياسي، ويرفع مخاطر الانزلاق نحو حكومة عسكرية بالكامل، مما يعرقل آفاق التحول الديمقراطي ويعزز المسارات السلطوية.

تزامن المأزق الذي شهده مؤتمر لندن مع الهجوم الأخير لـ”قوات الدعم السريع” على مخيم زمزم للنازحين، على بعد خمسة عشر كيلومترا فقط من الفاشر، عاصمة شمال دارفور وآخر معقل للقوات المسلحة السودانية في إقليم دارفور. وفي 11 أبريل/نيسان 2025، اجتاح مقاتلو “الدعم السريع” المخيم، وارتكبوا مذابح ذات طابع عرقي وإعدامات ميدانية للعاملين في المجال الإنساني بحسب شهود، بما في ذلك تسعة من موظفي الرعاية الصحية في عيادة تابعة لمنظمة الإغاثة الدولية، وهي آخر عيادة طبية عاملة في المخيم. وقعت هذه الفظائع في أعقاب حصار تفرضه “قوات الدعم السريع” منذ أكثر من عام على مدينة الفاشر ومخيمات النازحين المحيطة بها، مثل زمزم وأبو شوك، ما دفع بالوضع الإنساني إلى حافة الهاوية. وتم إعلان المجاعة الكارثية (المرحلة الخامسة من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي) في مخيم زمزم للنازحين في أغسطس/آب 2024، حيث أفادت تقارير منظمة “أطباء بلا حدود” بوفاة طفل واحد على الأقل كل ساعتين بسبب الجوع أو المرض.

في هذا السياق، اعتبر الكثير من ممثلي الدول المشاركة في اجتماعات لندن، أن أي نص يوحي بالتطبيع مع “قوات الدعم السريع” أو يضعها على قدم المساواة مع حكومة السودان المعترف بها دوليا، ينضح برائحة التواطؤ. وهو ما عكس أن الحضور في المؤتمر، الذي انعقد في قصر لانكستر، يخفي معضلات أعمق واختلافات أكبر من المجاملات الدبلوماسية. واستمرار بعض دول الإقليم في تقديم الدعم العسكري واللوجستي لـ”قوات الدعم السريع”- بما في ذلك شحنات الأسلحة المستمرة والمسيّرات التي تُستخدم في الهجوم على البنية التحتية- أصبح غير مقبول لدى أوساط دبلوماسية وسياسية دولية واسعة. بل إن بعض أعضاء الكونغرس الأميركي، وعلى رأسهم النائبة سارة جاكوبس والسيناتور كريس فان هولن، أكدوا أن هذا الدعم هو السبب الرئيس في استمرار الحرب في السودان.

موقع المنبر
Logo