
كان أمل السودانيين معقوداً على أن تقتلع حكومة “د. كامل إدريس” ليس فقط أوضاعاً مفرطة القسوة أقامت أكثر من عامين، بل أن تقتلع قاموساً من الفشل كان سائداً. كانوا ينتظرون من “د. كامل إدريس” صناعة أدوار وتحجيم أدوار.
لا أريد المبالغة في وصف الحالة، ولكن يُعد الوضع الراهن في السودان واحداً من أكثر الفصول الاقتصادية والسياسية تأزماً في تاريخه الحديث، إذ ترافقت الحرب والخيبات السياسية مع انهيار اقتصادي عميق.
تعثر حكومة “د. كامل إدريس” هو انعكاس لأزمة الحكم في السودان: محاصصة سياسية، سطوة السلاح، غياب التوافق الوطني. ما لم تتجاوز بلادنا هذه الحلقة المفرغة، ستظل أي حكومة جديدة، مهما كان رئيسها، عاجزة عن قيادة البلاد نحو الاستقرار.
يقيناً، رئيس الوزراء عند تعيينه، جاء مدفوعًا بأمنيات عظيمة لإنقاذ البلاد من المأزق عبر تشكيل حكومة تكنوقراط، إلا أن محاولاته اصطدمت بالتوازنات السياسية والعسكرية التي عطلت أي إصلاح جاد.
المعادلة السياسية المعقدة، وعوامل التوتر الاجتماعي والسياسي الناجمة عن الحرب، جعلت من الصعب تشكيل حكومة فعّالة.
اتضح أيضًا أن حكومة الدكتور “كامل إدريس” تفتقر إلى رؤية لإنعاش الاقتصاد، ولم تُطرح سياسات واضحة لمعالجة التضخم وانهيار العملة الوطنية أو دعم القطاعات الإنتاجية، إنما حكومة هشة بقدرات محدودة، ظهر ذلك في استمرار التضخم وتباطؤ عجلة الاقتصاد مع الاعتماد الكلي على الجبايات.
تكرار التجارب القديمة الفاشلة، مثل اللجان الاقتصادية التي تهدر وقت الشعب في الثرثرة والاجتماعات البائسة، يغفل معالجة جذور الأزمة المتمثلة في سيطرة مجموعة من المستوردين على أسواق السلع الاستراتيجية كالوقود.
هؤلاء المستوردون يرتكبون جرائم بائنة بحق الشعب الذي يعاني من الحرب وتداعياتها، يشترون الدولار بكميات ضخمة من السوق الأسود، ما يرفع الطلب على العملات الأجنبية ويزيد من تقلب سعر الصرف، بجانب شبهات الاحتكار.( توجد معلومات عن اتفاقيات غير معلنة بين بعض كبار المستوردين لتقسيم السوق وضبط الأسعار بما يحقق لهم أعلى أرباح).
تتطلب معالجة الانهيار الاقتصادي، بجانب لجان “المنظراتية”، تفعيل القبضة الأمنية بشكل حاسم وعاجل في مواجهة مافيا استيراد السلع الأساسية والمضاربة في العملات الأجنبية، باعتبار أن هذه الممارسات لا تهدد الاقتصاد الوطني فحسب، بل تحوّل الاقتصاد إلى أداة لتحقيق أرباح غير مشروعة على حساب المواطنين.
في ذات السياق، استقالة وزيرين (الصحة والدولة بالخارجية) خلال أربعة أشهر فقط من تشكيل الحكومة، وتدخل شخصيات لا علاقة لها بهيكل الدولة في تعيين الوزراء وترشيحهم، أضعف صورتها أمام المواطنين وترك تساؤلات حول استقلاليتها ومصداقية تعهداتها.
حكومة “كامل إدريس” في موقف صعب، حيث تضاءل الأمل حول قدرتها على تحقيق الاستقرار.
محبتي واحترامي