
لم تكن الفاشر مجرد مدينة صمدت تحت وطأة سنابك الدعم السريع ، بل لم تكن مجرد حكايا للناس الصابرة والعاشقة لركن غال من الوطن ، بل رحلة خلود طويلة وكتاب سيرة جديدة لاهلها وجيشها ومشتركتها وكل من حمل السلاح فيها مدافعا عن العرض والشرف والمال والأرض .
كتبت الفاشر الاف السير والمرويات بدماء وأياد قابضة على الزناد لكن تاريخها سيقف طويلا وكثيرا عند محطة اللواء ركن محمد أحمد الخضر قائد الفرقة السادسة مشاة الذي جعل من المستحيل ممكن وصنع ماعجزت عنه كل الحكومات السابقة وكل الساسة والناشطين والظانين ظن الوهم أنهم نخبة وصفوة من أبناء هذا الوطن وانتخبوا أنفسهم لادارة البلاد فعجزوا أن يديروا التنوع الموجود بكافة اطيافه وسقطت البلاد في بئر سحيق من هذا الفشل.
نعم لم يكن ودالخضر مجرد قائد لفرقة في منطقة بل نافذة جديدة للتاريخ وأمل قادم يكنس كل دعاوي العنصرية التي يتمشدق بها البعض من تصنيفات جلابة وغيره لتحل بهذه الصفة أسوأ مراحل الغبن والعبث بالسلاح لمجرد ارضا فكرة غير سوية وغير كافية للعبث بارواح الناس.
ودالخضر الذي ولد في الخرطوم وينتمي الى مروي لم يعرف من السودان إلا طيبته فكان صديقا منذ طفولته لطفل من النوبة وآخر من البقارة وثالثا من الشرق ورابعا من اقاصي حلفا عرف أن الوطن هو الحب وأن الانسانية هي الدين الحقيقي ، فاشبع ذلك إيمانه العميق بأن الناس سواسية وكان هذا مشهدا دفعه لأن يختار القوات المسلحة بطلا من أبطالها ومدافعا عن أعراض الناس وهو الذي كان يمكنه أن يختار أيا من كليات الطب أو الهندسة لكنه ذهب إلى مذهب الشرفاء فاختار أن يكون من أبناء الدفعة ٣٨ التى دخلت الكلية على اوائل العام ١٩٨٧ وفي اخريات ١٩٨٩ كان  تخرجه من الكلية في شتاء قارس الملامح والجنوب يشتعل بالمعارك والجيش يحتاج لكل بطل يدافع عن الارض ودبابات التمرد وقتها تدك الاجساد قبل الارض .
في هذا المشهد خرج ودالخضر يحمل البندقية ويرسم لوحة الشرف يدافع عن كل السودانيين ذهب إلى المجهول تشفع له دعوات أمه التي مازالت تحيطه بالعناية الربانية والحفظ ، فكانت رحلته بين الأحراش في اعالي النيل والاستوائية ومن ثم العودة إلى الدورات الحتمية ليزيد من وعيه بالعلوم العسكرية، وعاد مرة آخرى إلى القوات المشتركة وذهب إلى النيل الازرق وعاد ليستزيد من العلم العسكري وكل ذلك مصحوبا بادب جم ولطف عميق وتدين حقيقي لم ينتمي يوما إلى حزب أو فئة او طائفة بل انتمى الى المسجد والى الوطن وقبل ذلك إلى الله.
كنت كثيرا مااخرج معه إلى ابناء دفعته وراقبت حبهم له عن قرب خفيض الصوت واسع الابتسامة يجيد السماع حكيم الرأي رحب الصدر .
كانت آخر محطاته قبل الفرقة السادسة الفاشر هي الشرطة العسكرية قائدا لها وقبل عام من الحريق الآخير في ابريل ذهب للسادسة وكان قبلها في كاس قائدا خبر دارفور واهلها فاحبوه واحبهم وعاد لهم قائدا لاهم فرق الغربية وفارسا يداوي المكلوم ويواسي الأيتام ويضع يده على الجرحى برفق حقيقي .
قد يقيد التاريخ للمدن شخوصا يكونوا رموزا لها في مستقبل الأيام وهكذا قيد التاريخ للفاشر اللواء ودالخضر ليكون رمزية خالدة ستعيش طويلا في ذاكرة الاعداء قبل الاصدقاء ، فهو المدافع عن المدينة بصدق دفاعه عن أهل بيته فألف بين قلوب الجميع قوات مسلحة وقوات مشتركة ومستنفرين   رجالا ونساء وجعل القلوب كلها تتوحد كأنما هو بوابة الوطن الكبير.
نعم كان صعبا لاي شخص أن يوحدكل هذا النسيج في وقت اندلاع الجحيم في الفاشر لكنه بصدقه وحكمته وحد بينهم وجعلهم جميعا يصدون أكتر من ٢٧٠ هجوما على المدينة ينامون على الفداء ويصحون على الشهادة والبطولة في مشهد أرهق الأعداء في تفسيره وكأن كلمة السر هي روح ودالخضر
نعم عامان ونصف قاتل ودالخضر بلا طعام كاف ولاامداد كاف ولا حتى أمل في فك الحصار لكن أمله في ربه كان أكبر وتقديره للمسؤلية كان أعظم وعشقه للفاشر وأهلها وأرضها هزم فرية أن أهل الشمال لايحبون انسان دارفور .
نعم صار ودالخضر حقيقة ممزوجة بالاسطورة تماما كما وصف الكاتب الكبير موسى صبري السادات
وخرج من الفاشر بتقدير القيادة العليا ورغم دخول الجنجويد لها الا أن الحسرة تملأ عيونهم لما لايكون لديهم بطل مثل ودالخضر ؟
لم أقرأ في تاريخ الحروب صبرا لقائد مثلما صبر هو ولا مدينة صمدت لعامين ونصف مثل صمود الفاشر ، لكن الحقيقة عندما تصبح اسطورة تكون قطعا في عوالم ودالخضر .
شكرا لك سعادة اللواء لانك أعدت تعريف الوطن والشهامة والنبل وحفظك الله وأنبت في أرضك ألف قائد مثلك وعذرا أن كانت الأحرف أقل من الحقيقة فياسيدي ودالخضر الفين سلام وإلى الامام


