
سأله المذيع: «ما الخطأ الذي وقعتم فيه خلال فترة حكمكم للسودان، وكنت تتمنى لو لم تقعوا فيه؟».
كان ذلك في الحلقة التي استضاف فيها الإعلامي أحمد طه، الدكتور الدرديري محمد أحمد، وزير الخارجية الأسبق، على قناة «الجزيرة مباشر» مساء السبت قبل الماضي.
فأجاب الدرديري: «عندما تدعو معي الحزب الشيوعي وحزب الأمة وصمود وغيرهم، يمكنني أن أجيب… أما وحدي فلا».
قبلها كان الدرديري قد تحدث – وكرّر ما يردده كثير من قيادات حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية – أنهم أجروا مراجعات شاملة لفترة حكمهم الطويلة، واستخلصوا التجارب المفيدة، وحددوا الأخطاء كي يتفادوها في المستقبل.
لكن، وعلى كثرة المتحدثين باسم الحزب والحركة، لم يقر أحد منهم بأي خطأ بعينه، ولم يُسمِّ خطأً واحداً ارتُكب، فضلاً عن أن يستنبط العبر المستفادة، أو يقترح كيفية تصحيح الأخطاء وتقويم المسار وتعزيز الصواب.
وفي تقديري الشخصي لم ألمس قط أي تغيير حقيقي في منهج التفكير، ولا حتى استعداداً صادقاً لاستخلاص ما ينفع المستقبل من زَبَد تجربة ممتدة على مدى ثلاثين سنة كاملة زائد ست سنوات إضافية.
المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية حكما البلاد حصرياً لعقود طويلة لم تتوفر لأي فصيل سياسي آخر. ولا يمكن بأي حال مقارنة ما يتحملانه من مسؤولية ووزر التجربة الفاشلة ببقية الأحزاب التي لم يحكم بعضها يوماً واحداً، وبعضها الآخر حكم فترات متفاوتة لا تقارن أصلاً. وبالضرورة فإن المسؤولية الكبرى عما آلت إليه أوضاع البلاد تقع عليهما، مدعومةً بطول فترة الحكم المباشر حتى أبريل 2019، ثم الحكم غير المباشر حتى اليوم.
وللأسف، حزب المؤتمر الوطني لا يرغب في العودة إلى الحكم فحسب، بل يريد أيضاً محو كل ما حدث منذ ديسمبر 2018 حتى اليوم، واعتبار هذه السنوات مجرد «فاصل ونواصل»، ليعود ويواصل الحكم من حيث انتهى صباح الخميس 11 أبريل 2019. ويساورني شعور قوي أن بعض قياداته ينتظرون اعتذاراً من الشعب السوداني لأنه أطاح بهم من السلطة!
مثل هذا الواقع لا يبشر بخير لمستقبل السودان السياسي: أحزاب ضعيفة، منقسمة على نفسها، تقتات على يوميات الأزمة، وغير مستعدة لدفع فاتورة تغيير حقيقي… وحزب ظل حاكماً ومهيمناً على البلاد لعقود طويلة، تغذّى فيها من رحيق الدولة ولا يزال، ومع ذلك يرفض الإقرار بأخطائه لتصحيحها.
الصورة المجملة تعني أن بلادنا مرهونة بخيارين أحلاهما مُر:�إما أن ننتظر رشداً سياسياً لا يبدو في الأفق،�وإما أن نترك المؤسسة العسكرية تملأ الفراغ… إلى أن تبلغ الأحزاب رشدها يوماً ما – إن بلغته.


