
كان مفاجئاً دخول السيد رئيس الوزراء الدكتور كامل إدريس فجأة على خط مبادرات حل الأزمة السودانية، وهو الملف الذي ظل حكراً على مجلس السيادة عامة، وعلى رئيسه الفريق أول عبد الفتاح البرهان خاصة. ولم يكن لكامل إدريس نصيب يُذكر سوى المشاركة في جلسات مجلس الدفاع والأمن، الذي ينعقد عادة لإجازة قرارات أو سياسات معدة سلفاً.
لم يكن سهلاً على أي مراقب أن يتصور تكبّد رئيس الوزراء مشاق السفر إلى نيويورك لإلقاء خطاب عادٍ أمام اجتماع عادٍ لمجلس الأمن. ولهذا راجت التأويلات، بعضها توقع لقاءً سرياً مع وفد إماراتي أراد إبعاده عن الأعين لضمان جدية المباحثات.
مساء أمس الأول – بحسب توقيت السودان – ألقى كامل إدريس خطابه أمام مجلس الأمن. ولم يكن فيه مفاجأة تفسر هذا التمثيل الرفيع للسودان في ذلك الاجتماع العادي. أعلن عن مبادرة معدلة لخارطة الطريق التي قدمتها الحكومة السودانية للأمم المتحدة في بداية العام 2025. وانتهت الجلسة ليبقى السؤال معلقاً: ثم ماذا بعد؟
هل مجلس الأمن منصة لمبادرات حل الأزمة السودانية؟�وهل يعني هذا عملياً أن السودان يعاود القفز للمرة الثالثة خلال أقل من شهر، من منصة مبادرة إلى منصة جديدة؟
مبادرة الرباعية الدولية التي أُعلنت في 12 سبتمبر 2025، وجدت دعماً كبيراً بلغ ذروته بطلب قدمه سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقيادة الجهود لوقف الحرب في السودان. ووجدت استجابة قوية وحماساً أكده ترامب بنفسه، ثم على لسان وزير خارجيته ماركو روبيو الذي استخدم عبارة: «سيتولى ترامب الملف شخصياً».
زيارة الرئيس البرهان إلى الرياض مثلت دفعة قوية لموافقة والتزام السودان بهذه المساعي الدولية. ثم تلتها زيارة أخرى إلى القاهرة، حملت مفاجأة كبرى ببيان قوي من الرئاسة المصرية استخدم لأول مرة عبارة «الخطوط الحمراء» لتأكيد التزام مصر بالدفاع عن السودان وشعبه.
وفهم العالم أجمع أن مبادرة الرباعية باتت واقعاً يمشي على قدمين، وتظهر نتائجها العملية بخطوات تنفيذية قد تشمل وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار، وبدء مفاوضات لإنهاء الحرب، وانطلاق عملية سياسية.
وفي زخم هذه التحركات والتفاعلات، يطل خبر سفر رئيس الوزراء إلى نيويورك. كان صعباً وضعه في سياق منسجم مع المشهد الكلي. وبدا كأنما هو محاولة لاختلاق مبادرة «ضرار» تمنح السودان فرصة للخروج عن التزاماته في الرياض ثم القاهرة.
مجمل الصورة الآن: أن السودان – على مستوى مجلسي السيادة والوزراء – قدم للعالم كل البراهين على أنه غير راغب أو غير قادر على السير في طريق التسوية السياسية والمفاوضات.
لم يعد هناك ما يمكن أن يقدمه السودان أكثر ليقنع العالم بأن هذا الطريق مغلق.


