
بدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، زار رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان أنقرة يوم 25 ديسمبر 2025، يرافقه مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل، ومدير عام منظومة الصناعات الدفاعية الفريق أول ميرغني إدريس، إضافة إلى وكيل وزارة الخارجية السفير معاوية عثمان خالد.
تركيا من الدول القليلة التي حافظت على التواصل الدبلوماسي بمستوى السفارة خلال فترة الحرب، حيث انتقلت سفارتها إلى بورتسودان، وانتظمت رحلات الخطوط الجوية التركية من مطار بورتسودان، مما جعلها أهم منفذ جوي متاح للتواصل مع الخارج.
ورغم وجود بنك تركي في السودان ومحاولات سابقة لجعل السودان قاعدة انطلاق تركية نحو القارة الأفريقية، إلا أن التبادل الاقتصادي بين البلدين ضعيف جداً، لا يتجاوز 300 مليون دولار سنوياً.
ومع ذلك، تبدو تركيا طامحة لمستقبل أفضل اقتصادياً مع السودان، خاصة في استثمارات الزراعة والمعادن والصناعات الدفاعية.
لكن زيارة البرهان إلى تركيا لم تحمل مدلولات اقتصادية، بل أمنية وعسكرية، رغم أنها لم تثمر عن توقيع اتفاقات عسكرية مباشرة أو إعلان دعم عسكري جديد. في المقابل، ركز الرئيس أردوغان في حديثه على أهمية وقف الحرب والوصول إلى السلام في السودان، مؤكداً دعم تركيا لوحدة وسيادة السودان وسلامة أراضيه.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في زخم حماسه للانخراط الشخصي في الملف السوداني، قال إن الرباعية المكونة من بلاده ومصر والسعودية والإمارات لا تمانع من توسيع المشاركة لدول مثل قطر وبريطانيا وتركيا.
ورغم عدم ممانعة تركيا في دعم الجيش السوداني بالأسلحة، يبدو أن الأبعاد الاقتصادية المباشرة لصفقات السلاح هي الدافع والمحفز الأول. وتفضل تركيا أن تكون في دور أقرب إلى الوساطة بين السودان والإمارات من التدخل المباشر في المسار العسكري، على عكس ما يتوقعه البعض.
زيارة البرهان لأنقرة تمثل محاولة لفك العزلة الدبلوماسية عن السودان. مراسم الزيارة وطقوسها قد تكون هدفاً في حد ذاته. البرهان زار قبلها الرياض والقاهرة، والتزم بالاتساق مع المبادرات الرامية لحل أزمة السودان سلمياً، وبالتحديد عبر الرباعية. وفي ظل تضييق مساحات المناورة السياسية لبدء ترتيبات عملية في المسار السلمي، تبدو زيارة أنقرة – وغالباً ما تليها الدوحة – أقرب إلى توسيع الملعب لكسب مزيد من الوقت دون الدخول في ترتيبات عملية للمسار السلمي.
منذ اندلاع الحرب، زار البرهان تركيا رسمياً في سبتمبر 2023، ثم تلتها زيارة غير رسمية ارتبطت بوفاة ابنه محمد في تركيا في مايو 2024. وتنال هذه الزيارة اهتماماً شعبياً في السودان، في ترقب لمعرفة ما إذا كانت نتائجها تصب في مسار السلام أم نقيضه.
تركيا دعمت الجيش السوداني بطائرات مسيرة ساهمت في تعزيز العمليات العسكرية واستعادة السيادة على الأجواء. ويأمل السودان في مزيد من الدعم المتقدم الذي يساهم في استعادة ما تبقى من مناطق لا تزال بيد التمرد.
ورغم أن الرئيس البرهان يأمل أن تفتح تركيا له ثغرة في جدار الرباعية، إلا أن أردوغان لم يتحمس لدعم مبادرة منفصلة، كالتي وردت لاحقاً في خطاب الدكتور كامل إدريس أمام مجلس الأمن في نيويورك.
وينعكس موقف أنقرة على الزيارة المتوقعة للدوحة، إذ لا تبدو ثمة مؤشرات على أنها تمنح بديلاً لمبادرة الرباعية.
وعملياً، لم يعد أمام البرهان إلا خيارين: الرفض الصريح لجهود الرباعية، أو الاستعداد لمرحلة جديدة تتطلب الانخراط في ترتيبات جادة لوقف الحرب عبر خارطة الطريق التي قدمتها الرباعية، بتوضيحاتها التي نقلت في الرياض والقاهرة.
ومع التطورات الأخيرة في القرن الأفريقي، ستدخل الحرب السودانية مرحلة جديدة أكثر حساسية لدول الإقليم.


