حوار| أديب: «لن يكون هناك وجود مٌستقل للدعم السريع مستقبلا ولن نبيد أفراده»

الحقوقي والسياسي المستقل الأستاذ نبيل أديب في حوار الساعة على ضيف المنبر

حاورته في ضيف المنبر: د. عفراء فتح الرحمن

يرى أن “الدعم السريع لن يكون له وجود مستقل وأفراده لن نتعامل معهم بطريقة الإبادة طبعًا هذا غير مقبول وليس واردًا، ولكن الأفراد الذين يشكلون الدعم السريع من لم يرتكب جرائم والتزم بقانون الحرب والحياد وكان جزءًا من التشكيلة، سينظر في أمر استيعابه داخل القوات المسلحة عن طريق الحل والدمج، أو يعمل في وظيفة أخرى”

جلس الأستاذ نبيل أديب على كرسي ضيف المنبر لأكثر من ست ساعات متواصلة دون ملل أو تعصب خلال فقرات المحاور التي طرحت عليه، لم يكن داء الالتهاب عقبة تمنعه من الوصول والصبر على المحاور والرد عليها بأريحية وحنكة مازجت ما بين الدربة السياسية والخبرة القانونية، تطرق المقابلة خلال الحلقة الأولى لأهم بنود ميثاق القاهرة الذي وقع مؤخرًا من قبل أكثر من بضع وخمسون كتلة وحزب سياسي وكيانات مجتمع مدني، إلى جانب الوثيقة الدستورية والعقبات التي لازمت تفعيلها، ومحاور شتى تطالعونها من خلال هذه المقابلة التي تعد الأولى من عمر ثلاثة حلقات سجلت، فإلى مضابط الحوار.

تقدم اتفقت مع قوة متمردة وتطرقت لمستقبل البلاد الدستوري وهذا غير مسموح به

*أولا نبدأ بوثيقة القاهرة التي وقعت في الثامن من مايو 2024م، نبدأ بالنقد، هنالك من يقولون إن هذه القوى هي ذاتها التي أيدت انقلاب 25 أكتوبر؟

– من أكثر ما يعيب السياسية السودانية عدم نظرة الناس لما يقال، والمهم هو النظر لما يقال، هل هو مٌهم، أما التعرض “اعتصام الموز، أو الجوافة” هذا لا ينفع، دعونا ننظر لما هو أهم في الوثيقة، نجدها تدعم تأسيس نظام انتقالي يؤدي إلى الدستور الدائم للنظام الديمقراطي الصحيح، وليس هناك سبب لمعارضة هذا النظام أو المسلك.

*وزير الإعلام الأسبق في الحكومة الانتقال في مقال نشرت على صحيفة الشرق الأوسط ذهب إلى أن القوى الموقعة سارت على حذو الحافر على أدبيات وبنود تقدم وشطبت بعدها ثم أعلنته في مهرجان كلل بالتهليل والتكبير؟

– مع احترامي الشديد للأستاذ فيصل محمد صالح أفتكر هذا لا يغير شيء حتى لو كان صحيحًا، وإذا سار على نهج تقدم “انت مشكلتك شنو؟” هذه هي المكايدات “أنا وأنت، أنا وأنت”، هل الطرح فيه خلاف مع طرح تقدم، إن لم يوجد فنقول هذا بركة، وتكون هناك سهولة في أن يتجمع الناس، وإذا كان مخالفًا يوضح الفرق، أما مسألة من الذي طرح أولا لا أعتقد أن هذا مفيد.

* هو يتحدث عن انه لو كان عضوًا في تقدم لسار خطوات وناقش الوثيقة نقاشًا موضوعيًا باعتبار أن ما أتى فيها هو متفق عليه بين القوى المدنية الأخرى، خاصة النقطة التي تتحدث عن إعادة اصلاح الجيش وعن جيش مهني موحد؟

– هذا جيد لأن الطرح الرئيسي لوثيقة القاهرة هو الدعوة لحوار سوداني سوداني لا يقصي أحد، حتى الاقتراحات الموجودة ليست بالضرورة أن تقبل من الجهات الأخرى، ولكنها فتح للنقاش، ما يتم التوافق عليه هو المقبول.

نبيل أديب

الأستاذ نبيل أديب في ضيف المنبر خاص [المنبر24]

* أيضًا تحدث في نقطة قال وثيقة القاهرة قالت نصف شيء وصمتت عن النصف الآخر، ويعني الحوار السوداني السوداني لا يقصي ولا يستثني أحدًا، وصمتت عن وضع المؤتمر الوطني، وأنت رجل قانوني وتعلم أن الوثيقة الدستورية حلت هذا الحزب بالقانون وبالوثيقة الدستورية، فكيف تنظرون له في وثيقتكم؟

– المؤتمر الوطني تم حله بموجب القانون، ونحن الآن لا نتحدث عن نشاط سياسي، نتحدث عن حوار بغرض التوصل لاتفاق يجمع الناس، الوثيقة الدستورية رغم أنه هناك اعتراضات على ما تم في 25 أكتوبر 2021م، الا أنها لم تعد الآن صالحة للتطبيق كما هي، لأن بها مواد أصبحت غير فعالة، منها الحديث عن الحرية والتغيير، وهذا كان أساس المشكلة في الوثيقة “كيف تضع جهة سياسية وتعطيها سلطات دستورية” ولكن هذا كان ضروري بالنسبة للدفعة الأولى للسلطة.

الأمر الثاني الوثيقة الدستورية لم تفعل، نحن نتحدث عن وثيقة دستورية ديمقراطية في أصلها، وتقوم على الموازنة بين السلطات وعلى الرقابة المتبادلة، لم نفعل غير سلطة واحدة وهي السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية لم تكون، والمفوضيات المستقلة كذلك، وذهبنا خطوة إلى الوراء وفصلنا رئيسة القضاء، إذا أنأ أخضعت السلطة للسلطة التنفيذية فماذا بقي من الرقابة، لا شيء.. لذلك نحن نتحدث عن وثيقة لم تفعل وعن وثيقة أصبحت في جانب منها محتاجة إلى تعديل.

حركات الكفاح المسلح سيتم دمجها في القوات المسلحة وفق اتفاقية جوبا

* تحدثت وثيقة القاهرة عن جيش موحد وعن دمج حركات الكفاح المسلح داخل هذه الجيش مٌوحد ولكن صمتت عن قوات الدعم السريع التي تم حلها بقرار من رئيس مجلس السيادة ولكن يتبع هذا القرار بقرار تفصيلي لنحو مائة الف من جنود الدعم السريع، فما خو الحل من وجهة من وجهة نظر هذه الوثيقة؟

مسألة الدعم السريع تتمثل في “هل سيكون له وجود مستقل لفترة من الزمن؟” لا أعتقد أن هذا وارد، حركات الكفاح المسلح يجب أن تدمج في الجيش، الدعم السريع لن يكون له وجود مستقل وأفراده لن نتعامل معهم بطريقة الإبادة طبعًا هذا غير مقبول وليس واردًا، ولكن الأفراد الذين يشكلون الدعم السريع من لم يرتكب جرائم والتزم بقانون الحرب والحياد وكان جزءًا من التشكيلة، سينظر في أمر استيعابه داخل القوات المسلحة عن طريق الحل والدمج، أو يعمل في وظيفة أخرى، وهذا وضع طويل المدى يتوقف على الوصول لاتفاقية السلام.

البرهان

رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبدالفتاح البرهان [أرشيفية]

* أيضًا تحدث الأستاذ فيصل محمد صالح في مقاله قائلًا بأن ميثاق القاهرة قد ضرب بادعاءات الطرف الآخر أرض الحائط.. الذين يتحدثون عن أن الحل لا بد أن يكون داخل السودان، وعن اتهام القوى الأخرى بأنها مدعومة، يقول ميثاق القاهرة كان مدعومًا أيضًا وأقيم في فنادق فاخرة، فبالتالي يجب عليها محو الاتهامات لتقدم في مؤتمراتها العديدة.

– أنا غير ميال لاتهامات من هذا الشكل، وقيادات تقدم وجودهم في الفنادق بشكل دائم ليس فقط في المؤتمرات، فهم مولودين في الفنادق، ربما يكون هذا الطرح ليست هي الأساس، الأساس هو الطرح السياسي.

ما تم في مؤتمر القاهرة هو كان يومًا واحدًا، سبقه مؤتمر خاص بالكتلة الديمقراطية فقط، أما التجمع كان يومًا واحدًا، تبادل الناس فيه الوثيقة وتدارسوها واجتمعوا عدة اجتماعات بدون التواجد في فنادق بل من أماكنهم، وجاءوا إلى الفندق في هذا اليوم، ولا يمكن أن يكون المؤتمر في الهواء، لا بد أن ينعقد في مكان ما ولا أعتقد أن هذا وجه نقد.

أنا ضد تعديل قانون جهاز المخابرات الأخير ولا صلة له بميثاق القاهرة

* نعم الأستاذ فيصل في ذات المقال أعاب على تقدم أنها تتحدث عن مرحلة سودان ما بعد الحرب، حتى هيئة محامي دارفور وكذلك الحزب الشيوعي السوداني في نقده الذي وجهه لإعلان أدس الذي وقع مع الدعم السريع من قبل تقدم، “كانوا يتحدثون عن إنهاء الحرب، وليس من حقك التفكير في كيف يدار السودان لأنك أنت لست اللعب السياس الوحيد على الساحةيقول إن هذا الأمر أيضاً أقدمت عليه قوى ميثاق القاهرة؟

– هناك فرق لا تخطئه عين قانونية، ما أخذ على إعلان أدس، هو أنه تم الاتفاق مع قوة متمردة، وليس لأنه تم طرح لما بعد الحرب، وأي تكتل سياسي من حقه يطرح ماذا يريد في اليوم الثاني لإنهاء الحرب، هذه المسألة ليست محل نقد، ما كان محل نقد هو أنه تقدم وقعت اتفاق مع الدعم السريع، وتحدث فيه عن المستقبل الدستوري للبلاد، وعن إقامة سلطات في المواقع المختلفة إلى آخره، هذا غير مسموح لأنك أنت لم تكن السلطة حتى تتفق مع جعة متمردة، وهذا يضعك في جهة أنا أفتكر أنها خطيئة سياسية.

حميدتي

قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو [أرشيفية]

* لكن يا أستاذ نبيل في ذات الوقت قلنا بإقصاء الدعم السريع عن أي طاولة التفاوض، هو الجيش جلس أيضا مع الدعم السريع في أكثر من نقطة، وأنتم تحدثتم في هذه الوثيقة بضرورة العودة لمنبر جدة، وتحدث في أهداف الوثيقة لأكثر من مرة عن كلمة تسوية؟

– نحن لسنا ضد المفاوضات، ولكن لكل ملعب لاعبيه، المفاوضات بين الجيش والدعم السريع هي مفاوضات عسكرية، الغرض منها الوصول لهدنة، وهذه المفاوضات محددة بقانون الحرب والحياد، لا صلة لها بالتأسيس الدستوري السوداني، لا يمكن التفاوض في أنهم “بعد الحرب نريد أن نعمل نظام مركزي، أو لا مركزي، أو ننتخب برلمان”، لا، ليس هذا مجالهم، مجالهم فقط هدنة طويلة الأمد يتم فيها أولًا تخريط توضح فيه المناطق التي يسيطر عليها الطرفات، بحيث أنه يمنع أي طرف من تحريك قواته بشكل يسبب ميزة عسكري، ثانيًا لا يجوز البقاء له في مكال لا يجوز تواجده فيها مثل الأعيان المدنية وغيرها، ثالثا مراقبة تقرر إذا وجد خرق لوقف العدائيات.. وهذا يسمح للسياسيين والمجتمع المدني في أنهم يؤسسوا في اليوم التالي لوقف الحرب، فما قامت تقدم مختلف عن ذلك، هي جلست مع طرف لا يحق له أن يتطرق لأي شأن يخص الجانب السياسي، وتعاقدت معه، وتطرقت للمسألة السياسية.

* لكن مثلا عندما استضفت السيدة رباح الصادق المهدي في هذا الكرسي، تحدث أنه إذا لم تحدث تقاربات سيقتل السودانيين جميع السودانيين، أنتم الآن اقتربتم من الجيش كما وصفكم الأستاذ فيصل محمد صالح بالقوى التي تقترب من الجيش، ومعلوم أن الجيش فعلًا لديه شرعية، ولكن إذا الطرف الآخر يتحدث عن أنهم قدموا الدعوى للجيش أيضا، وقدمها للدعم السريع واستجاب الأخير بينما الجيش لم يستجيب؟

– هي ليس مفاوضات سياسية في أي حال، ولا أحد يمانع حديثهم مع الدعم السريع، يتحدثوا معه عن وقف القتال فقط وحتى مع الجيش، والجيش بإرادته أعلن بإرادته الحرة الانسحاب عن العملية السياسية وأن تلك العملية تخص المدنيين، نحن في القاهرة وجهنا الدعوة للقوى المدنية ومكونات المجتمع المدني السوداني، لأن هذه هي الجهات المختصة بالوصول إلى العملية السياسية وشكل الحكم، لا أقول الجيش سيكون خارج الفترة الانتقالية ولكن وجوده لحمايتها وليس للحكم.

تم تعديل الوثيقة الدستورية بهمجية دون تفويض ولكنه ليس بالخطير

* التسريبات التي سربت، مثلًا من لقاء المنامة إلى آخره، هذه أشياء أيضًا تتجاوز وقف القتال إلى ما عداه إن صحت هذه التسريبات؟

– قلت إن صحت، أنا والله لا علم لي بالتسريبات، أنا قرأتها ولا علم لي بمدى صحتها وهل هي فعلًا صحيحة أم لا، وهذه التسريبات إذا لم تعترف بها الأطراف لا معنى لها، لا يوجد طرف أكد صحتها، وهذا ما حدث، فهي محض كلام متداول.

كباشي

الفريق شمس الدين كباشي [أرشيفية]

* نعم لكن نشرت عبر صحف ووثائق مشهود لها بالمهنية والصدقية العالية؟

– أنا شخصيًا إذا ما صدر من طرف ما يدل على أنه توصل إلى شيء لا أعتقد أنه توصل لشيء.

* أستاذ نبيل إذا تحدثنا عن المبادئ العامة في البند الثاني، يقول القوات المسلحة هي المؤسسة الوحيد المسؤولة عن حفظ الأمن، وتحتكر القوة الشرعية، الآن هناك العديد من جيوش الكفاح المسلحة، المتناقض في الأمرين وأثناء هذه المعركة لم تنضم للجيش تحت مسمى وزي الجيش، إنما كقوات حليفة في مؤازرة الجيش، بل وكانت هنالك معسكرات أثناء هذه الحرب خرجت دفاعات جديدة من حركات الكفاح المسلح؟

– أصلًا حركات الكفاح المسلح وفقًا لاتفاقية جوبا سيتم دمجها في القوات المسلحة، وهذا واقع جديد، لكن حدث تأخير، وأن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي على الاطلاق، وهذا ديدننا كسودانيين دائمًا نأتي متأخرين، وتأخرنا كثيرًا في تطبيق كل بنود الوثيقة الدستورية وكل بنود اتفاقية جوبا، لكن المتفق عليه هو جيش واحد.

* مقاطعة.. لأن هذه الجيوب هي بذور فتنة قادمة يمكن أن تكون، واحتراق آخر للسودان؟

نعم.. أصلاً المسألة هي الدولة لا بدأ أن تحتكر العنف القانوني، إذا كان العنف القانوني ميسرًا للأحزاب السياسية يبقى لا توجد دولة، واحتكار العنف القانوني

يتمثل في القوات الأمنية للدولة على رأسها القوات المسلحة، فلا يمكن أن تكون في قوة أخرى تابعة لجهة أخرى لا صلة لها بالدولة، وأنا لا أتحدث عن الحكومة، أتحدث عن الدولة.

* نعم.. أيضًا في نقطة أخرى أستاذ نبيل تحدثت هذه الوثيقة عن جهاز المخابرات، وأردفت نقطتين إنه جهاز يُعنى بجمع وتحليل المعلومات، ثم أردفت ببند آخر فضفاض “أو أي مهمة أخرى يقرها قانونه أو قانون آخر” في 24-20 أضاف الفريق البرهان لجهاز المخابرات حق الاعتقال لمدة 30 إلى 45 يوم بالإضافة إلى بند التحقيق الذي كان ممنوعا طبقًا للوثيقة الدستورية كيف ترى هذا الأمر؟

– أنا ضد التعديلات التي تمت على قانون الأمن والمخابرات، ولا صلة لما تم في القاهرة بذلك، المسألة ببساطة نحن نؤمن بالدستورية، عندنا الدستور فيه وثيقة الحقوق والحريات، هذه الوثيقة كما يسميها “تومس ديفسون” هي مجموعة القواعد التي لا يجوز لحكومة عادلة أن تعترض عليها، من هذه القواعد هيمنة القضاء على جميع الإجراءات التي تحد من حرية الأفراد، التعديل يتحدث عن النائب العام أو وكيل النيابة، وكل النيابة لا يصلح حاميا للحريات العامة، لأن وكيل النيابة هو خصم، وفي قضية معروفة اسمها “برانكا فيرسيس ايطلي” في قضية معروفة في محكمة حقوق الإنسان الأوربية أقر ذلك، وهو أنه النيابة العمومية قد تكون خصم شريف، ولكنها خصم، أما الشخص المسؤول عن حماية الحقوق والحريات هو القاضي، نحن نتحدث عن حقوق المعتقل وأحقيته في اللجوء للقاضي والقاضي يصدر إعلان للشخص المعتقِل بتكليفه بالحضور أمامه رفقة المعتقل، وهذا الأمر لا يحتمل أيام ولا حتى ساعات وهناك شواهد كثيرة ومعروفة، هذه المسائل أنا كشخص حقوقي ليس لدي تردد فيها.

جهاز الأمن

جهاز المخابرات العامة [أرشيفية]

لا يوجد ما يسمى بالشرعية الثورية وتنتهي بالاستيلاء على السلطة

* هل تعتقد أن الظرف ربما ظرف استثنائي، ظرف قانون طوارئ، ظرف بلاد في حالة حرب، هل تعد هذه مبررات مقبولة لك كشخص حقوقي؟

– نعم هو ممكن، ولكن لا يدخل في القانون، الوثيقة الدستورية نفسها تمنح في حالات الطوارئ إذا وصلت لدرجة تهدد حياة الأمة يمكن وقف العمل بجزء من وثيقة الحقوق ولكن ليس من بينها المبادئ الستة..

في حال تغيير جزء من وثيقة الحقوق والحريات يجب أن يخطر الأمين العام للأمم المتحدة بذلك وتوزع على الأعضاء في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

* إذًا فكرة القانون المرحلي لظرف أمني هذه غير موجودة بالنسبة لك؟

– غير موجودة ويجب ألا نتعامل مع مثل هذه الأمور بخفة لأنها “بترجع تجينا تاني”، الحقوق والحريات العامة من دونها لا تستطيع أن تجعل بلد ولا دولة لها شعب يمتلك كرامة وهذا شيء أساسي.

* آسفة للمقاطعة.. أثناء قراءتي لهذه الوثيقة في نقطة مهمة جدًا لم تطرق لها الوثيقة، وهي “فكرة كيف تدخل إلى القصر الجمهوري في السودان؟” عن طريق إنشاء حركة مسلحة وحمل السلاح، أنت تأتي مباشرة وزير أو مساعد لرئيس الجمهورية، تحصل على حصص، فهذه الوثيقة لم تفكر في ردع هذا الأمر الذي استمر طويلًا؟

– هذا الأمر له جانبان، أحدهما الحلول الشكلية لمسائل التنوع، أي تنوع حمل سلاح أن تصالحه وتمنحه منصب فقط انتهى الأمر، أن تلبسه كسكتة ويصبح جزء من النخبة، الأمر الثاني عندما نتحدث عن مسائل التنوع نبدأ بالديمقراطية، النظام الديمقراطي الحقيقي لم يشهد السودان إلى اليوم، هناك ديمقراطيات شكلية وجدت.

* سيد نبيل ماذا تعني كلمة ديمقراطية، أي التعريف الأقصر للديمقراطية؟

– الديمقراطية هي حق الأغلبية في إدارة البلاد مع احترام حقوق الأقلية.

* نعم، إذًا هل سأل أحد الأغلبية في السودان وقالوا له نريد الديمقراطية، الآن مثلًا البعض يتحدث عن الحكمانية والبعض يتحدث عن أنه توجد قبائل في السودان لا تعرف حتى اسم الرئيس، لديها احتياجات أخرى غير فكرة الديمقراطية التي يسعى إليها الأفندية، هذا تيار موجود الآن؟

– الجهل والمرض من العيوب التي تحد من قدرة الديمقراطية، ولكنها لا تجعلنا نَكفر بالديمقراطية، دعينا نمنحهم العلم والغذاء، الديمقراطية عرفها “بوبر” أفضل تعريف مر علي قال “هي النظام الذي يمكن فيه تغيير الحكام دون اللجوء للعنف” أي بآلية الانتخابات، ولكن آلية الانتخابات نفسها يمكن أن تكون مغماه، إذا كنت أنا مكبل بالجهل والتعصب والعنصرية لن يكون لي صوت مدرك، الأغلبية هي مجموع الأصوات المدركة إذا كانت أصوات وهمية لا توجد ديمقراطية، لذلك لأن تتحقق الديمقراطية يجب أن تكون السلطة مطروحة في صندوق الانتخابات.

* نعم.. سؤالي هذا يعرضني لنقد ولكن لا بأس، يجب أن نقرأ لماذا فشلت الديمقراطيات في السودان لمدة ثلاث مرات، أعتقد انه العدد الكافي، وحتى الديمقراطيين تفوهوا بقولهم أن “الديمقراطية لو شالها كلب بنقول ليه جر” لماذا فشلت الديمقراطيات مثلا عندما سقط عبود أتت الهتافات (ضيعناك وضعنا معاك يا عبود) ولماذا المدنيون كانوا يذهبون بالوفود التي تأتي من الخارج بالإنجازات التي قام بها الفريق عبود، أنا لا مع هذا ولا ضد ذاك فقط أريد ان نفكر معًا بصوت مسموع؟

– طيب، خلينا نبدأ من البداية.. البداية الديمقراطية هي الدستورية، إذا لم تكن هناك دستورية لا يمكن أن تكون الديمقراطية، وصيفة الدستور أنه يحد من السلطات يمنح كل سلطة كيفية الممارسة وحدودها، السلطة المطلقة تعني مفسدة مطلقة، لذلك لأجل أن تكون الديمقراطية لا بد من وجود إيمان بها وبالدستورية.

كنا في جنوب أفريقيا في ندوة، و سألت أحد قضاة المحكمة الدستورية في جنوب إفريقيا، كان ذلك أيام البشير، قلت له (نحن لدينا دستور جيد ولكن الرئيس البشير يقلب فيه وفقما يريد فماذا نصنع)، فقال لي لا يوجد دستور بإمكانه فرض نفسه ولكن ما يفرض نفسه هو الثقافة الدستورية، وحكى لي أن أول اشتباك بينهم ومانديلا عندما اتخذ إجراء ونحن اعتبرناه غير دستوري وأعلنا قرارنا بذلك ونشرناه على الانترنت عقب الظهيرة، بعد ساعة أو ساعة ونصف أعلن عن خطاب للرئيس مانديلا للأمة في الساعة الخامسة، ونحن أخذنا ملفاتنا الخاصة وغادرنا المكاتب باعتبارنا لن نعود، مانديلا في خطابه الساعة الخامسة تحدث عن قراره وبين أن المحكمة الدستورية اعتبرته غيره دستوري، وقال أنه يعتقد أن قراره دستوري والمحكمة الدستورية أخطأت، ولكن الدستور هو ما تقول المحكمة الدستورية أنه دستور وليس ما أحدده كرئيس للبلاد، فأنت تريدين حاكم كهذا.

الجهل يحد من قدرة الديمقراطية ولكنه لا يجعلنا نكفر بها

* لكن هذه مقدرات فردية صراحة؟

– هي ثقافة في الأساس.

* نعم لم تخلقها الديمقراطية ولكن هو الذي خلقها؟

– كمرون في بريطانيا عندما جاءت أزمة (الصحيفة التي كانت تمنح رشاوى للسلطة لنشر الفضائح وغيرها)، قرر المجتمع السياسي البريطاني ضرورة إصدار قانون للصحافة ينظم عملها، حزب العمال المعارض اقترح وحزب المحافظين الحاكم وافق على ذلك، الذي اعترض هو كاميرون رئيس الوزراء، قال لا يمكن أن تكون الصحافة في بريطانيا لـ300 عام تعيش بلا قانون وغير مقيدة ويأتي الناس لاحقًا ويقولوا أن كاميرون هو الذي قيدت الصحافة في عصره، رفض نهائيًا، في النهاية اتفقوا على تمريرها بما يسمى بـ(رويال جارجر) صدر عن الملكة، فهذا الاحترام للدستور ثقافة.

* لكن يا سيد نبيل سمعت منك روايات أنه بائتلاف العسكريين والمدنيين تم فصل رئيسة القضاء مولانا نعمات، وكان هذا الأمر متفق عليه من قبل الطرفين، وهذه الحكومة تسمى حكومة ثورة وأتت بالاتفاق والشرعية الثورية، فكيف نماثل؟

– هذه هي المشكلة، الشرعية الثورية دي، أنا دائمًا بقول مافي حاجة اسمها الشرعية الثورية، والشرعية الثورية تنتهي بالاستيلاء على السلطة، بعدها لا بد أن نحكم بشرعية دستورية، وهذه من ميزة السودان عندما تلاحظي الانتفاضات الثلاثة في السودان بعد الانتفاضة مباشرة بيعلن عن دستور، في العام 1964م أعيد العمل بدستور 1956 المعدل 1964، في 1985 أعيد العمل بدستور 1956م المعدل 1986 نحن أنجزنا الوثيقة الدستورية ولم نضع حكاية الشرعية الثورية هذه، والشرعية الثورية هي تعني الاستبداد، كنت في سنة 1998 إذا لم تخونني الذاكرة في مؤتمر في أوغندا لجميع القانونيين في المعارضة، وتوصل المؤتمر لأنه في الفترة الانتقالية يتم محاسبة النظام الحالي بالقانون والعدالة التقليدية، ويتم تعيين مدعي عام لموالاة الدعاوي أمام القضاء العادي، أمين مكي مدني قال في نهاية المداخلة “نحن هنا اتفقنا سياسيين وحقوقيين، عندما تأتي الفترة الانتقالية سنختلف وهؤلاء السياسيين سيرفضون حديثنا هذا وسيصرون على الشرعية الثورية وهذا الذي حدث.

* ربما قد أكون قد هومت بعيدًا عن وثيقة القاهرة ولكن لا بأس، أختتم معك بفكرة الوثيقة الدستورية نفسها والتي تحدث عنها د. إبراهيم الأمين لأكثر من مرة، بأن الوثيقة التي وقع عليها غير الوثيقة الدستورية، وتم تغييرها أكثر من مرة والبعض يتحدث عن تزويرها، أنت كشاهد عصر ومن الذين كتبوا الوثيقة الدستورية وأسهموا فيها، هل بالفعل تم هذا الأمر؟

– الوثيقة الدستورية حدث خلاف في التوقيع بالأحرف الأولى والتوقيع النهائي في أغسطس من العام 2019م ولكن الخلاف لم يكن كبيرًا، وهو خلاف يتعلق بتعيين رئيس القضاء والنائب العام الأول، وكان من المفترض أن يكون بواسطة مجلس القضاء العالي ومجلس النائب العام، لكن نُظر أن الوقت لا يسعف لذلك، وتم تغييرها دون تفويض وبطريقة همجية، تغيرت وتم التوقيع بهذا الشكل.

* من المسؤول عن هذا التغيير؟

الاستاذ نبيل أديب ود. عفراء فتح الرحمن 13 مايو 2024

– عمومًا لم أكن أنا المسؤول ولم أكن موجود، لكن التغيير ليس هو الأساس وليس خطيرًا، وما يجعل الوثيقة الدستورية غير فعالة لم يتم تكوين هياكل الحكم بموجبها، يعني لم تنفذ.

* مقاطعة المذيعة.. بالإضافة لأيقونات العدالة (المحكمة الدستورية، إلى آخره)، لكونها من أبرز موجودات الفترات الانتقالية.

* السيد نبيل أديب، شكرًا لهذه الحلقة الأولى، ربما ابتعدنا قليلا عن وثيقة القاهرة ولكن نعود إليها وتفصيلاتها بشكل أكبر في الحلقة القادمة.

– شكرًا جزيلًا لك دكتورة عفراء.

مقابلة الحلقة الأولى من برنامج ضيف المنبر الذي يبث على منصات المنبر24 – أعده للنشر محمد بركة

موقع المنبر
Logo