الحقوقي والسياسي المستقل أ. نبيل أديب في حوار الساعة على ضيف المنبر (3-3)
أبرز الخروقات إزالة التمكين التي عملت كلجنة إدارية بعيدًا عن القضاء
الحرية والتغيير غير مبسوطة لانتقادي ولا أنا مبسوط منهم
حاورته في ضيف المنبر: د. عفراء فتح الرحمن
في الجزء الثالث من مقابلة الأستاذ الحقوقي والسياسي المستقل؛ نبيل أديب، على برنامج ضيف المنبر، يكشف من خلاله تفاصيل ما حدث في لجنة تحقيق فض اعتصام القيادة العامة والعقبات التي قادت لعرقلة عمل اللجنة وملابسات استقالات بعض الأعضاء، إلى جانب خلافاته الصريحة مع الحرية والتغيير، وحول الكتلة الديمقراطية واتجاهه السياسي فيها، ووجهة نظره حول تقدم وآخر مستجداتها على المستوى السياسي، فإلى مضابط الحوار في الجزء الثالث والأخير.
من خلافاتي مع الحرية والتغيير لا سلطة لمؤتمر المحاميين أن يتبنى أي دستور
تقدم أخطأت سياسيا وليس جنائياً، لكن خطأها كارثي
دخول القوات المتحاربة أماكن مدنية يحيلها لهدف عسكري وفق اتفاقية جنيف
* إذا أردنا أن نكون أكثر شفافية واقتراب من عملك الذاتي بعيداً عن وثيقة القاهرة، لماذا اختار الأستاذ نبيل أديب (المستقل) أن ينتمي إلى الكتلة الديمقراطية ويخرج عن رفقائه القدامى في الحرية والتغيير؟
– أولاً لنبدأ القصة من أولها، أنا منذ أن كنت في الثانوي، أنا عضو في الجبهة الديمقراطية، وهو تحالف بين الشيوعيين واللا حزبين، ووصلت إلى الجامعة واستمريت، ومنذ تخرجي كمحامي وأنا عضو في الجبهة الديمقراطية، كنت في فترة في الحزب الشيوعي ولم أعد.
دخلت الحرية والتغيير من باب تحالف المحاميين، أصبحت رئيس تحالف الجبهة الديمقراطية للمحاميين منذ عام 1998، أسسنا تحالف المحاميين الديمقراطي، آنذاك كانت قيادة التحالف فيها كل من أمين مكي مدني والصادق الشامي وشخصي وجلال السيد وعدد من القيادات، استمرينا كقيادات تاريخية حتى الثورة.
وقت قيام الثورة دخلنا الحرية والتغيير من باب المهنيين، وأصبحنا طرف في التحالف ومن ثم أصبحت رئيس اللجنة القانونية للحرية والتغيير، عندما كنت في الحرية والتغيير انتقدت مسائل كثيرة، هم ما كانوا مبسوطين مني وأنا ما كنت مبسوط منهم.
* عدم الانبساط متبادل بينكم الاثنين؟– نعم، كنت قد كتبت عن الخروقات وتفاصيل أخرى، ووصل بي الأمر إلى أن قمت بطعن دستوري، وأنا بالنسبة لي احترام الدستور هو الأساس.
* ما هي أبرز ملاحظاتك على الخروقات وصولاً إلى الطعن الدستوري؟
– المسألة بدأت بقانون إزالة التمكين، كنت أعتقد أن إزالة التمكين يجب أن تتم عن طريق القضاء، وليس عن طريق لجنة إدارية، وأنه إذا تمت عن طريق القضاء بإمكاننا الحصول حتى على الأموال التي هُرِّبت إلى الخارج بموجب اتفاقية مكافحة الفساد للأمم المتحدة لمكافحة الفساد، لم يكونوا سعداء بحديثي عن جواز ترك الوسائل إلى لجنة إدارية.
وعندما أتت اتفاقية سلام جوبا أيضاً رأيت فيها خلل، وهي التعديل الدستوري الذي يقول بأنه في حال وجود أي خلاف بين اتفاقية جوبا وبين الوثيقة الدستوري تسود أحكام الاتفاقية، اعتقدت هذا خللاً.
* باعتبار أن هذه الاتفاقية بمثابة الدستور، لا يتم العلو عليه؟
– طبعا الدستور لا يمكن أن يتم العلو عليه، قمت بعمل طعن دستوري في المحكمة الدستورية، ولكن المحكمة الدستورية كانت قد ذبلت، سبعة أعضاء منها فقدوا عضويتهم، ومنهم حتى الرئيس.. المهم، حدثت مثل هذه المسائل، وكنت أحتفظ فيها باستقلاليتي، وكنت أعتقد أننا تجمعنا لتحقيق نظام ديمقراطي، ولن أتنازل عن ذلك.
قبل حدث انقلاب 25 أكتوبر بقليل؛ كنا قد شكلنا لجان في محاولة مننا للتوفيق بين الجناح العسكري والجناح المدني، وذلك بسبب تبادل الهجوم الذي حدث بين الطرفين.
حدث الانقلاب، وأنا صرحت بأن هذا هو انقلاب لمحطة البي بي سي، وكانت هذه المسألة غير مقبول بالنسبة للمجلس العسكري، لكننا تناقشنا معهم ضمن مجموعة، ضمت كل من مضوي إبراهيم ويوسف محمد زين وعدد من الناس، وتوصلنا لاتفاق ضرورة إعادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، تمت اتفاقية 21 نوفمبر، وبعدها بشهرين استقال عبد الله حمدوك، ضمن النزاعات التي حدثت.
تمت الدعوة لحوار (سوداني سوداني) في القاهرة بواسطة الحكومة المصرية، وأنا دُعِيت وذهبت إلى الحوار، وهناك كان الطرح الذي طرحته وقام بطرحه آخرين، أن الفترة الانتقالية لا يُمكن أن تُحكم بفصيل واحد، وأنه لا بد من إعادة ترتيب الأوضاع ونقوم بتعديل الوثيقة الدستورية.
وقتها كانت الحرية والتغيير قد طرحت شيء غير مفهوم اسمه “دستور المحاميين”، وقلت إنه ليس هنالك جهة تأسيسية لتصدر دستور، وفي الأصل لم يتبنى مؤتمر المحاميين أي دستور وليس من سلطاته ولا من حقه أن يتبنى أي دستور، وهذه كانت نقطة خلاف، وأنا كنت أتحدث عن عودة للوثيقة الدستورية.
لم أشارك في اعتصام القصر وتحركنا لمنع التصعيد وقابلنا العسكريين ولكنا لم نفلح
اتفاق حمدوك برهان أفضل ألف مرة من الإطاري
* الحرية والتغيير كانت قد رفضت الدعوة؟
– نعم، رفضت الدعوة، ولكننا توصلنا إلى أننا لا نريد أن نخلق منبراً معادياً، وأنه لابد أن تستمر العلاقات بيننا لإعادة الفترة الانتقالية والسير فيها، بعد ذلك اندلعت حرب أبريل، وأنا الآن أعتقد أن تقدم ارتكبت أخطاء مفصلية، والمسألة لا تحتمل أخطاء، ولكن أنا لست معادياً لتقدم.
* ما هي الأخطاء التي ارتكبتها تقدم من وجهة نظرك، ماذا فعلت؟
– الاتفاق الذي وقعته مع قائد الدعم السريع هو خطأ سياسي كبير، فالمسألة متعلقة بأنها لم تقم بإدانة واضحة لجرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، وأنا الآن اسمع تصريحات منهم أن الجيش يقوم بضرب الأعيان المدنية بالطيران، وهنا لا بد لهؤلاء الناس أن يعملوا ما يتحدثون عنه.
ففي اتفاقية جنيف 48 الرابعة تمنع استهداف الأعيان المدنية، لكن بالمقابل تُعرّف الأعيان العسكرية بأنها المباني العسكرية بطبيعتها والمباني العسكرية التي يستخدمها، فإذا دخلت قوة متحاربة في منزل أو في أي مكان من الأماكن المدنية، فإنه يحيله بالضرورة إلى هدف عسكري.
وبالنسبة لي المسألة أن القوات المسلحة هي حماية للدولة، لا يوجد أي شك في ذلك، وأنا لست مؤيداً للحرب ولا مؤيد للقوات المسلحة، القوات المسلحة حامية للدولة السودانية، وبدون وجود الدولة السودانية لا يوجد أي أنظمة، سواء ديمقراطية أو استبدادية أو غيرها.
لذلك الموقف من الحرب هو الرفض ولكن أن تنتهي الحرب بشكل يسمح بوجود الدولة السودانية المستقلة المتحدة.
*هنالك نقطتان تحدثت عنهما، النقطة الأولى تحدثت عن لجنة إزالة التمكين وأنها لجنة لا تؤول إلى محكمة، ولكن هنالك قرار كان من مولانا أبو سبيب بإعادة بعض المفصولين من لجنة إزالة التمكين إلى الخدمة المدنية مرة أخرى، وهنالك أحاديث للأستاذ وجدي صالح بإنه تعطيل عمل اللجنة القانونية كان مقصوداً، وأنه السيدة رجاء كانت جزء من اللجنة القانونية التي رفضت استمرارها في لجنة إزالة التمكين، كانت جزء يجب أن يفعل الأداء القانوني داخل اللجنة؟
– في رأيي، لجنة إزالة التمكين لم تكن لجنة متفقة مع الدستور، لأن الدستور كان يتحدث عن إزالة تمكين نظام الثلاثين من يوليو وإقامة المؤسسات، وليس إزالة التمكين بأي وسيلة، وفيما يخص إزالة التمكين ذكرت أننا متفقين من كمبالا في عام 98 على أن العدالة هي العدالة التقليدية، وأن منح المُتهم حق الدفاع عن النفس هو حق، والحرية لنا ولسوانا.
فأنا لم تكن لدي مشكلة أن تقوم لجنة إزالة التمكين بإحالة من تراه فاسداً إلى المحكمة، لكن لا تتخذ اللجنة القرار، وإنما المحكمة هي التي تتخذ القرار، خاصةً وأن الوثيقة الدستورية تقول أن التأميم عمل بالقانون والمصادرة بأمر المحكمة، وبالتالي لا يمكن أن نصادر أموال الناس بدون أمر من المحكمة.
أما بالنسبة للقضايا التي تم إلغاءها، فعندما تمت إقامة الورشة قبل الحرب مباشرة وتمت فيها مناقشة إزالة التمكين، كنت قد كتبت رأيي وأرسلته لهم ولم أحضر الورشة، وبعدها ظهر من يصرح أن الورشة قررت فصل القضاة الذين ألغوا قرارات لجنة إزالة التمكين، فإذا كانت اللجنة تقوم بفصل القضاة، فأنا لن أقبل بهذا الأمر وبالتالي لن أقبل أن أكون في خدمة أي نظام استبدادي، والمسألة بالنسبة لي تتعلق بالحريات العامة، خاصةً وأنني حقوقي.
* فيما يتعلق على مأخذك على تقدم إعلان أديس، حتى وإن كانت به ثقوب تحدث عنها الحزب الشيوعي السوداني وهيئة محامي دارفور، لماذا لا نحملها على حسن النوايا وسوء التقدير في بعض البنود، فيما يتعلق بعدالة الانتقالية أو غيرها؟، هو في النهاية جهد بشري من أجل إيقاف الحرب؟
– أنا أحمله على أنه خطأ سياسي وليس جريمة قانونية، وأنا ذكرت هذا الأمر من قبل، وقلت أن فتح البلاغات في حق أعضاء تقدم ليس صحيحاً، والمشروع السياسي يُحارب بمشروع سياسي، ولعل بعض من وُجِّهت لهم الاتهامات نادمون على أنهم لم يعملوا على إصلاح القانون، حيث ظلت المواد الغامضة التي تُستخدم في مواجهة المعارضين السياسيين موجودة.
لا علم لي بموافقة حمدوك على 25 أكتوبر وتحدثت معه عقب الانقلاب ووافق على العودة لرئاسة الوزراء
* مثل المادة 50؟– نعم، وأنا ضد استعمال القانون في مواجهة المعارض السياسي.
المعارض السياسي من حقه أن يعارض سياسياً، فلذلك أن أعتقد أن ما تم في أديس هو خطأ سياسي وليس جريمة قانونية، وهو خطأ سياسي ثقيل ومن المفترض أن يتراجعوا عنه.
* بالنسبة للكتلة الجديدة التي انتميت لها “الكتلة الديمقراطية”، ماذا تمخض عن اجتماعه الأخير غير تعيين بعض القيادات وترتيب بيت الكتلة من الداخل؟
– الكتلة ناقشت بعض الأوراق وأجازتها، وستكون موضع للطرح مع الكتل السياسية الأخرى، لكن المسألة الرئيسية هي إقرارها أنها جزء من المجتمع المدني، وأنها ستعمل من أجل العودة للفترة الانتقالية وإكمالها من أجل تأسيس نظام ديمقراطي.
* البعض ينظر إلى اجتماع الكتلة الديمقراطية بأنه جاهزية قبلية لتجهيز أفراد لحكومة قادمة، ربما حكومة حرب أو حكومة ما قبل انتهاء الحرب؟
– لا أعتقد ذلك ولا أقبل ذلك، فمسألة تكوين الحكومة هي مسألة يجب أن تتم وفقاً للوثيقة الدستورية.
* أيضاً البعض يرى أن هذه الكتلة هي السبب في قيام 25 أكتوبر، لأن هذه الكتلة عريضة، تستند إلى الإدارات الأهلية والقوى التقليدية القديمة، وليست لديها مشكلات مع الكيانات السياسية التي كانت جزء من حكومة نظام الإنقاذ التي انقلبت عليها الثورة، فوجود هذه الكتلة في مربع مشعلي أو داعمي 25 أكتوبر، كيف تنظر إلى هذا الموقف أنت كرجل حقوقي؟
– أنا أول من ذكر أن 25 أكتوبر هو إجراء غير دستوري، أنا لا أعتقد أن السبب هو مجموعة اعتصام القصر، أعتقد أن السبب هو المكايدات التي اندفعت بدون سبب بين القوى السياسية والعسكرية، ولقد تحركنا بسرعة لتفادي ذلك، وحاولنا وقابلنا العسكريين والمدنيين لمنع التصعيد ولكن لم نفلح، وشارك بعض من ذكرتهم مثل المرحوم محجوب محمد صالح والدبلّو وعدد آخر في هذه المحاولات.
* هذا الكلام لا يُوجّه إليك بشكل شخصي، وإنما أنت جزء من تيار سياسي عريض، كان معتصماً أمام القصر، وبعض الهتافات مثل لن نرجع حتى البيان يطلع، هذا التحشيد كان في مقابل تحشيد ميدان اعتصام القيادة العامة، اغلاق الطرق في شرق السودان، والبعض ينظر إلى هذه الأشياء أنها مصنوعة من أجل 25 أكتوبر؟
أنا شخصياً لم أشارك في اعتصام القصر، وأنا كنت مشغول في ذلك الوقت بوقف التصعيد.
راجعنا أوراق تحقيق النائب العام والعسكر أثناء تحقيقنا وغير ملزمين بنتائج التحقيقين
* ليس بالضرورة مشاركتك؟
– لا، أنا كنت التصعيد من أي جانب، إلى أن وقعت الواقعة، وعندما وقعت الواقعة كنا أمام خيارين، إما أن نقف معارضين بشكل كامل مع اللاءات، أو نحاول إصلاح الوضع، وحاولنا ونجحنا، وتم توقيع اتفاق حمدوك والبرهان، وهذا الاتفاق أحسن ألف مرة من الاتفاق الإطاري، وكان يتحدث عن تعديل الوثيقة الدستورية وكل التفاصيل، وبنود هذه الاتفاقية كانت ممتازة.
رُفِض واستمرت الحكاية إلى أن ساء الأمر أكثر، وأنا شخصياً لست متحزباً بمعنى أنني أريد جزء يحكم، أنا أتحدث عن مبادئ، بمعنى أنه يجب أن نتفق جميعاً بكل منظوراتنا المختلفة على إدارة الفترة الانتقالية بشكل يسمح بتأسيس نظام دستوري.
* حميدتي في حديث مصور قال بأن ما تم في 25 أكتوبر كنا قد اتفقنا عليه جميعاً، وحمدوك كان قد اتفق معنا، على أننا نقوم بتغيير العسكريين، وهو يقوم بتغيير المدنيين، لكنه قال بأنه لن يستطيع أن يقوم بالتغيير لأي سبب من الأسباب، لكنه كان موافقاً على 25 أكتوبر، كيف تنظر إلى هذه الرواية؟
– ليست لدي معلومة مباشرة حول هذا الأمر، لكنني تحدثت مع حمدوك بعد الانقلاب، ووافق على ما قلته له، أن الحل الوحيد هو إعادة الوضع إلى ما قبل 25 أكتوبر، وذلك بعودته لرئاسة الوزراء، وأن تتم تعديلات في الوثيقة الدستورية بشكل يسمح بتشكيل البرلمان وغيره من النقاط، ووافق ووقع على اتفاق مع البرهان، لكنه لم يذكر لي أنه كان على علم بما تم في 25 أكتوبر، لكنني سمعت هذا الحديث من جهات أخرى.
* بالذهاب إلى المربع الشهير الذي تُسأل عنه كثيراً، وهو لجنة فض اعتصام القيادة العامة، في لقاء لي مع سيادة الفريق ياسر العطا في 2022 قبل عامين من الآن، تحدثوا عن أنهم كمكون عسكري أجروا تحقيقاً سريعاً وعاجلاً وأنهم احتجزوا بعض الأشخاص المتهمين في هذه القضية، إلا أن الحرية والتغيير رفضت ما توصلوا إليه وقالوا سنجري تحقيقاً منفصلاً، أنتم في لجنة تحقيق فض اعتصام القيادة العامة، أثناء التحقيق، هل وقفتم على تحقيقات المكون العسكري وعلى المحبوسين وعلى شهاداتهم وما إلى ذلك؟
– أولاً ليست الحرية والتغيير هي التي رفضت التحقيق، الوثيقة الدستورية هي التي رفضت التحقيق، الوثيقة الدستورية في الفقرة 16 من المادة 8 تذكر أن على رئيس الوزراء تعيين لجنة تحقيق مستقلة خلال شهر من تعيينه لتقوم بالتحقيق في كافة الانتهاكات التي حدثت في الثالث من يونيو، فهذا الأمر لم يكن خيار لنا، وإنما وضع دستور اتفق عليه الطرفان، تم تعييننا لهذه اللجنة وقبلنا بأن نجري التحقيق.
الذي حدث أننا قمنا بمراجعة تحقيقين، تحقيق تم من قِبل المكون العسكري وتحقيق تم بواسطة النائب العام، وكانت لدينا أوراقها وقمنا بمراجعتها في الوقت الذي كنا نجري تحقيقنا، لكننا غير ملزمين بنتائج التحقيقين.
* أنتم غير ملزمين بنتائج التحقيقين، ولكن ماذا وجدتم؟، هل كان المكون العسكري جاد في هذه التحقيقات في الوصول إلى نتائج وفي معاقبة الجاني؟
– في الحقيقة نحن لم نصل إلى نتائج في هذا التحقيق، وبالتالي لا يمكن أن أدلي بشيء حول هذا الأمر، لكن المسألة هي أن الناس لا تستطيع أن تقيم هذه اللجنة.
هذه اللجنة هي لجنة تحقيق جنائي وفق قانون الإجراءات الجنائية وقانون النائب العام. تقوم بالتحقيق في جرائم، فإذا وجدت بينات تقود إلى توجيه اتهام فإنها تقوم بتوجيه الاتهام إلى الأشخاص المعنيين، وترفع هذه النتائج إلى النائب العام، وهو صاحب الحق في توجيه الاتهام، وإذا لم يقم بشطب هذه الاتهامات فعليه إحالة هذه الاتهامات إلى المحكمة، وهي التي تقرر، واللجنة ليست لديها التقرير.
* الجميع كان في انتظار هذه الاتهامات وتقديمها إلى المحكمة أو حتى وصولها إلى النائب العام؟
– لا أستطيع قول شيء حول هذا الأمر لأنه ليست لدينا اتهامات.
* هل انشغلت لجنة التحقيق بمن أطلق الأوامر وهذا الأمر شغلها عن الجناة الميدانيين، لأن هنالك العديد من الفيديوهات لأشخاص يقتادون فتيات ولأشخاص آخرين يضربون الثوار ولأشخاص يصورون الدماء التي اختلطت بمياه الأمطار، وهو شخص معروف وقد قام بتصوير هذه المشاهد بهاتفه، فهل أنتم انصرفتم إلى من أطلق الأوامر؟
– عندما تم تكوين اللجنة، أرسل لنا مولانا تاج السر الحبر النائب العام؛ مجموعة ملفات تحوي بلاغات، وقد قمت بإرجاع هذه الملفات له بخطاب مفاده أننا لا نحتكر الاتهامات الجنائية، فأي شخص لديه بلاغ فليستمر بلاغه، وأي تحقيق يتم إجراءه يستمر، وكل ما نطلبه هو أي نتائج تظهر تُرسل لنا فور ظهورها.
لكن نحن بالنسبة لنا المسؤولية هي المسؤولية الكبرى عن الانتهاكات التي حدثت، وهي مسؤولية جماعية.
لا سلطة لنا بالمشارح ولم نمنع دفن الجثث وهناك جثث من أيام الثورة
هناك أكثر من 500 جثة دفنت بشكل جماعي قبل العرض للطب الشرعي
* هل هذا يعني من أطلق الأوامر بشكل أعلى؟
– أعني أنه كيف حدثت هذه الانتهاكات، هل تمت بفعل أوامر عليا أو أنها حدثت نتيجة انفلات وما إلى ذلك. أما كل البلاغات الأخرى فلتستمر، فإذا كان أصحاب البلاغات تابعوا سيرها أم لا، لا أعرف، لكنني لا أستطيع أن جري 300 محكمة واتهام، وإنما أبحث ما إذا كان هناك أوامر عليا أدت إلى ما حدث.
* لماذا لم تتبعوا تسلسل الأوامر، بمعنى أن الشخص الذي كان يصور فيديو ويقوم بشتم الثوار أو يضرب فتاة، لماذا لا يؤتى به ويُسأل من الذي أمرك بهذا ويشير لقائده، وقائده يُسأل ويشير لقائده، وصولاً إلى من أطلق الأوامر؟
– ومن قال لك أن هذا لم يحدث؟لو حدث لتوصلنا إلى نتيجة؟
– لم نصل إلى نتيجة، فالشخص الذي تتخيلي أنه بالإمكان أن يعترف بقائده لا يقول أنه أتتني أوامر من رئيسي، وإنما يتحدث عن أنه كان يقوم بفض الاعتصام ويقوم بما يقوم به ويدلي بأقوال أخرى.
* إذن الاعتراف سيد الأدلة، لماذا لا توجهون له تهمة؟
– أنا لا أوجه له تهمه، هذا من اختصاص وكيل النيابة، هو الذي يقوم بمحاكمته.
* لكنك تقوم بنقل هذا الأمر للنائب العام؟
– لا، أنا لست طرفاً في هذا الأمر، أنا أحقق معه فيما يخصني، وهو في الأساس موجه ضده اتهام، فليستمروا فيما يتعلق بهذا الاتهام، وهذا ما قلناه لهم، لأنه ليس من اختصاصي، لكنني أبحث عن المسؤولية الكبرى فيما حدث، فالجريمة ليست في إجراء فض الاعتصام، لكن الطريقة التي تم بها فض هذا الاعتصام هي الجريمة.
فلابد أن نعرف من الذي أصدر الأوامر، وكيف تم تنفيذ هذه الأوامر. فمن الممكن إصدار أوامر بفض الاعتصام ولكن بطريقة تمنع ما تم من انتهاكات. ونحن قمنا بالتحقيق مع كل الناس، قمنا بالتحقيق مع الفريق البرهان نفسه، وقمنا بالتحقيق مع حميدتي، ولكن هنالك تفاصيل ما زالت قيد التحقيق.
* البعض يتهم هذه اللجنة بأنها كانت متباطئة –وهنا لا نقصد القول بأنها كانت متواطئة- لكنها كانت متباطئة، بدليل أن هنالك جثث في مشارح تعفنت، إلى الدرجة التي أصبح فيها الناس المتواجدين حول المشرحة اشتموا رائحة التعفن، إذا كانت اللجنة تعمل بطريقة سريعة لبحثت عن جثث الشهداء وعرضتها إلى الطب الشرعي وتوصلت إلى نتائج تدعم الاتهامات؟
– ما ذكرتيه ليس صحيحاً، نحن في الأساس لا صلة لنا بالمشارح نهائياً. النيابة العمومية هي المسؤولة عن المشارح، هي التي تأمر بالدفن وتأخذ المعلومة.
نحن كتبنا للنائب العام أن يأخذ البصمة الوراثية من كل جثة ويذكر منها المعلومات التي توصل إليها فقط، حول متى قُتِل، وكيف طريقة قتله وبقية التفاصيل بالإضافة إلى البصمة الوراثية، والجثة تُدفن، ونحن لم نمنع دفن الجثث.
* هنا كان القصد، أن هذه الجثث لم يتم دفنها لأن إجراءات الكشف عليها عن طريق المشارح لم تتم؟
– هذا ليس صحيحاً، أنا ليس لدي صلاحيات تدخل في الكشف ولم أذهب لمشرحة من قبل، وأنا لست طرف في المشرحة.
* من المفترض أن تكون اللجنة طرف في المشرحة بحثاً عن الأدلة..
– لا ليس لديها علاقة بالمشرحة، والجثث الموجودة بالمشرحة لم يموتوا جميعاً في الاعتصام، بل منهم من ماتوا في أوقات متفرقة أثناء الثورة، واللجنة ليست لديها سلطة في المشرحة، بل السلطة سلطة وكيل النيابة في المنطقة، هو الذي يدفن وهو من يقوم بأي عمل يخص المشرحة.
* إذن هو (وكيل النيابة) يقوم بتمليكك المعلومات..
– نعم، قبل الدفن، وسبق أن طلبنا معلومات منهم. ونحن في الأساس كان لدينا اتصال بجامعة كولومبيا وأتوا ورأوا المشارح بأنفسهم، ولديهم نقدهم في حق هذه المشارح، ولديهم نقدهم ما توصلوا إليه من مدافن في شمال أمدرمان التي دفنت فيها أكثر من 500 جثة، وتفاصيل أخرى كثيرة.
* أكثر من 500 جثة دُفِنت قبل التعرف عليها وتعريضها للطب الشرعي؟– نعم، دُفِنت بشكل جماعي. وهنالك صور تم التقاطها بالستالايت تُبرز تاريخ الدفن وما حولها من التفاصيل.
* ألا تُبرِز هذه الصور من قام بالدفن بأزيائهم؟
– هم مجرد أشخاص قاموا بالدفن.
* ماذا يرتدي هؤلاء الأشخاص الذين قاموا بالدفن؟
– لن أقول لكِ من هم هؤلاء الأشخاص، وهذا الأمر لا يخصنا. ما يخصنا هو هل هذا الأمر لديه علاقة بفض الاعتصام أم لا، وقد قمنا بالتحقيق مع الأشخاص الذين كانوا في المنطقة فيما حدث قبل فض الاعتصام وما حدث بعده، وتوصلنا إلى نتائج، ولكن هذه النتائج ليست للإذاعة، ولا أستطيع أن أتحدث عنها.
* لماذا لم تقدموا هذه النتائج للجهة المعنية؟
– هذه الجهة لا تريد هذه النتائج، وإنما تريد توجيه الاتهام، وأنا لا أريد أن أسرد لهم مجرد حكاية.
* كل هذا لا يُفضي إلى توجيه اتهام من مقابر جماعية وصور بالستالايت وجامعة من خارج السودان؟
* من الذي أمر بهذا، وهل الأمر كان بالقتل أم بالفض؟، وإذا تم الفض، هل تم الأمر بواسطة وكيل نيابة مسؤول ومنع الانتهاكات أم لا، وإذا لم يتم ذلك من المسؤول. هذه مسائل كبيرة جداً.
* وكيل النيابة في ذلك الوقت خرج وبرّأ نفسه بأنه أتى والأوامر كانت كولومبيا وما تم لا دخل له به وهكذا؟
– هذا الحديث يمكن أن تقوليه أنتِ لكن أنا بالنسبة لا يعنيني.
* هو قال ذلك، أنا أتحدث فقط عن ما قاله؟
– هو لم يكن وكيل نيابة واحد، هم كانوا ستة وكلاء نيابة، وكان هنالك الوكيل الأعلى، كانوا جميعاً حاضرين في ذلك اليوم، وأنا لا أتطرق إلى ما قالوه في موضوع التحقيق، وإنما المسألة هي معلومات دقيقة جداً طلبناها، منها على سبيل المثال صور بالستالايت ما حدث يوم الهجوم، وأنا الآن لن أذكر التفاصيل.
* وهل هناك حوجة لصور الستالايت؟، هنالك من قاموا بتصوير الأحداث بهواتفهم، وحتى الجناة قاموا بالتصوير بهواتفهم؟
– لا، الأمر عندما يتعلق الأمر بالقاضي لابد من أن تثبتي له ما حدث بالفعل في الموقع، فيديوهات الهواتف غير كافية، فهنالك من كانوا يتحدثون باللغة الفرنسية، وهنالك من تحدوا أن هذه الأحداث في السودان وقالوا بأنها حدثت في تشاد. فلابد من أن يكون الإثبات بصور الستالايت.
* أي أن صور الستالايت لا يمكن إنكارها؟
– نعم، هذه تفاصيل فنية نعرفها، وقد بذلنا فيها قصارى جهدنا، وهنالك بعض التفاصيل كنا نعمل عليها تبقى منها أشياء بسيطة للوصول إلى نتائج، تعرقلت.
* تعرقلت من الجهة التي أصدرت الأوامر مثلا؟
– تعرقلت لأسباب مختلفة.
* بصراحة، البعض يتحدث عن إبطاء عمل لجنة تحقيق فض الاعتصام كان مقصوداً لاستمرار الشراكة بين العسكريين والمدنيين، وهنالك طرف يريد الاستمرار في الحكم، وهنالك طرف يريد عدم إلقاء المسؤولية على عاتقه، فلذلك ظلت هذه اللجنة صامتة؟
– أنا أقول الآتي: هذه اللجنة كانت تحقق ولديها سجل للتحقيق، به معلومات دقيقة ومعلومات فنية وبه إجراءات طويلة، ولكن هناك من يهرف بما لا يعرف، هذا ديدن الفيسبوك، مثل من يقول لك لماذا لم تعملوا ولم تفعلوا، فما الذي يعلمه هذا المتحدث عن ما أفعله ؟ّ.
المادة التي نعمل بموجبها تم وضعها بالاستعانة بالاتحاد الأفريقي، والسبب أن هنالك مسائل متعلقة بالتحقيقات قد يتم التدخل فيها، ولذلك لابد من وجود جهة خارجية في هذا العمل.
– ولكن الاتحاد الأفريقي اعتذر في النهاية؟
– الاتحاد الأفريقي أمضى عام كامل قبل الاعتذار ونحن كنا في مخاطبة كتابية معه، وعندما اعتذر طلبنا من السيد رئيس الوزراء أن يستعين بجهة فينة أخرى، وأن يمنحنا الإذن، لأنه ليس لديننا إذن إلا من الاتحاد الأفريقي، وعندما طلبنا منه هذا الطلب رد بالرفض وقال بأنه هو من سيأتي بجهة فنية أخرى، وقد فعل، وكان لدينا اتصال عن طريق لجنة المفقودين بجامعة كولومبيا، وقد منحتنا معلومات لها قيمتها بالنسبة لنا.
وفي ذلك الوقت كنا نطلب معلومات من الجهة التي حددها لنا رئيس الوزراء، ولكن كان هنالك صعوبات ومشاكل في أداء عملنا. وعندما استقال رئيس الوزراء لم تعد هنالك جهة تستطيع التنسيق مع الجهة خارجية لمدنا بصور الأقمار الصناعية، وكانت هنالك صعوبات عملية في التحقيق وبالتالي لم نصل إلى نتائج.
الناس يتحدثون من دون أن يكون لهم علم ومعرفة بما يحدث، فالحديث عن أن هنالك من صور فيديو بهاتفه من بين هذه القوات، من أين أتى بالأوامر؟، وهذا شيء لا يمكن أن الاعتماد عليه.
* إذا تم الحكم على مجمل الذين نفذوا الأوامر؟
– أنا ليس لدي شأن بهذه الأحكام لأنها بلاغات مستقلة، ولم أتدخل في شأنها، كان من المفترض أن يستمر أصحاب هذه البلاغات بشأنها في كافة إجراءاتهم، وقلنا لهم كثيراً استمروا، لكنهم لا يريدون الاستمرار.
* ومن جهة أخرى المكون العسكري قال بأنه أراد أن يقود الأمور إلى نهاياتها وقالوا له ارفع يدك عن هذه القضية ورفع يده؟
– المكون العسكري أجرى تحقيق، ولديه متهمين، لكننا لم ندخل في تحقيقاته.
* لكن تحقيقه غير معترف به وفقاً للوثيقة الدستورية؟
– هذا الأمر هو شأن عسكري، ومن الممكن أن يحاكمهم، وأنا لم أدخل في هذا الشأن، وموضوعي مختلف.
* لماذا استقال اثنين من لجنة تحقيق فض اعتصام القيادة العامة؟
– الأول كان المقرر وهو كبير مستشارين بوزارة العدل، لأنه كان كثير التوتر مع من هم حوله ولم يكن معهم على وفاق، واستقال لهذا السبب، لأنه كان يعتقد أن الآخرين لا يصغون لكلامه وما إلى ذلك.
الثاني هو أحمد الطاهر النور محامي وقاضي سابق، ورجل زميل محترم. ذكر في استقالته أن الحكومة لا تحمي اللجنة، وكان الناس صباحاً ومساءً يشتمون لجنة التحقيق على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنه غير مستعد للتعرض لمثل هذه الأمور. حاولنا أ نثنيه عن الاستقالة لكنه أصر.
* هل استخدمت جهة ما، فض الاعتصام ككرت ضغط لتحقيق مكاسب سياسية ما؟
– هنالك أناس اتهموا بعضهم، وبالنسبة لي هذا الأمر ليس له معنى، وهنالك اتهامات تم توجيهها بشكل سياسي من هنا وهناك.
* هل الموجودين في ذلك الوقت بشقيهم المدني والعسكري كانوا جاهزين للخضوع لسلطة القضاء لتنفيذ ما يراه القاضي مناسباً على الجناة؟
– هذا سؤال يُوَجّه لهم، لكن من حيث الدستور في المادة 22 من الوثيقة الدستورية تقول إنه لا يجوز توجيه الاتهام لأعضاء مجلس السيادة والوزراء والمحافظين والولاة إلا بعد رفع الحصانة عنهم بواسطة المجلس التشريعي، وإذا لم يكن المجلس التشريعي مُكوناً، فإن رفع الحصانة يتم بواسطة المحكمة الدستورية، لم يتشكل المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية غير موجودة.
* إذن كان الأمر مستحيلاً!!، وعلى هذا الأساس، هل يمكن القول أن وجود لجنة تحقيق فض الاعتصام كان تحصيل حاصل؟
– نحن اتفقنا ألا نذكر ذلك أبداً بصفة علنية، لأننا إن ذكرنا ذلك فلن يتم تشكيل المحكمة الدستورية ولن يتم تشكيل المجلس التشريعي.
طلبت من كل أعضاء اللجنة بعدم الحديث عن مجريات التحقيق قبل التوصل لنتائج
* ولكن في الأساس لم يتم تشكيل أي شيء؟
– نعم، ولم نذكر الأمر، وحققنا معهم، وهذه هي إجراءات اتخذناها ولم يعترضوا عليها، عندما قمت باستدعاء الفريق البرهان للتحقيق، لم يعترض ويتحدث عن أنه لديه منصب دستوري، وإنما خضع للتحقيق وقام بالرد على كل الأسئلة.
قلت لكل من في اللجنة بأن لا يتحدثوا عن هذا الأمر، وأن نترك الحديث إلى حين الوصول إلى اتهامات صريحة و”نقوم نكركبها معاهم”، لكن الواضح أن الأمر لم يكن يسير على قدمٍ وساق، بمعنى أنه طالما هنالك حصانة فإننا لن نعرف كيف يمكن رفع هذه الحصانة، لكن عزمنا أن نمضي في التحقيقات للوصول إلى نتائج، بعد ذلك كنا سنترك الأمر للحكومة للتصرف فيه.
* هل وجودك في المعسكر الآخر الداعم للقوات المسلحة مبني على معلومات بأن الدعم السريع كان ضالعاً في فض اعتصام القيادة العامة؟– لا، بالنسبة لي فض اعتصام القيادة العامة هو تحقيق جنائي ليس لديه أي صفة سياسية، وذكرت أن لدي هوى سياسي لن يدخل نهائياً في تكوين العقيدة المتعلقة بالقرار.
لكن موقفي الآن هو شعوري بالخطورة على الدولة السودانية بغض النظر عن من الذي فض الاعتصام، بالنسبة لي المسألة هي بهذه الأهمية، الدفاع عن الدولة السودانية وبقاءها وبقاء السودان موحداً هو الذي يحدد موقفي السياسي. أما فض الاعتصام، فإذا اكتشفت أن الذي قام بالفض هو زيد أو عبيد فإنني فعلى الفور أقوم بتوجيه الاتهام.
هنالك نقطة مهمة لابد أن يعرفها الناس، وهي توجيه الاتهام دون استناد على بيِّنات قوية ستؤدي إلى الإفلات من العقاب، ماذا سيحدث في هذه الحالة؟. سيحدث شطب للاتهام في مرحلة النائب العام، أو سيتم الشطب في مرحلة المحكمة.
* لعدم وجود بيِّنات كافية..
– طبعاً، فهذا التحقيق هو تحقيق جنائي. فالأمر ليس ترجيح بيِّنات فحسب، وإنما لابد للبيِّنة بما لا يدع مجال لشكِّ معقول.
* هل تعرّض مكتبكم بالخرطوم ما تعرّضت له معظم المقار، من تهديم أو حتى من اجتياح ومن اعتداء، مما يجعل المعلومات التي تحصّلتم عليها حتى الآن ضائعة؟
– كل المعلومات المتعلقة بفض الاعتصام لم يتم الاحتفاظ بها في مكتبي أصلاً، ولا في مكتب اللجنة.
* تحدثت لمنصة “مجد” أن رؤيتك الذاتية لوقف الحرب عبر هدنة طويلة برعاية جهات خارجية، من ناحية تدعون للحوار السوداني السوداني ولحل القضية داخل البيت السوداني، ومن ناحية أخرى لهدنة مرعية برقابة دولية. فكيف يتم التوافق بين الرؤيتين المتناقضتين؟
– إنتي قرأتِ نصف التصريح، لأن النصف الآخر يتضمن ما سيحدث وقت الهدنة الطويلة، وهو السماح للقوى السياسية لتأسيس دستوري متفق عليه، ولكن ذكرت أن الهُدن التي تمت في منصة جدة كانت هُدن كوميدية أكثر من أنها هُدن معقولة، لأنه ليس من الممكن أن تقوم بعمل هُدنة من دون هيئة رقابة ودون تخريط لمواقع القوات ودون معرفة بتاريخ الهُدنة بالشكل الذي يضمن عدم وجود أي جهة خارج مواقعها، ووفقاً لذلك تُقام الهُدنة.
ما حدث هو إعلان هُدنة وفي اليوم الثاني نجد قوات الدعم السريع قد دخلت إلى أمدرمان، وهذه تُعتبر قوات متحركة، والمهم في الهدنة هو وقف العدائيات، والمقصود بالعدائيات هنا هي إنما التحركات التي تُهيء الوضع للهجوم، فمن الممكن أن تجد قوة لا تقوم بإطلاق النار، ولكن تجدها تجمعت وحشدت في منطقة ما وقت الهدنة.
فلذلك قلنا إنه ليس من الممكن الذهاب إلى منبر جدة بهذه الطريقة الكوميدية، وإنما بطريقة جادة وفقاً لقانون الحرب والحياد.
* تخريط وجود القوات هنا يقود إلى إعلان أديس الذي ورد فيه أن المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الدعم السريع، فإن أمن المواطنين فيها يقع على عاتق الدعم السريع، وهذه النقطة التي انتقدها الدكتور عبد الله حمدوك بأن الدعم السريع لم يلتزم بحماية المواطنين الواقعين تحت سيطرة قواته في مناطقهم، مما يمشي بأنه لا يزال هنالك حسن نوايا في توقيع إعلان أديس أبابا من أجل الوصول إلى نهايات لم يتم التوصل إليها لسوء الطالع؟
– في الأساس حماية المدنيين هو واجب على السلطة المحتلة، ولا يحتاج الأمر إلى كتابة اتفاق، فبموجب قانون الحرب والحياد؛ السلطة المحتلة عليها حماية المدنيين بغض النظر عن الوضع الدستوري والقانوني.
الذي يحدث لا يكمن في أن الدعم السريع لا يحمي المدنيين في المناطق المحتلة، وإنما هو من يقوم باحتلالهم واحتلال منازلهم وهو استهداف مباشر للأعيان المدنية.
* أستاذ نبيل، أنت تمثل خليط سوداني خاص، ربما لا تحب الحديث عن الأديان، لكن الدين المسيحي مع أمشاج من العلاقات مع عظماء أمثال منصور خالد، مع مدينة أمدرمان، مع الانتماء لليسار؛ الحزب الشيوعي السوداني في مرحلة من المراحل، ومع الائتلاف مع الكتلة الديمقراطية المُتَّهَمة من قِبل البعض بأنها ساعدت في الانقلاب على الحكم المدني أو على الديمقراطية في 25 أكتوبر، الحقوقية من ناحية ولجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة من ناحية أخرى. هذه المتناقضات الكثيفة، كيف تصفها عندما تقف أمام المرآة؟
– أنا أولاً سوداني، ثانياً حقوقي، ثالثاً سياسي، السياسي يخدم الحقوقي، والحقوقي يخدم السودان، وليست لدي فواصل. الدين بالنسبة لي مسألة بين الشخص وربه، وأي خلط بين الدين والسياسة سيضر بهما في رأيي.
العمالقة الذين عرفتهم في حياتي أفادوني كثيراً، وأشكرك أنكِ قمتي بتذكيري بقامات مثل منصور خالد وفاروق أبو عيسى وأمين مكي مدني، وهؤلاء أناس لن أنسى استفادتي منهم. لكن في ذات الوقت عندما أقف أمام المرأة كما ذكرتِ أفكر بالتسلسل، في البلد ثم الحقوق ثم السياسة التي توصلنا لما نرمي إليه.
* أنت كرجل سياسي مستقل ومنتمي حالياً إلى الكتلة الديمقراطية، إلى أي مدى ترى إمكانية استعداد التفاف جميع السودانيين في طاولة حول الحوار السوداني السوداني لأن البعض يرى أن هذا الأمر عصيا على التطبيق على الأقل في القريب العاجل؟
– السودانيون أثبتوا أنهم في اللحظات الحرجة يتوحدون، حدث ذلك في التاريخ عدة مرات، ذابت الخلافات في هذه اللحظات. فعند إعلان الاستقلال ذابت الخلافات بشكل غريب بين حزب الأمة والاتحادي بعد خلافات عنيفة ومستمرة، والفترة الانتقالية شهدت طرحين متعادين، ذابت في لحظة الاستقلال.خلال الانتفاضات الثلاث كنا نرى تجمع للشعب السوداني خلف شعارات لا تسمح بالانقسام وتدعو للتوحد. ولكن هنالك مشاكل أخرى موجودة.. لدي أمل أننا سنتفق وسنصل إلى بر الأمان، ولكن ليس هنالك ضمانات إلا بالسعي الجاد.