نفى رئيس الوزراء السوداني السابق رئيس الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) عبدالله حمدوك صحة ما يتردد عن انحيازهم كقوى مدنية لأي طرف من طرفي الحرب الدائرة بين الجيش و”الدعم السريع” منذ منتصف أبريل 2023، إذ يقفون على مسافة واحدة من الطرفين، لكنهم ليسوا محايدين أو وسطاء، بل منحازون لكل من أصابه الضرر من هذه الحرب.
وقال حمدوك في حواره مع “اندبندنت عربية” إن الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في الـ25 من أكتوبر 2021 ضد الحكومة المدنية القائمة آنذاك هيأ لاندلاع الحرب الحالية، داعياً المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته عبر آليات مجلس الأمن في حال انهيار الدولة بالسودان وتطور الأزمة الإنسانية من لجوء ومجاعة إلى مهدد للأمن والسلم الدوليين.
ونوه إلى أن استمرار الصراع المسلح وتمدده لكل يوم جديد يعرض البلاد لأخطار وجودية مع تنامى خطاب الكراهية والعنصرية والجهوية، مما يهدد بقاء الدولة السودانية.
وبين أنه غير مهتم بتقلد أي منصب سيادي في الوقت الحاضر ومستقبلاً، لكنه أكد أن تواصله مع الطرفين المتحاربين مستم راً، وما زال يأمل في لقاء قائد الجيش حفاظاً على الوطن من الضياع، وأوضح أن التعامل مع مثل هذه الظروف الحرجة في تاريخ الأوطان يتطلب شجاعة امتلاك الإرادة السياسية القوية واتخاذ القرارات الشجاعة.
كارثة آنية
حول نظرته لهذه الحرب بعد دخولها العام الثاني أفاد حمدوك بأنه “من المؤسف أن هذه الحرب المؤلمة دخلت مرحلة غير مسبوقة من تدمير للشعب السوداني ومقدراته وازدياد في كم وكيف الانتهاكات، وأخطر من كل ذلك نذر المجاعة التي تتهدد ملايين، وحال لم تتدارك ستؤدي إلى فقدان أضعاف مضاعفة من الأرواح تفوق أعداد الذين قضوا تحت نيران الرصاص”.
وتابع “استمرار الصراع المسلح يشكل كارثة آنية وأيضاً بعيدة المدى، فنتائجه الحتمية أرواح تزهق وأجيال تدمر وموارد تهدر وإنسانية تنتهك وشعب يتعرض للذل والمهانة في أماكن نزوحه ولجوئه، ولذلك فإنه من غير اللائق أن يدعو من هو في مأمن إلى استمرار الحرب تحت أية ذريعة كانت، ومن الحقائق المؤسفة أنه مع تمدد الصراع المسلح لكل يوم جديد تتعرض البلاد لأخطار وجودية مع تنامي خطاب الكراهية والعنصرية والجهوية، مما يهدد بقاء الدولة السودانية، ولذلك وجب التصدي لمثل هذا الخطاب وضرورة رفع الوعي ومحاصرة العنصريين ودعاة الفتنة بكل حزم وجدية”.
وأضاف “السودان يدخل عامه الثاني من الحرب التي أزهقت فيها آلاف الأرواح وخلفت عشرات الآلاف من الأيتام والأرامل والثكالى، وكذلك ارتكبت فيها أفظع الانتهاكات ودمرت البنى التحتية وقضت على مقدرات البلاد، وتسببت في نزوح ولجوء ملايين من أبناء وبنات الشعب السوداني إلى دول الجوار، وفي هذا الصدد لا بد لنا أن نشكر الأشقاء في الدول الأفريقية والعربية، وخصوصاً دول الجوار التي استقبلت كل هذه الأعداد من اللاجئين، ونكرر رجاءنا للأشقاء في هذه الدول لبذل مزيد من الجهد لتضميد جراح اللاجئين، وذلك بتيسير الإجراءات وتقديم كل العون الممكن لهم، وستحفظ ذاكرة الشعب السوداني هذه الوقفات المشرفة من الأشقاء”
ومضى في حديثه “من هذا المنطلق نناشد المجتمع الإقليمي والدولي بتحمل مسؤولياته بالضغط علي الأطراف المتصارعة للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية من دون قيد أو شرط، وألا يتم استخدام الغذاء والدواء كسلاح لقتل مزيد من المدنيين الأبرياء، كما نطالب المجتمع الدولي بضرورة السعي الفوري والجاد إلى إيقاف الحرب بإعادة الجيش السوداني وقوات (الدعم السريع) إلى طاولة التفاوض، وفق رؤية متكاملة للحل تؤدي إلى الوقف الفوري للحرب وإيصال المساعدات الإنسانية والعودة لمسار الانتقال الذي يفضي إلى التحول المدني الديمقراطي، بما يحقق دولة المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة، كما نناشد باسم الإنسانية كل الأطراف المتصارعة أن يعودوا لرشدهم وأن يتخذوا القرار الصحيح بالوقف الفوري لهذه المحرقة”.
جبهة موحدة
وعن اتهامهم بأنهم يمثلون الذراع السياسية للدعم السريع”، فضلاً عن جهودهم لوقف الحرب، أجاب رئيس الوزراء السوداني السابق “نحن غير منحازين لأي طرف في الحرب ونقف على مسافة واحدة من الطرفين المتحاربين، وفي الوقت نفسه ليسوا محايدين أو وسطاء، بل منحازون لأسر الشهداء من المدنيين والعسكريين، ولمن زجوا في الصراع المسلح من دون أن يكون لهم فيه اختيار ودفعوا فيه أرواحهم، ومنحازون لمن سلبت أموالهم وممتلكاتهم وتعرضوا لجرائم وانتهاكات خطرة، ولملايين الذين شردوا من مناطقهم، فضلاً عن الجوعى والفقراء الذين يعرضهم استمرار القتال للموت أمام أنظار العالم، ومنحازون للبرنامج الوطني الديمقراطي من أجل وطن يسع الجميع”.
وقال إنه “منذ تفجر الأوضاع لم تتوقف جهود القوى المدنية لوقف الحرب، واستمرت الاتصالات مع طرفي الصراع والقوى والمنظمات الإقليمية والدولية، وشرعنا في الوقت نفسه في بناء جبهة موحدة ضد الحرب، و
كان شعارنا ودافعنا هو أن تتوقف معاناة الشعب السوداني، وأن نبذل كل جهد ونقدم كل ثمن ممكن لذلك، واستغرق الأمر وقتاً حتى استطعنا قطع خطوة مهمة في المشوار بالاجتماع الموسع الذي كان في أكتوبر ( 2023 في أديس أبابا ونتج منه تكوين تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، وتواصل العمل بعد ذلك، وقدمنا الدعوات إلى القوى السياسية وحركات الكفاح المسلح والقوى المدنية والمهنية ولجان المقاومة للانضمام لهذه الجهود والمساهمة في بناء هذه الجبهة، ووجدنا استجابة طيبة، إذ انضم للتنسيقية عدد من الجهات التي تؤمن بأهدافها”.
وزاد “في الإطار نفسه قدمنا الدعوات لطرفي الحرب ممثلين في قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقائد قوات ’الدعم السريع‘ الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إلى لقاء مع قيادة القوى الديمقراطية المدنية لبحث سبل إنهاء الصراع المسلح، ووجدنا ردوداً إيجابية، ونتيجة لذلك التقينا بقائد ’الدعم السريع‘ في أديس أبابا، وتم إعلان مخرجات اللقاء التي لم تخرج عن جهود وقف الحرب، وما زلنا نتطلع للالتقاء بالقائد العام للقوات المسلحة، وتواصلنا كذلك مع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية المهتمة بوقف الحرب وتحقيق السلام في السودان، وشاركنا في قمة ’إيغاد‘ الأخيرة بالعاصمة الأوغندية كمبالا، وتم التواصل مع دول الجوار”.
مسؤولية وطنية
ورداً على سؤال عن توقعاته لأي نوع من التدخل الدولي لحسم هذا الصراع بخاصة البند السابع، أوضح رئيس الهيئة القيادية لتنسيقية (تقدم) أن “المسؤولية الأولى في وقف هذه الحرب المدمرة على السودانيين أنفسهم، وسنواصل كل جهودنا في سبيل ذلك لإنقاذ الوطن والشعب المنكوب، ومعلوم أن للمجتمع الإقليمي وعلى رأسه الاتحاد الأفريقي آلياته في التعامل مع الأزمات في الدول الأعضاء، ومنها قراره الشجاع بتجميد عضوية السودان فور وقوع انقلاب قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الذي نفذه في الـ25 من أكتوبر 2021، باعتباره استيلاء على السلطة بوسائل غير دستورية، وهو الانقلاب الذي هيأ لاندلاع الحرب الحالية، وللمجتمع الدولي مسؤوليات عبر آليات مجلس الأمن في حال انهيار الدولة في السودان وتطور الأزمة الإنسانية من لجوء ومجاعة إلى مهدد للأمن والسلم الدوليين”.
وتابع “لن نيأس من مواصلة المساعي مع الطرفين المتحاربين، وما زلنا نأمل في لقاء قائد الجيش الفريق أول البرهان حفاظاً على الوطن من الضياع، التعامل مع مثل هذه الظروف الحرجة في تاريخ الأوطان تتطلب شجاعة امتلاك الإرادة السياسية القوية واتخاذ القرارات الشجاعة”.
ومضى في حديثه، “على رغم كل ما أحدثته هذه الحرب العبثية من دمار في مقدرات البلاد وتشريد ملايين من السودانيين والكارثة الإنسانية الأكبر في العالم، فضلاً عن ضرب اللحمة الوطنية بخطاب الكراهية والعنصرية، ما زلنا على يقين وإيمان لا يتضعضع في مقدرة السودانيين إذا توحدوا لاستعادة السلام والاستقرار وعودة الوطن موحداً تراباً وشعباً، فأعظم الإنجازات في تاريخ الشعب تحققت حين توحدت كلمتهم، وفي هذا السياق جاء المؤتمر التأسيسي لتنسيقية (تقدم)، الذي شكل أكبر تحالف مدني في تاريخ الوطن شاركت فيه مكونات المجتمع السوداني من الولايات والمهاجر ممثلين الشرائح كافة تمثيلاً حقيقياً من القواعد”.
وقال “خرج المؤتمر برؤية سياسية حول كيفية وقف الصراع المسلح ومعالجة الكارثة الإنسانية وعملية سياسية تشخص جذور الأزمة السودانية المركبة، وتضع اللبنات لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية، أي دولة المواطنة المتساوية القابلة للاستدامة بحيث تستجيب لتطلعات أبنائه في الرفاهية، ولتحقيق تلك الرؤية على أرض الواقع طرحت ’تقدم‘ عقد مؤتمر مائدة مستديرة تحت رعاية الاتحاد الأفريقي ومنظمة إيغاد”.
تنسيق وتعاون
وفي ما يخص مساعيهم إلى التوافق حول مشروع وطني واحد في ظل تشدد حزبي البعث والشيوعي، قال حمدوك “الأخطار التي تهدد بقاء السودان كدولة تتطلب منا جميعاً التسامي فوق خلافاتنا مهما كانت، وفي تحقيق هذا الهدف السامي تتسم رؤية تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية في العلاقة مع كل الفاعلين الوطنيين بقدر عال من المرونة، فنحن نمد أيدينا لكل من يجمعنا معهم الحد الأدنى من المشتركات الوطنية وعلى رأسها وقف الحرب واستعادة التحول المدني الديمقراطي”.
وذكر “تواصلنا عبر رسائل خطية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، وحركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور، والتقيتهما في العاصمة الكينية نيروبي أخيراً، كما سبق أن التقيت رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوى، وشملت رسائلنا الحزب الاتحادي الديمقراطي – الأصل، وكذلك حزب المؤتمر الشعبي وحزب البعث العربي الاشتراكي – الأصل والحزب الشيوعي السوداني، ولا شك في أن حضور وفدين رفيعين من الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال وحزب المؤتمر الشعبي المؤتمر التأسيسي لـ’تقدم‘ خطوة كبيرة تشجعنا نحو التواصل مع الآخرين، وانطلاقاً من منهج التنسيقية في المرونة نطرح أطراً أخرى للتعاون منها مستوى من التنسيق، فضلاً عن المشاركة في المائدة المستديرة”.
وأضاف “أبرز مبادئ الإعلان السياسي للمؤتمر التأسيسي تتمثل في وقف الحرب والحفاظ على وحدة الدولة السودانية وعملية تأسيس الديمقراطية المدنية وخلق مشروع وطني تقف فيه الدولة على مسافة واحدة من كل الأديان والثقافات وتجرم كل أشكال التمييز، ويضمن المشاركة العادلة للمرأة ويعظم من دورها ويدعم قضاياها، وكذلك يؤسس لنظام حكم يشمل مشاركة كل السودانيين في مستويات الحكم، وفق نظام لا مركزي قائم على أسس فيدرالية، وبناء جيش قوي مهني والتوافق على برنامج عملي للعدالة الانتقالية يضمن المحاسبة على كل الجرائم التي ارتكبت ويتبنى سياسة خارجية متوازنة تضمن المصالح العليا للبلاد”.
رئاسة الحكومة
وعن مدى إمكان عودته لرئاسة الحكومة الانتقالية المقبلة بعد توقف الحرب في حال طلب منه ذلك، أجاب رئيس الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، “بكل صراحة أنا غير مهتم بالعودة لمنصب سيادي سواء في الوقت الحالي أم بعد وقف الحرب، فالآن تتركز كل جهودي وأولوياتي واهتماماتي الرئيسة في حل الأزمة السودانية الحالية، ولن يهدأ لي بال حتى نصل جميعاً إلى نزع فتيل هذا الصراع المدمر، ويعود الوطن بكامل وحدته أكثر تماسكاً ووعياً”.
ولفت الانتباه إلى أن “السودانيين قادرون على مواجهة الخطر الوجودي الذي يهدد بلادهم، ولديهم القدرة على الخروج من هذا الخطر، والمجهود الأكبر يقع علينا جميعاً ولن يساعدنا أحد”.
وأكد “الدور الكبير المنتظر من المبدعين والإعلاميين من أجل الإسهام في معالجة التحديات التي تواجه السودان، وأنه يجب عليهم العمل معاً من خلال شحذ هممهم من أجل خلق جبهة عريضة لوقف الصراع المسلح والخروج من الأزمة الحالية”.
إعادة الإعمار
وفي ما يتعلق بحجم الدمار الذي لحق بالبلاد ورؤيتهم لإعادة الإعمار، أفاد رئيس الوزراء السوداني السابق بأن “أكبر الخسائر التي أحدثتها هذه الحرب هي معاناة المواطن السوداني الذي يذوق يومياً الموت والتشريد والجوع والمرض وحرمان أبنائه من التعليم والخدمات الأساسية، فضلاً عن تدمير البنى التحتية وانهيار الاقتصاد والمقدرات الإنتاجية، وفي تقديري أن إعادة الإعمار تتطلب في المقام الأول الوقف الفوري للصراع المسلح وعودة السودانيين من الملاجئ والنزوح، وفي ظل الظروف الدولية الراهنة والضمور الملحوظ في الموارد تحتاج جهود إعادة الإعمار إلى التفكير خارج الصندوق واستنباط آليات جديدة للتعاون الإقليمي والدولي تقوم على المصالح المشتركة للجميع”.
وأردف “لقد تعرض عدد من الشعوب قبلنا لمثل هذه المحن والأزمات، ولكن بفضل تماسكها وإرادتها تمكنت من الخروج منتصرة وأقدمت على إعادة بناء مقوماتها الوطنية على أسس مستدامة تقوم على الحرية والسلام والعدالة وبناء الدولة المدنية الديمقراطية”.
وختم حمدوك بقوله “سيظل وعدنا لشعبنا قائماً مهما تعاظمت التحديات وطال الزمن، إذ نضاعف جهودنا والعمل ليل نهار بكل ما نملك من قدرة لوقف هذه الحرب وإعادة الأمن والأمان لأهلنا لكي يعودوا إلى مدنهم وقراهم وفرقانهم لينعموا بالحياة الكريمة في ظل وطن تسود فيه قيم الإخاء والمساواة والمحبة واحترام الآخر، وأن تكون هذه الحرب اللعينة درساً يستفاد منه في بناء وطن شامخ ومستقبل مشرق لأجيالنا المقبلة، وكل هذا رهين فقط بالرجوع إلى صوت العقل بين الأطراف المتصارعة واتخاذ قرار مسنود بإرادة قوية للوقف الفوري للصراع المسلح”.