متابعات : المنبر24
تحقيق: أميرة الجعلي
أثار القرار الذي أصدرته جامعة العلوم الطبية والتكنلوجيا المعروفة باسم جامعة “مأمون حميدة” مؤخرا بحق طلاب كلية الطب الدفعة (26) بإلغاء الامتحانات النهائية بكالوريوس الطب والجراحة ردود فعل واسعة بين الطلاب والأسر والرأي العام السوداني. وتم تبادل الاتهامات بين الطلاب وإدارة الجامعة خاصة ما يتعلق باحترام قوانين الجامعة والبلد المضيف وضمان مستقبل هؤلاء الطلاب.
حاولت (المحرر) من خلال هذا التحقيق رصد الحقائق من كافة الأطراف واستنطقت مصادر عليمة داخل الجامعة والطلاب والسفارة السودانية برواندا.
حقيقة القضية
تفجرت القضية حسب المعلومات التي تحصلت عليها “المحرر” من مصادر اكاديمية موثوقة داخل الجامعة منذ بدء مناقشة بحوث التخرج للطلاب إذ خرج الطلاب في احتفالات سببت ازعاجا للجيران الروانديين تدخلت على إثرها الشرطة مما دفع الجامعة لإصدار القرار بتجميد الامتحانات وبررته بعدم التزام الطلاب بقوانين الدولة المستضيفة. وذلك رغم التحذيرات التي وجهت اليهم من قبل إدارة الجامعة بعدم التجمهر او إقامة أي مظاهر احتفالية داخل او خارج الحرم الجامعي، لأن قانون الدولة لا يسمح بذلك وهي تحظر مكبرات الصوت والتلوث السمعي والإزعاج الصادر من الكنائس والمساجد والملاهي الليلية والحفلات العامة إلا داخل القاعات بتصديق رسمي.
في المقابل أحتج الطلاب على القرار بوصفه قرارا مجحفا وقاسيا ويهدد مستقبلهم المهني والأكاديمي وهم على أعتاب التخرج بعد خمسة سنوات قضوها في الجامعة.
وأضاف المصدر الأكاديمي ان الطلاب لم يلتزموا بالتوجيهات، وواصلو احتفالاتهم على مدى يومين، مما دفع المواطنون الذين يقطنون بالقرب من الجامعة برفع شكوى للشرطة الرواندية التي وصلت الى الجامعة واستدعت المدير الإداري وأجرت معه تحقيقا لساعات طويلة.
المجلس الطبي الرواندي يتدخل ..
وبحسب المصادر تم تصعيد القضية وتدخل رئيس المجلس الطبي الرواندي والذي ابدى انزعاجه مما حدث من الطلاب، وابلغ إدارة الجامعة بان ما حدث غير مقبول، ووعدته إدارة الجامعة بان هذا الامر لن يتكرر.
وأوضحت المصادر ان إدارة الجامعة أصدرت بيانا وأبلغت الطلاب مرة أخرى بضرورة الالتزام بالتوجيهات وإيقاف كل المظاهر الاحتفالية، وابلغتهم ان “جيران” الجامعة رفعوا شكوى للسلطات وطلبت منهم عدم تكرار الاحتفالات لأنها ستسبب مشكلة للجامعة.
وأضافت ” بكل اسف تجمع الطلاب في اليوم التالي بصورة أكبر وواصلوا احتفالاتهم بصوت أعلى مع إطلاق أصوات “أبواق” السيارات، وأشارت الى ان البعض قفز فوق سور الجامعة عندما ذهب إليهم مدير الشؤون العلمية للحديث معهم، مما أدى الي انطباع سالب لدى السلطات الرواندية عن السودانيين.
ردود فعل واسعة ..
أصيب الطلاب بالإحباط وقد تبقي لتخرجهم أقل من شهر كما أكملت الجامعة استعداداتها للامتحانات السريرية في المستشفيات الرواندية وأخطار الممتحنين الخارجيين. وصدرت إزاء ذلك ردود فعل واسعة وسط الأسر وأولياء الأمور، وأعربت الأسر عن قلقها وانزعاجها من قرار الجامعة خوفا من تأثير الأمر على مستقبل أبنائها ومصيرهم الذي أصبح مجهولا وفقا لهذه القرارات المفاجئة. كما أعربوا عن تخوفهم من تأخير التخرج وزيادة الكلفة المالية.
فيما استنكر بعض المراقبون القرار، واعتبروه ظالما للطلاب، دافع البعض عن القرار باعتبار ان الخطأ الأكبر يقع على عاتق الطلاب بعدم التزامهم بتوجيهات إدارة الجامعة وقوانين الدولة المستضيفة وحمل البعض الطلاب مسؤولية ما حدث.
ولكن القرار لم يتوقف عند الغاء الامتحانات فقط بل صعد بمطالبة الجامعة طلاب الدفعة 26 بمغادرة دولة رواندا حتى يتم تحديد مكان وزمان الامتحانات النهائية في وقت لاحق.
اخلاء مسؤولية..
وبحسب المصادر يعود قرار الجامعة لمغادرة الطلاب للبلاد حتي يتم إخلاء مسؤوليتها امام السلطات الرواندية، وأكدت المصادر تمسك إدارة الجامعة بقرار الغاء الامتحانات الى حين اشعار اخر، وتوقعت ان تجرى الامتحانات خارج رواندا في وقت يحدد لاحقا.
حرج بليغ ..
وكان قد أشار بيان الجامعة إلى أن مثل هذه التصرفات لا تمت بأي صلة لأخلاق طلاب الطب واحترام الجامعة واسمها وتاريخها وعراقتها واحترام أساتذتها ولا حتى احترام العلاقات المتبادلة بين جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا ودولة رواندا التي استضافتنا بحفاوة وكرم لإكمال مسيرتنا التعليمية وذلك مما تسبب للجامعة بحرج بليغ مع سلطات دولة رواندا النظامية.
توضيح من الطلاب
ولتوضيح الامر أكثر تحدثت (المحرر) مع بعض طلاب الدفعة 26 المعنيين بالقرار لمعرفة حقيقة ما حدث وتطابق حديثهم اذ أكد البعض ان الجامعة أبلغت الطلاب بعدم التجمهر والاحتفال، وأضافوا “كل ما حدث ان الطلاب كانوا يتجمعون عندما يخرج كل طالب او طالبة من المناقشة ويتم التصفيق والزغاريد”، وقالوا ان الدكاترة داخل الجامعة أبدو انزعاجهم من الامر وعندما حاولوا الحديث مع الطلاب المعنيين رفضوا الاستماع إليهم وخرجوا.
وأوضحوا ان الجامعة دعت لاجتماع ولكن لم يحضر أحد من الطلاب المعنيين.
قرار قاسي
وفيما يخص قرار الجامعة قالت احدى الطالبات لـ(المحرر) ان القرار قاسي لان ما حدث لم يكن من كافة الطلاب، وأشارت ان الدفعة نادمة على ما حدث وعلى استعداد للاعتذار لإدارة الجامعة وللمواطنين الروانديين الذين انزعجوا مما حدث وللسلطات الرواندية وهم الان في انتظار ان تتراجع إدارة الجامعة عن قرار الغاء الامتحانات واكمال إجراءات تخرجهم. وقال طلاب اخرين تحدثوا لـ(المحرر) ان قرار الجامعة بطلب مغادرة رواندا أمر صعب لان بعضنا قرر ان يواصل مسيرته العلمية هنا في رواندا خاصة في ظل ظروف البلاد واستمرار الحرب، إضافة الى الصعوبة الذهاب الى أماكن تواجد اسرنا لصعوبة دخول البلاد التي يتواجدون فيها ونأمل ان تتراجع إدارة الجامعة عن هذه القرارات.
وجهة نظر أخرى
قال أستاذ جامعي في رواندا استطلعته (المحرر) إن القرار فرض مبدأ العقوبة الجماعية ضد كل الدفعة البالغ عددها 171 طالب وكان يمكن أيقاع العقوبة على المتسببين في الفوضى وهم أقل من عشرين طالبا. وقال إن العقوبة الجماعية لا تتسق مع مبدأ العدل خاصة وأن فرحة الطلاب وما درجت عليه الدفع السابقة بالاحتفال في الشوارع كان هو الغالب علي مشاعر الطلاب.
وأتفق أن ما بدر من الطلاب يتعارض مع قوانين دولة رواندا. وطالب بتسوية الأمر بين الإدارة والطلاب بما يحفظ للطلاب مستقبلهم الأكاديمي والمهني ويعوض تعبهم وما بذلوه من جهد وتحصيل في الدراسة.
الحكومة الرواندية لم تتدخل
كشف مصدر مطلع أن الحكومة الرواندية لم تتدخل ولم ترسل أي خطابات رسمية بشان الحدث، وتمت معالجة الأمر عبر الشرطة حسب اختصاصها في مكافحة الشغب والإزعاج العام. كما عبر مجلس التعليم العالي عن انزعاجه لسلوك الطلاب مطالبا الجامعة بالسيطرة على ردود فعل الطلاب لكن لم يتخذ إجراءات رسمية ضد الجامعة.
أخطار التعليم العالي في السودان:
أفاد مصدر مطلع أن الجامعة قامت بأخطار وزارة التعليم العالي في السودان رسميا بالحدث وقرارات الجامعة ذات الصلة لفرض الانضباط.
سفير السودان في رواندا يتحدث :
قال السفير خالد موسي القائم بالأعمال في رواندا أن ما حدث يعتبر أمرا مؤسفا في الوقت الذي تنطلق فيه العلاقات مع رواندا الي آفاق أرحب خاصة في تطوير العلاقات الأكاديمية والتبادل الثقافي والتعاون في مجالات البحث العلمي. مشيدا بدور جامعة العلوم الطبية التي تعتبر أحد قنوات هذا التعاون الثنائي إذ واصلت رسالتها الأكاديمية رغم التحديات المحيطة بالعملية التعليمية بالسودان.
كما أشاد بالوجود الطلابي للسودان في رواندا، مؤكدا أنهم أهم جسر ثقافي بين الشعبين.
وقال إن عدد الطلاب في رواندا بلغوا 1400 طالب يدرسون في مختلف الجامعات مشيرا الي أن طلاب جامعة العلوم الطبية يمثلون 50% من مجمل الطلاب الدارسين برواندا.
وقال إن السفارة ظلت تتابع التطورات مع إدارة الجامعة والحكومة الرواندية وأولياء الأمور مؤكدا أن السفارة تحصلت على التزام من إدارة الجامعة بتخريج هذه الدفعة قبل نهاية العام الجاري على ان تحدد الجامعة الزمان والمكان.
وطالب بأن يتوصل الطلاب وإدارة الجامعة الى حل يحفظ للجامعة الجودة والانضباط حسب لوائحها المنظمة ويحفظ للطلاب مستقبلهم المهني والأكاديمي.
وقال ستواصل السفارة مساعيها لتقريب وجهات النظر للتوصل الى أفضل الحلول وكذلك من أجل الحفاظ على مكتسبات التعاون الأكاديمي مع رواندا مشيرا الي أن الطلاب هم جزء من أبناء السودان النجباء وأن البلاد تنتظرهم من أجل التنمية وإعادة الإعمار والنهوض بالقطاع الصحي والخدمات الطبية وأن تواصل الجامعة رسالتها الأكاديمية المميزة.
ونوه في ختام تصريحه على تميز الجالية السودانية خاصة وهي تحتشد بالخبرات في جميع المجالات مناديا بضرورة احترام قوانين البلاد المستضيفة.