د. أمجد فريد يكتب : إن لم تخشو، فإختشوا

 

*إن لم تخشو، فإختشوا*

بقلم د. أمجد فريد الطيب

الحرب كلها شر مطلق. ولكن هناك مغالطة يصر على ترويجها مؤيدو المليشيا، الظاهرين منهم والمتماهين معها متسترين خلف شعارات الحياد الكذوب، وهي مغالطة تحاول تجريم الناس، الذين يدافعون عن حياتهم وحقوقهم الاساسية والطبيعية ضد الانتهاكات التي تمارسها مليشيا الدعم السريع بفاشية غير مسبوقة في تاريخ السودان المعاصر، القاء وزر الحرب واستمرارها عليهم بينما يواصل كيكل وجلحة وعثمان عمليات والسافنا وغيرهم من امراء حرب المليشيا النهب والقتل والسبي والاغتصاب والتشريد امام اعين السودانيين والعالم. هذه المغالطة مبنية بالاساس على تبرئة مليشيا الدعم السريع من وزر اشعال شرارة الحرب، ونسبة ذلك الي طرف ثالث وهم الاسلاميين من ثم استثمار العداء الايدولوجي والطبيعي الذي يكنه الشعب السوداني لهذه المجموعة التي ثار عليها واسقط حكمها في ثورة ديسمبر المجيدة، والتخوفات العالمية من جذور فكرهم التي قادت الي انتاج الحركات الارهابية في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، للتغطية على انتهاكات المليشيا اليومية وممارسة الابتزاز السياسي واغتيال الشخصية بتوزيع الاتهامات المجانية لكل من يعارض هذه السردية المغرضة.

هذه المغالطة تكذبها وقائع التاريخ القريب والتي تحكي عن تحركات المليشيا في الايام التي سبقت اندلاع الحرب لمحاصرة قاعدة مروي الجوية، وتكذبها حشود وارتال مرتزقة المليشيا الذين توافدوا وتمركزوا للخرطوم استعدادا لانقلابهم في ١٥ ابريل، ويكذبها تواجد مستشار الفاشست يوسف عزت في مباني الاذاعة لتلاوة البيان الاول ورسائل ورقاع الدعوة تم توزيعها لعدد من الصحفيين لاذاعة بيان تشكيل حكومة، ثلاثة مرات في اوقات مختلفة من الاسبوعين الاولين للحرب، وكما يكذبها سفر مستشار المليشيا الاخر نصر الدين عبدالباري قبل يوم واحد من الحرب الي واشنطون واجتماعه خلال الاسبوع الاول من الحرب من اعضاء من الكونغرس والخارجية الامريكية لاقناعهم بالاعتراف بحميدتي كرأس الدولة الشرعي في السودان. كل هذه الادلة يزيد عليها تقرير مرصد نزاعات السودان الذي تم تكوينه في جامعة ييل الامريكية وبدعم من وزارة خارجيتها لتحليل الاوضاع في السودان بصور الاقمار الصناعية ودعم منبر جدة بمعلومات من الارض والذي افاد في تقريره الاول الصادر في يونيو ٢٠٢٣، ان الحرب اندلعت في السودان في صبيحة ١٥ ابريل ٢٠٢٣ نتيجة لتحرك قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي للاستيلاء على السلطة في السودان، وغيره من التقارير المدعمة بصور الاقمار الصناعية وغيرها من الادلة.
كل هذه الادلة الظرفية والموضوعية والتقارير المحايدة يتجاهلها مناصرو المليشيا، ويحاولون اغراق الناس في الجدل الايدولوجي، دجلا منهم وسعيا وراء لبوس الحياد الكذوب. وفي ذلك لا يستنكفون اساءة الشعب السوداني وتوزيع الشتايم له وانتهاره بعصبية مفرطة عندما يشير الناس الي خلل التحليل الذي يطالبهم بالتصالح مع تقتيل اهليهم واغتصاب نساءهم ونهب ممتلكاتهم واحتلال بيوتهم وتشريدهم منها. وبعد ذلك يشيرون الي انفسهم على انهم مدنيون ويطالبون السودانيين بتسليم زمام امرهم لهم.

هل سعى الاسلاميون بفصائلهم المختلفة الي الاستفادة من الحرب؟ بالطبع فعلوا ذلك، وربما يكونون قد نجحوا في اعادة تقديم انفسهم للناس مجددا بالانحياز لهم ولحقوقهم في وجه الخطر الاكبر الذي يتهددهم، عندما انحاز اعداءهم الي معسكر المليشيا، وكذلك فعلت المجموعة التي تبقت ترفع شعار الحرية والتغيير، عندما سعت بظلفها للاستفادة من سلاح المليشيا وسخرت شعارات الثورة التي تتوهم احتكارها لتبرير انقلاب الدعم السريع وتصويره على انه امتداد للثورة ضد الاسلاميين وتناسوا حينها ان الفاشية لا يمكن تبريرها مهما استعانوا على ذلك بالماذاعنيات البائسة ونشر الاكاذيب عندما تعجزهم الحقائق (وبيان تزوير وقائع الاغتصاب في امدرمان في مايو ٢٠٢٣ ونسبتها للجيش الذي اضطروا للاعتذار عنه لاحقا، لا يزال قريبا من الذاكرة) وسعوا لاستدعاء جرائم ماضي الاسلاميين لتبرير جرائم حاضر المليشيا. وكلاهما يتصارعان في ساحة حرب سلطوية اختارا ان يلعبا فيه دور الوكيل السياسي فيه وليس الاصيل. جوقة الوضعاء في جانب الدعم السريع، ومجموعات الاسلاميين في جانب الجيش. ولكن تفصحهما حواضنهم الخارجية، فالامارات التي لم تتوقف عن تقديم الدعم بالسلاح والعتاد والتبشير السياسي والدبلوماسي لمليشيا الدعم السريع، سعيا وراء استعمار السودان والاستيلاء عليه، ظلت ايضا تأوي قادة تقدم وتدفع وتمول مرتبات بعضهم وبعض مناشطهم. ولكن الان وبعد اكثر من سنة ونصف على الحرب، انكشف حالهم تماما.

لن يضير الاسلاميين معتقدهم الأيدلوجي في اذهانهم ما دام يتخذون الموقف الاقرب لمزاج ومصالح الجماهير. سكان بحري الذين فك الجيش قبل ايام حصار التجويع الذي فرضته عليهم المليشيا لاكثر من عام ونصف حتى حررها الجيش، لن يأبهوا كثيرا لنقدكم لنظريات وافكار المؤوودي وسيد قطب ولن يعني اهل الجنينة وذوي ضحايا جرائم الابادة الجماعية مصطلحات اللغة الانجليزية (النص كم) ودعم المجتمع الدولي الذي يحب -الي حين- لابسي الكرفتات الحمراء الانيقة والبدل (السودا مكوية)، ولن يفلح خطاب التخوف من الجهاديين وتهويل مخاطر في ان يجعل سكان الجزيرة ينسون اصطفافكم لحمدلة السلام لحميدتي وتبادل التبريكات معه بان (شفتوهو) طيب بينما كان يحرق جنده الارض فوق رووسهم وتحت اقدامهم، ولن تعينكم الاقامات الذهبية ولا فلل دبي والشارقة وابوظبي على الصمود طويلا في وجه الاستنكار والرفض الذي يلاقيكم به شعبكم وهو ينظر الي تبريراتكم لاحتلال منازله وتشريده. وكما لم تصمد بروباغندا الاكاذيب والابتزاز السياسي طويلا لأن جزلان بن زايد الكبير، لن يكفيكم لشراء ذمم ومواقف جميع الناس. فبعض الناس يدفعون اثمان مواقفهم السياسية، ولا يقبضونها. والله سبحانه وتعالى امر خلقه بعبادته، بعد ان اطعمهم من جوع وامنهم من خوف، فكيف بكم انتم تطالبون الناس بان تحكمونهم وانتم تبررون لسيف الخوف والتجويع فوق روؤسهم.

وعلى الجانب الاخر، لم يدرك بعض الاسلاميين بعد، ان مسار نهر التاريخ يجري الي الامام وليس الخلف. وان صفحات كتاب الفساد والاستبداد التي سطرها تنظيمهم باشكاله المختلفة على مدى ثلاثين عاما من الحكم، قد اغلقتها بسالة شعب قام الي خلعهم بثورة مشى فيها حي الي الهتاف (ضهر) والشمس في منتصف النهار. حكم انقلاب الجبهة القومية الاسلامية قد انتهى الي غير عودة. ومن يريد ممارسة السياسة والحديث في شأن الناس عليه ان يخضع للشروط التي سطرتها بسالة الشباب والشابات، زلزلوا نظام البشير حتى خلعوه وصمدوا في وجه الانقلاب وتساموا الي اقصى حدود الانسانية والتفاني في خدمة شعبهم في وقت الحرب. هولاء بنات وابناء شعب يحب الحياة، ويعرف كيف ينتصر لها وبها.

وان لم تخش هذه النخبة السياسية البائسة على هذا الشعب و لم تخشى منه وهي تمارس الفذلكات المتنطعة التي تحاول اجباره على القبول بالفاشست، فلتختشي (شوية) على وجهها، فلم يتبقى فيه مزعة لحم يستر قبحه.

أمجد فريد الطيب
اكتوبر ٢٠٢٤

موقع المنبر
Logo