تقرير : المنبر 24
بخليط من مشاعر الأمل والغضب ، أستقبل كثير من السودانيين، اليوم الأحد ، نبأ استسلام قائد قوات مليشيا الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل ، مع قواته للجيش السوداني ، وسط تسريبات تكشف أن مظهر ضباط وجنود الجيش وهم يستقبلون كيكل بأحضان دافئة وضحكات مجلجلة ، تمثل خلاصة عملية تفاوضية بدأت مع الرجل الأخطر في المليشيا بوسط السودان منذ أشهر.
كيكل .. أول ظهور
حين تم تأسيس قوات درع السودان في ولاية الجزيرة بقيادة أبو عاقلة كيكل ، أحدث الخبر موجة إحتجاج شعبي وأمني كبيرة ، لغرابة هذه القوات في وسط تعود أهله على رؤية الخضرة والجمال والمياه العذبة التي تبلل أفدنتهم الزراعية في أكبر مشروع زراعي عرفه العالم (مشروع الجزيرة).
لكن كيكل سعى يومها للتصدي للحملة الشعبية الرافضة لمسلكه محاولاً اقناع أهله ، إن هذه البندقية ماهي إلا وسيلة لحمايتهم في سودان بات فيه من يمتلك ” كلاش عيشتو بلاش”.. مذكراً أهله بالاتفاقيات التي أبرمت في جوبا وفي الخرطوم وكيف أنهم همشوا ولم يعد هناك من يتذكر عطاءهم .
رجل متحكم فيه
لكن الانتقاد الأعظم كان من ضباط سابقون وخبراء أمن للقيادة العسكرية التي يحدث مثل هذا التحشيد المليشي المخل بالأمن والسلامة أمام أعينها .
سرى يومها تسريب بدى وكأنه قد أعد بعناية ليسرى كما محلول البنسلين في دماء من أنتقد القيادة العسكرية .
تقول الرواية إن ما أقدم عليه ” كيكل” مشروع استخباري تم إعداده بعناية في مطابخ جهاز الاستخبارات السوداني ، عبر عملية ” متحكم فيها “و لديها أهداف غير قريبة وبعيدة غير مرئية .
لتمضي الأمور بعد هذه الرواية لمسارات أكثر غرابة .
إعلان مبكر :
قبل ساعات من اندلاع حرب أبريل في عام 2023 ، خاطب كيكل أنصاره عبر منصة أعدت على عجل ، بدى على الرجل يومها اضطراب غير معهود في شخصيته التي تتسم بالقوة والثبات ، وهو يقول إنه مع إصلاح القوات المسلحة ومع التغيير ودعم الاتفاق الاطاري .
تمرد وانحياز :
بعد أشهر قليلة من الحرب والجيش السوداني في مرحلة الإعداد للإجهاز على مليشيا قوات الدعم السريع بالعاصمة الخرطوم ، بدأ كيكل يتنقل بقواته من نقطة إلى أخرى داخل ولاية الجزيرة ، حتى لحظة إعلان انضمامه لقوات مليشيا الدعم السريع وقائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
لم يعر الناس هذا التحول التفاتة جادة فبقايا الرواية الأولى ماتزال سارية وما يزال الناس يرددون أن ” كيكل” هو رجل الجيش الذي لا يخون .
دخول الجزيرة :
لكن كيكل ودون معارك تذكر تقدم لتسلم مدينة ودومدني عاصمة ولاية الجزيرة ، واستقبله على مدخل مقر حكومة الولاية الوالي الذي يفترض أن يكون أول أهدافه بوصفه الحاكم ورئيس اللجنة الأمنية في الولاية .. دلف كيكل إلى مكتب الوالي وجلس على الكرسي المستدير فاتحاً على الولاية وقراها فصلاً من الفظائع والانتهاكات والتهجير القسرى والاغت ـصاب ماتزال تجري في الولاية حتى الان .
بدايات التفاوض :
تقول رواية أخرى أن كيكل لم يكن في يوم من الأيام ضمن خطط جهاز الاستخبارات السوداني ، الذي صنفه متمرداً تاركاً مصيره للميدان الذي اختاره.
بل تصف ما تم تسريبه في الرواية الأولى بأنه تبرير ” فطير وساذج” لكون أن الجيش لا يفكر أصلا بهذه الطريقة وأن يقدم على إطلاق من يهدد أمن وسلامة المواطنين على النحو الذي شاهده العالم في ولاية الجزيرة .
لكن هناك جانب أخر قد يبدو مهماً في هذه الرواية وهي أن جهاز الاستخبارات قد خطط بالفعل للتواصل مع الرجل وإقناعه بالاستسلام ، قياساً على تكلفة الفرصة والوقت وهو ما تم بالفعل وأنتهى بزيارة نائب القائد العام للجيش السوداني ومسؤول الأمن العسكري ونائب مدير المخابرات ورئيس دائرة التحكم بالعمليات الجوية العسكرية ، خلال زيارتهم للمنطقة العسكرية الشرقية الجمعة الماضية .
تسرد الرواية أن خبراء المخابرات العامة والعسكرية عكفوا على تحليل شخصية كيكل مقارنة مع التقارير الميدانية التي تؤكد اتساع الشقة بينه وعناصر المليشيا الذين لايدينون له بالولاء والطاعة ، بل شرعوا في تصفية عناصره ، وأن كيكل بدأ يسيطر عليه شعور قوي بالذنب من جراء ما اقترفت يداه بحق أهله .
تمضي الرواية لأخطر من ذلك وهي أن معلومات استخبارية قد وصلت بصدور قرار من قائد ثاني مليشيا الدعم السريع بتصفية أبو عاقلة كيكل بعد تقارير نقلت إليهم عن “خيانته” للمليشيا وهو ما ادى بحسب هذه الرواية إلى إسراع الاستخبارات في إكمال صفقته وانتشاله من يد المليشيا.
ومهما كان الجدل حول وزن الرجل وقيمته العسكرية إلا أن وصوله إلى “ظل” الجيش قد يعني الكثير على مستوى العمليات العسكرية بمناطق الوسط في قادم الأيام.