فنون: المنبر24
وقفت عدد من وكالات الأنباء العالمية والإقليمية عند الآثار التي تركتها الحرب في السودان في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، واستعرضت وكالة الأنباء الفرنسية في تقرير مطول متغيرات الأنشطة الثقافية والفنية بالقاهرة، ونشرت (فرانس برس) أبعاد التحول الذي حدث لعدد من الفنانين الشباب في مجالات فنية مختلفة عبر تقرير بعنوان: (من الحرب إلى المسرح… الفن السوداني يجد مساحات جديدة في القاهرة)، وفيما يلي تنشر (فنون المنبر) أبرز ما جاء في التقرير الذي يعكس اهتمام وكالات الأنباء العالمية
ألف وجه للمأساة!
* عندما سقطت أولى القنابل على الخرطوم، ترك أمجد وفاطمة ومازن ألوانهم وآلاتهم للبحث عن مأوى آمن في المنفى .. اليوم يعيد السودانيون الثلاثة في القاهرة حيث استقروا إحياء بعض من أنشطتهم الفنية التي اعتادوا عليها في العاصمة السودانية.
* على بعد بضع خطوات من ميدان التحرير الشهير في العاصمة المصرية، تنبعث نغمات سودانية. هنا، يستمتع قرابة مئة سوداني بحفلة موسيقبة ومعرض للفن التشكيلي بعيدا من الحرب التي تدور رحاها في الخرطوم.
* يتمايل الجمهور على موسيقى مازن حامد، وهو موسيقي ومنتج شاب في الحادية والثلاثين من عمره، مشهور في بلاده ويعمل على تحديث التراث السوداني.
* عندما اندلعت الحرب في 15 نيسان/ابريل، خرج حامد للذهاب الى عمله كالمعتاد، بعدما عايش خلال السنوات الأربع السابقة أحداثا سياسة كبيرة بدأت بـ”الثورة” ثم الانقلاب والقمع الدامي لأنصار الديموقراطية.
وكان عليه أن ينهي الموسيقى التصويرية لـ”وداعاً جوليا”، أول فيلم سوداني روائي طويل يُعرض في المسابقة الرسمية في مهرجان كان ويحصل على جائزة.
وكان يضع اللمسات الأخيرة، واعتقدَ أنه سيمضي بضع ساعات في الاستوديو حيث كان يسجل عمله، ريثما تهدأ النفوس. لكن الجنرالين اللذين بدآ الحرب في ذلك اليوم ما زالا يتقاتلان حتى الآن.
وأسفر النزاع عن مقتل أكثر من 13 الف مدني حتى الآن، وفق منظمة أكلد المتخصصة في احصاء ضحايا النزاعات. غير أن جهات كثيرة تؤكد أن الحصيلة الفعلية للضحايا أعلى بكثير.
الحرب التي بدأت في العاصمة السودانية، امتدت الى اقليم دارفور في الغرب ثم الى ولاية الجزيرة حيث سيطرت أخيرا قوات الدعم السريع التي يتزعمها محمد حمدان دقلو على مدينة ود مدني بعد أن انتزعتها من الجيش السوداني الذي يقوده الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
وأدت الحرب الى نزوح 7,1 مليون شخص، وفق ما أعلنت الأمم المتحدة معتبرة أنها “أكبر أزمة نزوح في العالم”، فيما حذرت المنظمة الدولية للهجرة من أن ما يشهده السودان “مأساة إنسانية ذات أبعاد هائلة، ما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الرهيبة في الأساس”.
إدراك خطورة الأمر !
* من خلف الجدران العازلة للاستوديو الخاص به، لم يسمع حامد إلا بضع طلقات نارية هنا وهناك. ولكن عندما سمع أصوات “الطائرات الحربية”، أدرك، بحسب ما روى لوكالة فرانس برس، أن “الأمر خطير”.
ولذلك، قرر الفرار شأنه في ذلك شأن آخرين كثيرين، “من دون أن يحمل معه آلاته أو معداته لكي لا يلفت الانتباه عند نقاط التفتيش” التي أقامتها قوات الجيش وقوات الدعم السريع في مناطق مختلفة.
“البدء من الصفر مجددا”
* ظلت الفنانة فاطمة اسماعيل من جانبها حبيسة شقتها “في صمت خوفا من قوات الدعم السريع” الذين كانوا يتمركزون “أسفل المنزل”، وفق ما قالت لوكالة فرانس برس. فهذه الرسامة التي تعرض اليوم لوحاتها في القاهرة، تشير الى أنها اختبأت لأن معلومات كانت انتشرت في الخرطوم عن حالات اغتصاب على يد عناصر من قوات الدعم السريع التي تدربت على الحرب خلال النزاع في دارفور في العقد الأول من القرن الحالي.
وتقول اسماعيل (26 عاما) “لو أنهم عرفوا بوجود شابات في البناية، لكان الأمر رهيبا”.
وتمكنت من الفرار مع أسرتها عندما استقلّوا، وفقا لها، أول حافلة رأوها في مدينة خاوية ومدمرة.
قبل أن ترحل، رسمت اسماعيل بدقة تفاصيل الحياة داخل منزلها “والدتي التي كانت تطبخ ووالدي كان يتلو القرآن”، لتسجل ذكرياتها من حياة يومية تبدلت إلى الأبد.
بعد أن صارت في أمان في القاهرة، عادت اسماعيل الى لوحاتها التي تحاول من خلالها مكافحها شياطين الحروب. وتضيف “أبدأ من الصفر مجددا”، إذ إنها لم تحمل معها أدواتها أو معداتها.
وتقول الفنانة الشابة “الله والرسم انقذاني”.
“سنعود”
* أمجد بدر (28 عاما)، فر هو الآخر من الخرطوم تاركا خلفه آلاته ومعداته في الاستوديو الخاص به.
القاهرة “و11 يوما أمضاها في النوم” تعويضا عن مشقة السفر في البحث عن مكان آمن.
ويضيف “كان من المهم جدا بالنسبة لي أن أعبر عمّا مررت به” من خلال الفن.
ويتابع “هناك فنانون (سودانيون) في القاهرة وكذلك في نيروبي وفي اثيوبيا” حيث لجأ سودانيون هربا من الحرب الى جانب قرابة 400 الف سوداني اختاروا اللجوء الى مصر.
عدسة المنفى والحرب ..!!
* في المكان نفسه، يعرض هاشم نصر (33 عاما) صورا فوتوغرافية تروي قصة عائلته وقصص المنفى والحرب والموت.
المصور الفوتوغرافي الذي كان يعمل طبيبا للاسنان، حط الرحال في مدينة الاسكندرية في شمال مصر على البحر المتوسط حيث عاد لتسجيل اللحظات من خلال الكاميرا.
ولكنه يقول لوكالة فرانس برس إنه “لا يعرف أحدا هنا”.
ويضيف “من دون علاقات، من الصعب العثور على أشخاص يمكن تصويرهم”. ولذلك فقد اكتفى بتصوير أفراد أسرته.
ويقول أمجد بدر إنه من الصعب كذلك ايجاد “الدافع والالهام” في مثل هذه الظروف.
ولكنه يضيف بثقة “سنعود”، لافتاً إلى أن “الساحة الموسيقية كانت بدأت تتطور حقاً قبل الحرب، لذا فإننا سنعود قريباً أقوى مما كنا”.