لقد سعدت أيما سعادة بتعيين السفير علي يوسف الشريف وزيرا للخارجية اعتبرته قرارا صائبا جاء فى وقته تماما بحكم انه على رأس الذين تحركوا مع آخرين عقب ثورة ديسمبر وتداعياتها المؤسفة لرأب أى صدع يمكن ان يحدث بين السودان ومصر وازالة أى جفوة مفتعلة أخرى يمكن ان تحدث بينهما. لقد عرفت السفير علي يوسف منذ أن كان زميلا لى منذ العام 1968 – 1972 فى كلية الاقتصاد والدراسات السياسية والاجتماعية بجامعة الخرطوم شخصية وطنية مستقلة محترمة لا ينتمى لأى حزب سياسى فى السودان وظل فى السلك الديبلوماسى سفيرا فى اهم المحطات الخارجية خاصة فى الصين وأوروبا ومواقع أخرى فاستحق هذا المنصب بجدارة فى هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ السودان المعاصر خاصة عقب مؤامرة 15 أبريل 2023 التى تحتاج لخبرات واسعة وعميقة فى العمل الديبلوماسى.
لا جرم أنه ليس السودان وحده بل وادى النيل برمته يواجه أخطر مؤامرة لضرب أمنه القومى من خلال خطط دولية واقليمي واضحة ومكشوفة لا تخفى علي ذوى الألباب خاصة من خلال مؤامرة 15 أبريل 2023 التى استخدمت فيها قوى دولية واقليمية مليشيا الدعم السريع لتنفيذ انقلاب عسكرى مفاجئ وسريع حيث كان اول تحرك لها كان نحو مطار مروى واعتقالها للضباط والجنود المصريين وما يعنيه ذلك عسكريا واستراتيجيا لا يخفى علي احد. ولهذا أرى ان أفضل استراتيجية للسودان ومصر أن أطلق عليها خطة (الستة أعوام) لتكون الأعوام 2024 – 2030 هي الأعوام التى يطبق فيها شعار (من التكامل الي وحدة وادى النيل) وذلك فى مقابل خطة أجنبية دبرت منذ أعوام ليست بالقليلة هدفت الى تقسيم كلا من السودان ومصر الي عدة دول صغيرة يسهل السيطرة علي شعبيهما ومواردهما الهائلة وموقعهما الجيواستراتيجى الفريد فى هذه المنطقة الهامة من العالم.
أطلق علي هذه الاستراتيجية كلمة: ( تدكو) تحقيقا لقول الشاعر السوداني الحسين الحسن فى رائعته ( آسيا وافريقيا) لتدك اى محاولة لضرب الأمن القومى لوادى النيل.. تقول بعض أبيات تلك القصيدة:
مصر يا أخت بلادى ياشقيقة
يا رياضا عذبة النبع وريقة ياحقيقة..
ملئ روحى أنت يا أخت بلادى
ولسوف نجتث من الوادى الأعادى
(التاء) ترمز الى تكامل و(الدال) اتفاقية الدفاع المشترك و(الكاف) الى الكونفدرالية التى تمهد للوحدة الثابتة الراسخة و(الواو) الى (وحدة) شعب وادى النيل) ذلك أن خطة لستة أعوام تنفذ بالكفاء المطلوبة والسرعة المناسبة والعقول النيرة من خلال (المصالح المشتركة والراسخة ودفع التهديدات المعروفة ) وليس فقط علي (العواطف) التي تتسبب فى الفشل كلما عرض عارض ليعلن قى العام 2030 وحدة وادى النيل فهذا لعمرى أعظم حلم اتمنى ان يتحقق وتتحقق معها عبارة حكيمة للفريق ابراهيم عبود فى خطابه يوم 17 نوفمبر 1958 عند اعلانه استلام السلطة قال فيه ( ازالة الفجوة المفعلة) بين السودان ومصر.
والشيئ بالشيئ يذكر ان أنسي لن انسى ما ذكره لي عمى وصهرى اللواء محمد أحمد عروة عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة ووزير الداخلية آنذاك والذى كان عضوا فى الجانب السودانى الذى شارك فى مناقشات السد العالى فى القاهرة وكان برئآسة اللواء طلعت فريد أن الرئيس عبود استدعاهما ونصحم قائلا: فى مباحثاتكم مع الجانب المصرى لا تتشدوا فى شروطكم كما فعلت حكومة رئيس الوزاء السابق عبد الله خليل فالمصريين اخواننا ومصالحنا واحدة وأقبلوا بالحل المناسب معهم. ولعل هذا ما جعل الوفد السودانى يقبل باقتراح الرئيس عبد الناصر الذى دخل علي الوفدين السودانى والمصرى ووجدهم اختلفوا حول مبلغ التعويضات التى تدفعها مصر للسودان جراء تغطية تكلفة ترحيل الحلفاويين عندما تغمرهم مياه السد العالي فقد كانت الحكومة السودانية السابقة تطلب 20 مليون جنيه كتعويض و الحكومة المصرية تعرض 10 مليون ج فقال لهم عبد الناصر أقترح أن تقاسموها بينكم وأجعلوا المبلغ 15 مليون ج فوافق الوفد السودانى علي خلفية توجيه الرئيس عبود.
ليس هذا وحسب فقد روى لى اللواء عروة أنه عندما توقفت شركة (ترف) الايطالية عن تجهيز مساكن أسر الحلفاويين فى منطقة خشم القربة بالسودان وأقترب موعد غمر مياه السد العالي لحلفا قام وزير الداخلية اللواء عروة الذى كان مشرفا علي عملية الترحيل بايقاف شركة (ترف) التى بدأ واضحا له أنها تهدف لتعطيل الخزان الأمر الذي ادى لنزاع قانونى معها ومن ثم فتح الوزير لكل المقاولين السودانيين الفرص وأمرهم بالتجهيز الفورى لمساكن الحلفاويين فلا يتعطل العمل فى السد العالي وقبيل ان تغمر المياه حلفا وكلف ذلك الحكومة السودانية ضعف مبلغ التعويض الذى اتفق عليه مع الوفد المصرى وذلك من أجل بناء السد العالى.
لقد كان ذلك الموقف الحاسم من حكومة السودان هو احد أبرز المواقف بين الشقيقين السودانى والمصرى. اما الموقف البارز الآخر فهو دور السودان فى مؤتمر الخرطوم عام 1967 عقب حرب يونيو حين قام وزير خارجية السودان محمد أحمد محجوب برحلات مكوكية وأقنع كلا من العاهل السعودى الملك فيصل والرئيس عبد الناصر أن يتصالحا ويوقفا نزيف حرب اليمن وذلك تمهيدا لنجاح مؤتمر الخرطوم والذى عندما حضره عبد الناصر استقبله الشعب السودانى استقبال الأبطال الفاتحين فكان ذلك سببا فى رفع روحه المعنوية عاليا رغم مرارة الهزيمة ومن ثم اقترح السودان للدول العربية البترولية ( السعودية وليبيا والكويت ) دعم مصر خاصة ودول المواجهة بالمال من أجل الصمود الأمر الذى جعل مصر تبدأ حرب الاستنزاف الشهيرة ضد دولة الكيان الصهيونى.
ليس هذا وحسب فمن المعروف ان السودان أبرز أحقية مصر فى طابا حين ظل السودان يحتفظ بالخريطة التى تثبت ذلك حين حاول الكيان الصهيونى الغاصب المماطلة والادعاء كذبا بأن طابا تتبع له..
يضاف لذلك دور السودان فى استقبال القوات العسكرية والطائرات الحربية المصرية فى المطار الحربى السوداني حفاظا عليها وذلك عندما اندلعت حرب يونيو 1967 ثم شارك السودان بعدها مع القوات المصرية فى السويس..
من نافلة القول أن ما سردته اعلاه لا أقصد به نوعا من المنة علي مصر الشقيقة بل هو واجب وفاء الشقيق لشقيقه حيث يشهد التاريخ أن ماقدمته مصر للشعب السودانى ابان الحركة الوطنية من أجل مقاومته للاستعمار الانجليزى خاصة فى التعليم والأدب والثقاقة والدعم مشهود ومسجل لا يخفى على أحد.
ان ما سردته أعلاه يدفعنى للقول وبكل صراحة الشقيق لشقيقه وبشفافية أن ما يجب ان يكون عليه الحال حاضرا ومستقبلا هو ما أوردته فى مقدمة هذه الاسترانيجية التى أطلقت عليها ( تدكو)..أى (ندك) بها أى مخطط ضد شعب وادى النيل لضرب أمنه القومى أسرد تفاصيل ذلك أدناه..
ثم تبقى قضية هامة هى قضية مثلث (حلايب) وأقول اليس من العيب وضعف الرغبة والارادة ان يظل الخلاف بين الحكومتين حول قطعة أرض مستمرا لدرجة ان يدفع هذا الخلاف بينهما للذهاب الى مؤسسة عدالة دولية يتحكم فيها ما يطلق عليه المجتمع الدولى الذى لا يعرف عدلا ويستغل الخلافات لستمر أجندته الخفية والخلافات بين الأشقاء و هو يمارس ازدواجية المعايير.. ذلك الخلاف الذى يفترض ان يحله شقيقان؟ حقا ان هذا لشيئ عجاب!! قصارى القول فيما أرى بكل صدق وشفافية وعلاقات أخوية ان مشكلة الخلاف حول مثلث حلايب يمكن حله بكل سهولة وكفاءة من خلال استراتيجية ( تدكو). وأترك التفاصيل للعقول والخبرات النيرة و(قلوب مفعمات بالصفاء) من الاسكندرية شمالا حتى أقصي جنوب دولة السودان الحالية) قوامهم الخبراء من الجانبين من خلال استراتيجية واضحة ذات فوائد جمة ورغبة حقيقية وارادة صلبة من حكومتي البلدين.. ولعلى هنا أتمنى ان يكون صديقى وابن دفعتى وزير خارجية السودان الجديد علي يوسف بتعاون مثمر مع وزير خارجية مصر اضافة لكل العقول واخبراء فى البدين الشقيقين أن يجرى علي أيديهم ما يحلم به شعب وادى النيل.. وبالله التوفيق