تقارير دولية – المنبر 24
قبل أقل من شهرين من تنظيم أول انتخابات رئاسية تُنهي الفترة الانتقالية في تشاد، في 6 مايو المقبل، عاد الشك في مصير العملية السياسية ومستقبلها في البلد المحاصر بالأزمات الاقتصادية وبدول تعاني حروباً ونزاعات، ليهز يقين تشاديين في استقرار بلادهم وحرص مختلف الأطراف على استكمال مراحل الفترة الانتقالية وإنهائها بتنظيم انتخابات يشارك فيها الجميع.
وكانت تشاد قد اجتازت مرحلة صعبة وحساسة من تاريخها الحديث إثر مقتل رئيسها السابق إدريس ديبي في 20 إبريل 2021، في هجوم نفذه متمردون مسلحون، شمالي البلاد. ونصب الجيش، بالتوافق مع السياسيين، نجل الرئيس المُغتال محمد إدريس ديبي رئيساً للفترة الانتقالية في 20 إبريل 2021، قبل أن يصبح رئيساً انتقالياً في 10 أكتوبر 2022.
مع العلم أنه كان من المقرر أن تنتهي الفترة الانتقالية خلال 18 شهراً، بعد إبريل 2021، غير أنها مُدّدت ثلاث سنوات، حتى مايو المقبل. غير أن ديبي، الابن المدعوم من الجيش، نظمّ حواراً وطنياً بين 20 أغسطس2022 و8 أكتوبر من العام عينه، قاطعه طيف واسع من المعارضة والمجتمع المدني، رغم مشاركة بعض أطرافها.
وشملت خريطة طريق المرحلة الانتقالية التي تم التوافق عليها بين المجتمع يومها توسيع تشكيلة المجلس التشريعي (يضمّ 188 عضواً)، وتخصيص 45 مقعداً فيه للحركات المسلحة التي وقعت “اتفاقية الدوحة للسلام في تشاد” في أغسطس 2022، مع إبقاء ديبي الابن رئيساً لعامين. وكانت “اتفاقية الدوحة للسلام في تشاد”، التي وقع عليها المجلس العسكري الانتقالي وأطراف من المعارضة، قد مهّدت لبدء انعقاد حوار وطني شامل، بهدف تحقيق مصالحة وطنية بين الفصائل المعارضة والحكومة.
خلافات ديبي والمعارضة
رفضت غالبية أحزاب المعارضة مخرجات الحوار ودعت إلى مقاطعة الاستفتاء على الدستور الجديد الذي أُجري في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وأُجيز الدستور بتأييد 86 في المائة من الناخبين، في حين رفضه 14 في المائة، وبلغت نسبة المشاركة 63.75 في المائة. وواصلت حكومة ديبي تنفيذ خريطة الطريق وفق ما يناسبها، وكلّفت لجنة بصياغة دستور جديد من دون العودة إلى الفاعلين السياسيين من قادة أحزاب ونقابات وحركات، عكس ما تم اتُّفق عليه في الحوار الوطني.
وعارض الجزء الأكبر من المعارضة ومنظمات للمجتمع المدني، من بينها ائتلاف “واكيت تاما” وحركة “فاكت” المتمرّدة المتهمة باغتيال إدريس ديبي، تمديد الفترة الانتقالية، واعتبرت أن الهدف منه هو الاستيلاء على الحكم و”توريث الحكم” لعائلة ديبي. كما عبّر الاتحاد الأوروبي عن قلقه من تمديد الفترة الانتقالية وفتح المجال أمام إمكانية ترشح ديبي الابن للرئاسة.
وخرجت تظاهرات حاشدة في العاصمة نجامينا في 20 أكتوبر 2022، وهو اليوم الذي صادف انتهاء المرحلة الانتقالية بعد مرور 18 شهراً عليها، قبل أن تمددها مخرجات الحوار الوطني، فاندلعت يومها اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين ورجال الشرطة أسفرت من مقتل أكثر من 100 شخص واعتقال نحو ألف متظاهر قبل العفو عنهم لاحقاً، لكن العشرات منهم تعرّضوا للتعذيب أو فُقدوا، وفقاً لمنظمات غير حكومية.
وُوصفت أحداث 20 أكتوبر 2022 بـ”الخميس الأسود”، ومُنعت منذ ذلك الحين التظاهرات المناهضة للسلطة وفرّ العديد من زعماء المعارضة من تشاد بعد مطاردتهم.
وكان الاتحاد الأوروبي، بتشجيع من فرنسا، من الداعمين لتولي ديبي الابن الحكم بعد مقتل والده. وهو ما اعتبره كثيرون تناقضاً في موقف الاتحاد الأوروبي الذي هاجم الانقلابات العسكرية التي تزامنت مع تولي ديبي الابن الحكم، وعاقب العسكريين الانقلابيين في مالي وبوركينا فاسو وغينيا، بينما ساند الخلافة غير الدستورية لمحمد ديبي في تشاد.
وعلى الرغم من الدعم الأوروبي والفرنسي لديبي الابن، غير أن تمديد الفترة الخلافية شكّل خلافاً بين تشاد وألمانيا، ما دفع نجامينا إلى طرد السفير الألماني غوردون كريكه، في إبريل 2023، بداعي “تدخُّله المفرط في شؤون إدارة البلد… وتصريحاته التي تنزع إلى تقسيم التشاديين”.
ولم تواجه تشاد انتقادات قوية من “المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا” (إيكواس)، ولم تُفرض عليها عقوبات اقتصادية كما حدث في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، التي حصلت فيها انقلابات عسكرية.
الخلافات في صلب العائلة الحاكمة
لاحقاً، ارتفع منسوب التوتر في صلب العائلة الحاكمة، مع مقتل المعارض يايا ديلو (ابن عمة ديبي الابن)، في 28 فبراير/ شباط الماضي، على يد الشرطة، وهو ما أثار المخاوف من توتر الأوضاع في البلاد.
وكانت ظهرت أولى بوادر الخلافات بين أفراد الأسرة الحاكمة بعد مقتل ديبي الأب حول من يتولى رئاسة البلاد، تحديداً بين ابنيه زكريا ومحمد، إذ مالت الكفة لصالح الأخير واختاره العسكريون وأجنحة داخل قبيلة الزغاوة الحاكمة في تشاد رئيساً للمجلس العسكري. لاحقاً، ظهرت خلافات بين ديبي الابن وابن عمته المعارض يايا ديلو الذي فرّ إلى خارج البلاد قبل أن يعود عقب مقتل ديبي الأب.
في السياق، قال الباحث الموريتاني الخبير في شؤون الساحل محمد فال ولد الشيخ إن الانتخابات المقبلة قد تنهي أيضاً حكم عائلة ديبي إذا نجحت المعارضة في اختيار مرشح قوي ينافس الرئيس الانتقالي محمد إدريس ديبي، رغم ارتكابه أخطاء فادحة قبل موعد الانتخابات.
وأضاف ولد الشيخ، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أنه “أمام المعارضة فرصة سانحة للتخلص من الحكم العسكري ومن عائلة ديبي في حال نجحت في استغلالها وتقديم بديل لمحمد ديبي، الذي يبدو أنه أضعف بكثير من والده، فضلاً عن طرح رؤى حقيقية لحل مشاكل تشاد التي تُواجه مجموعة من العقبات الأساسية منذ مقتل رئيسها السابق”.
ورأى أن الحكومة الانتقالية لم تأخذ برأي مختلف الأطراف السياسية، خصوصاً المعارضة، في التعديلات الدستورية، ما أظهر أن الحكومة لم تولِ أي اهتمام للخلافات التي برزت أثناء جلسات الحوار الوطني، لذلك، فقد كانت جلسات الحوار مجرد جلسات بروتوكولية، خرجت بتعديلات وتغييرات غير جوهرية وكانت في أغلبها محاكاة لتجارب الدول المجاورة.
واعتبر ولد الشيخ أن إعلان الرئيس الانتقالي ترشحه للانتخابات الرئاسية بعد ثلاثة أيام من مقتل المعارض يايا ديلو يؤكد حالة التخبط التي يعيشها النظام، والقلق من مصير مشابه لمصير ديبي الأب، بالتالي فإن حظوظ نجاح ديبي الابن في المنافسة العائلية، التي كان يشكلها المعارض ديلو، أصبح الشغل الشاغل للنظام الحاكم.
وكانت المعارضة قد طالبت بفتح تحقيق في وفاة المعارض يايا ديلو الذي كان سينافس ديبي في الانتخابات المقبلة، واتهمت الجيش بـ”الاغتيال” الذي هدف إلى إطاحة ديلو من السباق الرئاسي.
كما دعت منظمات حقوق الإنسان، من بينها “هيومن رايتس ووتش”، إلى إجراء “تحقيق دولي” في وفاة ديلو، وهو ما استجابت له الحكومة التي أعلنت عن فتح تحقيق دولي في الحادث الذي أدى إلى مقتل ديلو وأربعة جنود من الفرقة العسكرية التي كانت تحاصر مقر حزب ديلو في العاصمة نجامينا.
وكانت الحكومة قد اتهمت ديلو بالتخطيط لـ”محاولة اغتيال” رئيس المحكمة العليا سمير آدم النور والهجوم على مكتب جهاز المخابرات، ما دفع الشرطة إلى محاصرة مقر الحزب “الاشتراكي” المعارض الذي ينتمي إليه ديلو، والاستعانة بتعزيزات من الجيش بعد رفضه تسليم نفسه.
حظوظ ديبي الابن الرئاسية
وإذا كان إعلان محمد إدريس ديبي ترشحه للانتخابات الرئاسية بعد ثلاثة أيام من مقتل ديلو قد خلّف حالة من التوتر والخوف من تنظيم الانتخابات في مناخ يتسم بالعنف وقمع المعارضة، فإنه في المقابل ترك حالة من الارتياح لدى المعسكر المساند له.
وحول ذلك، اعتبر الباحث التشادي إبراهيم بيلاج أن “الوضع السياسي في تشاد معقد ومليء بالتوترات، والبلاد تواجه العديد من التحديات، ومنها ضعف الاقتصاد وارتفاع معدل الفقر وانتشار الإرهاب… ما تحتاجه تشاد الآن هو الاستقرار والبناء واختيار من يستطيع تجاوز هذه المرحلة الصعبة من دون خسائر كبيرة”.
وأشار بيلاج في حديثٍ لـ”العربي الجديد” إلى أن الرئيس الانتقالي الحالي محمد إدريس ديبي، الذي سيخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في 6 مايو المقبل تحت راية التحالف من أجل تشاد موحدة، الحزب الذي أسسه الرئيس الراحل إدريس ديبي، هو الأوفر حظاً للفوز بالانتخابات بسبب إرث والده والداعمين لمشروعه، وأيضاً لما حققه خلال الفترة الانتقالية بالعفو عن المعارضين والمشاركة في جلسات الحوار الوطني.
وأضاف بيلاج أنه على الرغم من صعوبة المهمة، فإن الرئيس الانتقالي نجح في قيادة الفترة الانتقالية بحكمة وهدوء، ورغم ما قيل عن غياب الشفافية والإنجازات، فإن أي حصيلة للرئيس ستكون موضع طعن من جانب المعارضة.
المعارضة ترفض ترشح ديبي
أما الناشط في المعارضة عمر سيبا، فشدّد على أن “المعارضة ترفض توريث الحكم في تشاد وهي ضد مشروع الدستور الجديد، لأنه لا يختلف كثيراً عن الدستور السابق، مع احتفاظ رئيس الدولة بالصلاحيات الرئيسية، كما أنه لم يتضمن فقرة تحرم على من تولى تسيير البلاد في المرحلة الانتقالية الترشح للانتخابات المقبلة”.
وعن موافقة أطراف من المعارضة على الحوار ومخرجاته والدستور الجديد، اعتبر سيبا، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن هذا أسلوب تتبعه الحكومة لإقناع المجتمع الدولي بمواقفها، مشيراً إلى أن “الحكومة تعمل على إضعاف المعارضة وتشتيت جهودها وإنهاكها بتعيين بعض المعارضين في مناصب مهمة واتهام الرافضين الانضمام إلى مشروعها.. كل هذا حتى تكون المواجهة مع المعارضة بأقل الخسائر”.
وأضاف: “كان من المقرر أن تنتهي المرحلة الانتقالية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، غير أن الالتزامات التي تعهدت بها الحكومة لم تُحترم. وبدلاً من أن تفي بتعهداتها، عملت على التشكيك في نوايا المعارضة وأهداف قادتها ولم تقدم أي مبرر لتمديد الفترة الانتقالية أو السماح لديبي الابن بالاستمرار في الحكم بعد مقتل والده”.
ورأى سيبا أن “حل أزمة تشاد يتطلب العودة إلى أصل المشكلة، وهو أن كل التشاديين يرفضون توريث الحكم وترشح من تولى الفترة الانتقالية للانتخابات المقبلة”. وأكد أن المعارضة تُحمّل ديبي الابن مسؤولية الأزمة برفضه التخلي عن السلطة والتنكر لوعوده السابقة بالعودة السريعة إلى النظام الدستوري وانتقال السلطة للمدنيين واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.