
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
خمسة وأربعون يوماً بالتمام والكمال مرّت منذ أن تم تعيين السفير الدكتور كامل الطيب إدريس رئيساً للوزراء، شهرٌ ونصف الشهر مضى ولا تزال حكومة “الأمل” التي وعد بها السيد إدريس معلّقةً في فضاء الانتظار، وسط تعقيدات أمنية، وتلاطم أمواج سياسية، وتطلعات جماهيرية، حيث لم تسفر المشاورات الواسعة التي انخرط فيها رئيس الوزراء منذ تعيينه مع قوىً وكياناتٍ وحركاتٍ مسلحة، عن إعلان حكومة الأمل المدنية التي ما فتئت الأوساط السودانية تنتظرها بصبر نافد لا يخلو من خشية وقلق على إجهاض المسار الانتقالي قبل أن يرى النور، رغم تأدية كل من وزيري الدفاع والداخلية القسم، وتسلم مهام منصبيهما الجديدين اعتباراً من يوم السبت الثامن والعشرين من يونيو الماضي.
صعوبات وعقبات:
ووفقاً لتسريبات تبدو حكومة الأمل المدنية مواجهةً بعقبات رئيسة وصعوبات تعترض طريق دكتور كامل إدريس نفسه في الوصول إلى توافق بشأن تشكيل حكومته في ظل فشل التوصل إلى تفاهمات مع الأطراف الموقعة على اتفاقية سلام جوبا التي ظلت شريكةً في حكم البلاد تنفيذياً، وترفض التخلي عن حصتها من الحقائب الوزارية وخاصة الوزارات المتمددة في ظل القطاع الاقتصادي كالمالية والمعادن، والثروة الحيوانية، ولعل اللافت من خلال التسريبات أن الأطراف الموقعة على اتفاق سلام جوبا، تبدو هي نفسها غير متوافقة فيما بينها بشأن تفسير نسبة الـ25% المخصصة للمشاركة في السلطة، حيث ضجّت منصات التواصل بمساجلات بين بعض أطراف سلام جوبا من الموقعين على الاتفاقية، والحركات التي تم إلحاقها، أو الكيانات التي شاركت في مساري الشمال والوسط.
امتحان مفصلي:
ومن هنا فإن الكثير من المراقبين يرون أن دكتور كامل إدريس يواجه امتحاناً مفصلياً في مسيرته الوطنية، وهو مطالب اليوم بركوب موجة الحسم وإثبات أن “الأمل” ليس مجرد شعار، بل مشروع حقيقي للعبور نحو سودان جديد، وأن أي تأخير في تشكيل حكومته سيكون له تأثيرات سلبية على الفترة الانتقالية المحددة وفقاً للوثيقة الدستورية بـ 39 شهراً بدأت تنفد فعلياً، وهي فترة لن تكون كافية لتنفيذ مهام الحكومة المدنية ومطلوباتها المتمثلة في النهوض بالاقتصاد والاهتمام بمعاش الناس، وبسط هيبة الدولة، وترميم علاقات السودان الخارجية، وتهيئة المناخ للتحول الديمقراطي بإجراء انتخابات حرة ونزيهة تقرر من يحكم السودان، وسيلقي تأخير تشكيل الحكومة بظلال سلبية على إضعاف الثقة الشعبية في جدية الانتقال المدني ويغذِّي مشاعر الإحباط واليأس، ويعطّل انطلاقة الإصلاح المؤسسي والاقتصادي المطلوب لبناء دولة ما بعد الحرب، كما يمنح القوى المتربصة بسلامة واستقرار السودان فرصة أكبر لإفشال المشروع الانتقالي قبل أن يُولد فعلياً.
ترتيب الأولويات:
ويشدد الخبير في العلاقات الدولية وفض المنازعات، السفير نادر فتح العليم، على ضرورة أن يلتفت الدكتور كامل إدريس إلى تكوين حكومته المدنية، مستبعداً وجود صعوبات قاهرة تدعو رئيس الوزراء إلى كل هذا التأنِّي والتأخير في تشكيل حكومته، وأبان السفير نادر في إفادته للكرامة أن الطريق ينبغي أن يكون واضحاً لمن جاء من أجل خدمة شعبه، حاملاً رؤية مسبقة يدير بها الفترة الانتقالية والتي يقوم أساسها على تقوية مؤسسات الدولة لا بناء مؤسسات موازية، أو ابتكار أدوات دولة بديلة لدولة السودان العريقة، داعياً رئيس الوزراء إلى ترك ما وصفه بالتخبط والقفز فوق حبال المسؤولية، وأن يرتِّب الأولويات ويركز على اختيار أفضل العناصر من تكنوقراط السودان من ذوي الدراية، والبعيدين عن الانتماءات السياسية، مع ضرورة التركيز على الاهتمام بمعاش الناس ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين بالطرق الصحيحة وليس بالدعايات السياسية أو الخطابات المُخدِّرة كما يفعل السياسيون في خطاباتهم وشعارتهم الرنانة والتي لا تُبنى على بحث علمي مثل تخفيض الضرائب، ورفع مستوى دخل الفرد بزيادة الرواتب، وتحسين الأوضاع، ليبيع بذلك أملاً زائفاً للشعب المغلوب على أمره وهذه بحسب السفير نادر ليست من سمات التكنوقراط، محذراً من مغبة انشغال رئيس الوزراء بالمصالحة الوطنية والإجماع السياسي بين الأحزاب، باعتبارها قضايا سياسية لا تدخل في صميم عمل رئيس وزراء فترة انتقالية، إنما عليه أن يصنع مواعين للحوار الوطني بعيداً عن مشغوليات الحكومة التنفيذية وسن قوانين الانتخابات، ودعم مفوضية الانتخابات التي يفترض أن تعمل على إطلاق حوار سوداني سوداني داخلي.
روشتة:
“إن حكومة الأمل المرتقبة تنتظرها مهام صعبة يأتي في مقدمتها بسط هيبة الدولة وتهيئة الأجواء وبسط الخدمات لعودة آمنة للمواطنين إلى مناطقهم”، هكذا يطرح الخبير في العلاقات الدولية وفض المنازعات، السفير نادر فتح العليم (روشتةً) بشأن أولويات حكومة دكتور كامل إدريس، مبيناً أن ذلك من شأنه أن يعمل على إدارة عجلة الإنتاج والاستعانة بالأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة ذات الصلة، مطالباً بضرورة السيطرة على موارد الدولة ومقدراتها، ومعالجة مشكلات قطاعات التعدين، والزراعة، والمحاصيل النقدية بأسرع وقت ممكن من أجل رفع قدرات البلد الاقتصادية واستخدام هذه القدرات في بناء علاقات دولية تصبُّ في صالح المشروع السوداني، وأبان السفير نادر أن السياسة الدولية أصبحت بما تقدمه الأمة من إسهامات في الاقتصاد الدولي، وليس بإطلاق الشعارات القديمة التي كانت تعتمد على القيم والمبادئ مثل حقوق الإنسان، وحق الشعوب في العيش الكريم والأمثلة كثيرة يعلمها دكتور كامل نفسه باعتباره ابناً شرعياً تربى في كنف المجتمع الدولي.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر فإن دكتور كامل إدريس ووفقاً لمراقبين، مطالبٌ اليوم أكثر من أي وقت مضى، بالتحلي بالحسم السياسي، والتحرك العاجل لتجاوز الخلافات بين أطراف اتفاق سلام جوبا، من خلال توسيع حكم دائرة المشاورات وبناء تفاهمات مرنة تضع مصلحة الوطن فوق الحسابات الضيقة، وإلا فليس أمامه سوى إعلان حكومة من حقائب وزارية لا تستوعب نسبة الـ25% المخصصة لأطراف سلام جوبا لحين معالجة مشكلتهم، ذلك أن الزمن ليس في صالح إدريس، وأن أي تأخير في تشكيل الحكومة سيكون خصماً على وعوده التي قطعها في خطابه أمام الجماهير، الأمر الذي قد يؤدي إلى فقدان ثقتهم في إمكانية الخروج من النفق الحالي، فالمطلوب الآن تشكيل حكومة كفاءات ذات مصداقية وطنية، وبرنامج إسعافي عاجل يُلبي تطلعات السودانيين ويثبت جدية “الأمل” الذي وعد به، وما أضيق العيش لو لا فسحة الأمل.