
بعد أن احترقت كل اوراق الاعلام في يد ما تبقى من تحالف “تقدم/صمود”، وجد الحاوي الإعلامي نفسه أمام خيارات محدودة وهو يواجه إفلاسه، بالغوص في دفاتر التاجر المفلس بحثاً عن أي صوت يمكن تسليحه لخدمة الخط الدفاعي الجديد لتبرير التورط الإماراتي في قتل السودانيين. والخطة بسيطة: كل من يعارض هذا الاجرام او يعترض على تدمير السودان وتشريد شعبه في العالمين، هو بالضرورة “إسلامي” أو “عميل للإخوان”!
ويبدو ان رحلة البحث قد وجدت ضالتها موخرا في عثمان فضل الله رئيس تحرير مجلة أصدقاء حمدوك “آفق جديدة” والحمدلله ان اصبحت افقا.. فعبدالخالق يتقلب في قبره ضجرا مما صنعوه باسم كتابه.
لا تكتمل أي نسخة من مجاة اصدقاء حمدوك دون ان تزينها كتابة النور حمد، “المفكر الجهبذ” الذي يزين تبرير جرائم الدعم السريع! فهو لا يرى بأساً في قتل السودانيين أو اغتصاب نسائهم أو نهب ممتلكاتهم، طالما أن الجنجويد ينفذون “تصفية الحساب التاريخي مع الإسلاميين”! وكأن النور حمد نسي أنه يقف وسط بحر من الإسلاميين والانتهازيين والقتلة الذين يحيطون به من كل جانب. (ومحمود محمد طه يتقلب ايضا في قبره من فعل تلاميذه بتعاليمه) لكن يبدو ان عثمان واصدقاء حمدوك من ملاك المجلة لا يرون في ذلك مشكلة، فـ”النضال ضد الإسلاميين بأثر رجعي” سهل في زمن الانحطاط السياسي، خاصة عندما تكون مربوطة بجواد الإمارات الرابح”! والزمان مسغبة!
واصل عثمان فضل الله في الأيام الماضية هرجه المضحك، يحذر من “الخطر الإسلامي” القادم من بورتسودان، مردداً خطاب حمدوك، ومقالات “جيروزاليم بوست”، وبقية أبواق الإمارات. ليدغدغ مخاوف الغرب من شبح الإسلام السياسي، دون أن يُرهق عقله بالتساؤل -او لعله فعل- : ماذا سيحدث لو نجحوا في هذا التدليس؟ كم مزيدا من السودانيين سيموتون أو يتشردون إذا تمكنوا من تأليب الغرب وإدارة ترامب ضد السودان، للتغطية على جرائم الإمارات في قتل واغتصاب وتشريد السودانيين؟ أما قصف الإمارات لسد مروي، ومحطة كهرباء القضارف، ودنقلا، وسائر البنى التحتية؟ فهذا ما لم يستحق من عثمان ورفاقه حتى همهمة احتجاج. صمتوا كالأموات، ولكن الدم السوداني عندهم ماء، والخراب لعبة… فيا للنبل!
الغريب أن عثمان لا يعي أن الذين حاربوا الإسلاميين في الماضي فعلوا ذلك لأنهم أضرّوا بالسودان، وتسببوا في مثل هذا الخراب الذي يتسابق عثمان وصحبه الان لتبريره. ولكن ما علينا… فهذا زمان المهزلة!
بلغ عثمان الذروة الدرامية في كليماكس “تحليله” العبقري لتيارات حزب الأمة، الذي حاول تبرئة الجناح الأغنى من تبعات التحالف مع الجنجويد، الذي ورطهم برمة ناصر في اعلانه صراحة، متجاهلاً أن هذا التيار هو الأكثر انغماساً في مستنقع الدم. والأعجب هو حديثه عن “انتهاكات الحرب” في انتقاد تيار بورتسودان دون أن يذكر أن 77% من تلك الانتهاكات بحسب التقارير المستقلة ترتكبها قوات الدعم السريع، ولكنه ذنب مغفور عند عثمان وصحبه، ان لم يكن فعلا مبرور كمان.
أما الكوميديا فجاءت في وصفه للتيار الثالث في الفقرة التي يتحدي فيها عن (تيار “الدكتور” الواثق البرير) واصفا اياه بأنه “صوت الحزب التاريخي المنحاز لثورة ديسمبر”! وهي جراءة على الحق لا احسب ان احدا يعرف الواثق البرير او حزب الامة او اي شيء عن السودان على الاطلاق قد يجروء عليها الا ضاحكا! أي ثورة ديسمبر هذه التي يتحدث عنها؟ وأي انقلاب ذاك الذي رفضه الواثق البرير وهو أحد مهندسي اتفاق حمدوك مع الانقلابيين في نوفمبر ٢٠٢١، واحد الذين مضوا في وفد اقناعه بالتوقيع عليه (بمعية برمة ناصر ايضا)؟ بل والأكثر سخرية، انه ينسب للواثق موقفا عن “وقف الحرب واستعادة المسار المدني” بينما هو يرشح عضويته لرئاسة الادارة المدنية لولاية الجزيرة بعد اتفاق حميدتي-حمدوك في يناير ٢٠٢٤! وبالمناسبة، ما خبر مرشح الواثق المسكين صديق موية! هل تساءل تيارك عنه يا عثمان ام انه مجرد كولاترال ديمج لا يؤبه له ولا يستحق الذكر في دعايتك الوطنية عن تيارات حزب الامة.
مقال عثمان تجاوز كونه مجرد محاولة لبيع الوهم، بل كان محاولة كوميدية لتحويل الفسيخ الي شربات وكأن عثمان يقول لقرائه: “اقبلوا باي كلام فسنستمر في تكراره حتى تصدقون، فقد غلفناه بشعارات جميلة!” ولكن كل عطور العرب لن تُطيب اثر الدماء على هذه اليد الصغيرة يا عثمان.
فالبس كدمولك بالعديل.. فقد ترك اثره على وجهك واضحاً!