كيف ننصف المرأة وننصف المجتمع؟ رد على مقال “كيف تقتل امرأة وتنجو؟!” بقلم: د. أمجد عمر محمد

قرأت المقال القيّم للاخت و للزميلة د. عفراء فتح الرحمن، وما حمله من ألم مشروع تجاه جرائم مؤسفة وقعت بحق بعض النساء السودانيات، وهي بلا شك جرائم مرفوضة شرعاً وقانوناً وأخلاقاً. ومع قناعتي الكاملة بوجوب الحزم تجاه كل من تسوّل له نفسه الاعتداء على امرأة، إلا أنني أجد من الأمانة أن أوضح أن هذه الأفعال – على فداحتها – تظل استثناءً شاذاً لا يمثّل صورة المجتمع السوداني في عمومه. فالمرأة في السودان ظلت عبر التاريخ محل تقدير وإجلال؛ فهي الأم المربية، والأخت السند، والزوجة الشريكة، والابنة المدللة، وهي الحاضرة بقوة في مجالات العلم والعمل والسياسة والثقافة كما د. عفراءفتح الرحمن. والمجتمع السوداني – على تنوعه – كان ولا يزال يفاخر بعلو مكانة المرأة فيه، ويستنكر أي ظلم يقع عليها، بدليل أن مثل هذه الجرائم حين تقع تُقابل بإدانة واسعة من مختلف فئات المجتمع.
أما الإسلام، الذي هو مرجعيتنا الأصيلة، فقد رفع مكانة المرأة أيما رفع، فجعلها شقيقة للرجل في التكليف والمسؤولية، قال تعالى: ﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة﴾ [البقرة: 228]. وهذه الدرجة تكليف بالقيام على الرعاية لا تسلط ولا قهر. كما جعل النبي صلى الله عليه وسلم معيار الخيرية في حسن معاملة النساء، فقال: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”. وقد أكد الرسول الكريم في حديث آخر قاعدته العظيمة بقوله: “ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم”. وهذا الحديث يجسد القاعدة الأخلاقية التي لا ينفك عنها أي مؤمن صادق، إذ لا يليق بمؤمن أن يسيء إلى امرأة، سواء كانت زوجة أو أماً أو أختاً أو ابنة…، لأن إكرامها علامة شهامة ورجولة، وإهانتها خسة ودناءة.

إن تصوير المجتمع كله بأنه متواطئ مع المعتدين، أو أنه يغض الطرف عن جرائم القتل والتعنيف، فيه قدر من التعميم الذي لا ينصف الواقع. فالشاذ لا يقاس عليه، وإنما يُعالج بالقانون الرادع والتربية الرشيدة. والقانون السوداني، في جوهره، قائم على أحكام الشريعة التي لا تقبل التساهل مع القتل أو التعنيف أو الإذلال. نعم، هناك حاجة ملحة لتجويد التشريعات وتفعيل القوانين بما يحفظ للمرأة حقوقها كاملة، ويوفر لها الحماية اللازمة، ويمنع أي وصاية جائرة أو تقييد لحقوقها الطبيعية. لكن كل ذلك ينبغي أن يُطرح بروح إصلاحية عادلة، تعترف بالخلل وتسعى لعلاجه، دون أن تُلقي بالاتهام على المجتمع بأسره، أو تُصوِّره في صورة مظلمة لا تعكس حقيقته.

فالمرأة في السودان ستظل محل احترام وتقدير، وما يقع من قلة عابثة لا يغير من هذه الحقيقة الراسخة، بل يوجب علينا جميعاً – دولة ومجتمعاً – أن نقف بالمرصاد ضد الظلم، وأن نتمثل قول الله تعالى: ﴿ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً﴾ [المائدة: 32].

موقع المنبر
Logo