“كنْ واقعياً واطلب المستحيل..” بقلم رشان أوشي

لن يكون سهلاً على السودانيين نسيان الطريقة المهينة التي أُنهِيَت بها زيارة رئيس الوزراء “كامل إدريس” ووفده إلى السعودية. فقد أبلغهم بذلك وزير الخارجية، بينما كان ولي العهد “محمد بن سلمان” يستقبل في الوقت نفسه رئيس وزراء “باكستان” ويبرم معه اتفاقية تعاون عسكري.

هذا الموقف مسّ كل سوداني تقريباً، وطال كل شيء، وستبقى آثاره عالقة في الأذهان وماثلة في الذاكرة السياسية السودانية لردح من الزمن.

والحال أن المحطة التي نعبرها حالياً تخلو من كل “أمل”، بل تتكشّف عن فقر مدهش في الأفكار والأشخاص المناسبين، مع أنها – وبلا قياس – أشد مصيرية وحساسية.

وفي سياق متصل، شارك الرئيس “عبد الفتاح البرهان” في قمة “الدوحة” الطارئة، حيث التقى الأمير “تميم بن حمد” وألقى خطابًا قويًّا عبّر فيه عن موقف جديد، إذ أعلن أن السودان يقف مع قطر ويدعو إلى تحرك عربي وإسلامي ودولي ينهي ازدواجية المعايير. هذا الموقف يحمل دلالات تتجاوز عنوان القمة لتذهب إلى تحولات أعمق في السياسة الإقليمية السودانية.

هناك قلق على السودان من ناحية أمنه واستقراره ووحدته، وهو قلق مبرَّر لأسباب عدة. وبرغم قناعتي الراسخة بأن بلادنا اليوم أفضل بعد انتهاء حقبة “إقطاعية آل دقلو”، إلا أن الطريق ما زال مليئاً بالذئاب والأخطاء، وغارقاً في التردد والمراوغة. وبعض الأخطاء أخطر من العدو نفسه، بل وتخدمه.

ومن أبرز الأخطاء الاستراتيجية بعد 13/أبريل/2019 حقبة الدولة المتآكلة والمُتجاوَز عليها من مجاميع إقليمية، والتي أقحمت السودان وشعبه في مغامرات خطيرة، منها التخلي عن العلاقة الاستراتيجية مع “قطر” مقابل التحالف مع “اللوبي الإقليمي” الذي يحاول حتى الآن السيطرة على القرار الوطني، إلى جانب محاولات شريرة لتعقيد المشهد وإغراق السودان في الفوضى.

في السودان، حيث تنام الدولة على هواجس الحرب وتصحو على كوابيس الحصار الغربي، تبقى دولة “قطر” الأكثر حضوراً في دعم خيارات السودانيين لمقاومة مشروع التبعية. دعمها لم يكن مجرد مساعدات طبية أو غذائية لضحايا الحرب، بل معادلة سياسية وأمنية دفعت السودان إلى مغادرة خانة الدفاع إلى خانة الهجوم في مسرح المؤامرة.

فلنكن واقعيين.. ينبغي أن يكون الموضوع الأهم بالنسبة إلى القيادة السودانية هو تطوير العلاقة بدولة “قطر”، خصوصًا بعد انضمام السعودية علناً إلى حملة الضغط الدولي ضد السودان، وهو ما يجب أن يشكل نقطة تحوّل في مسار التحالف بين البلدين.

لقد كانت قطر على الدوام حاضنة للحوار وميسِّرة للتفاهم بين الأطراف السودانية المتصارعة، وكان “اتفاق الدوحة للسلام – 2011” أحد أبرز الأمثلة على قدرتها في تقريب وجهات النظر وبناء الثقة بين الأطراف المختلفة. ومن خلال برامج إعادة الإعمار والمشاريع التنموية، قدمت قطر يد العون للنازحين واللاجئين، وجعلت من التضامن الإنساني جسراً يعبر به السودان نحو استقرار أعمق.

ومع أن الدعم الإنساني والاقتصادي يبني الأسس، إلا أن الحفاظ على الاستقرار يتطلب أيضاً شراكات استراتيجية أكثر عمقاً، خصوصاً في المجالين العسكري والأمني. لقد أثبتت قطر، من خلال أدوارها الإيجابية في السودان، أنها شريك موثوق يدعم التنمية والاستقرار.

ينبغي الاسراع في حسم مايجب ان تكون عليه علاقات بلادنا مع المحيط الاقليمي والدولي ، لا يسير التاريخ في خط واحد، بل يسير بطريقة متعرجة في بعض الأوقات، صاعدة وهابطة. والمهم هو كيف يستفيد اللاعبون من فرصه.

محبتي واحترامي

موقع المنبر
Logo