
١- و أعني بالمتتبِّعينَ المُقَلِّدينَ،
و المُقْتَفِينَ أَثَرَه،
من المُحترِفِينَ و الهُواةِ ..
و هذه الأيَّامِ يَتَكَاثَرون ..
فأنا كُلَّما أَستمعُ إلى (مُطْرِبٍ)
أو (مُطْرِبَةٍ)، من الذين يُؤدُّون
أُغْنِيَاتِ الأُسْتَاذ (عثمان حسين)،
أتصوَّرُ كيفَ كانَ سيَستَقبِلُ ذلك،
لمعرفتي، نوعًا ما، بما يَروقُ
له و ما لا يَروقُ ..
أتوقَّعُ بدرجة كبيرة :
هٰذا سَيُغْضِبُهُ جِدًّا،
هٰذا لَنْ يَكْتَرِثَ له،
هٰذا قد يُرْضِيه،
هٰذا سَيَرْضِيه ..
٢- و قبلَ أن أَخُوضَ في جوانبَ من
ذلك، أُبْدِي سَعادَتي الغامِرَةِ بتِلْكَ
الصِّلَةِ الحَمِيمَةِ التي رَبَطَتْنِي
(بالنِّيلِ الثالِثِ)،
الأُسْتَاذ (عثمان حسين) ..
و لعلَّ صديقي ابنَهُ الودود
(صلاح عثمان حسين)،
و صديقي دكتور (نصر الدين شلقامي)، و قد جَمَعَنا بِمَنزِلِهِ،
وثُلةً من الأصفياء ،
على (العَشاء) ،
في لَيْلَةٍ ذاتَ رَوَاءٍ و بَهَاء،
و صديقي دكتور (سُفيان محمد حُسين)، صديقُ الأُسْرَةِ و المُتَيَّمُ
بحُبِّ (عثمان حسين)،
لعلَّهم يُدرِكُونَ
ذلك ويُحيطُونَ ..
(بالمَعَزَّةِ
بالمَوَدَّةِ البَيْنَا
بِأَغْلَى الصِّلَاتِ) ..
فطِيلةَ فَتْرَةِ عَمَلِي (بتلفزيونِ
السُّودان) و (قناةِ النِّيلِ الأزرَقِ)،
حتى توفَّاهُ الله،
كان كثيرَ التواصُلِ معي، و أبدى
لي أكثرَ من مرَّةٍ ارتياحَهُ لذلك
التواصُل، و الذي استثمرتُهُ في
تسجيلِ و إنتاجِ جُلِّ أَعمالِهِ،
و هو ما ذكَرتُهُ من قبل ..
٣- و أنا هنا أستدعي بَدْءاً بعضَ
مواقفَ أثيرةٍ لدى نفسي كانت لي
معه،و أيضًا ما كان يُبدِيهِ لي من
ضِيقٍ ببعضِ الذينَ كانوا يُؤدُّون
أُغنيّاتِهِ، عندما نقومُ بتقديمِها
من خلالِ (الشّاشَة) ..
و لعلَّ أكثرَ ما كان يُضايِقُهُ إخراجُ
الأُغنيَةِ من سياقِها الذي بُنيَت
عليه و (تَسْطِيحُها) ..
ذلك أن (أعمالَهُ الغِنَائِيَّة) قد
اجتمعتْ لها كلُّ (أسْحارِ)
الجمالِ و أركانِه ..
سِحرُ (الكلام)،
و سِحرُ (اللَّحن)،
و سِحرُ (الموسِيقَى)،
و سِحرُ (الأداءِ) بكلِّ عناصرِ جَمالِهِ ..
وفي صوتِهِ تلكَ (الحَنِيَّةُ) القاتلة ،
و (العُنفُوانُ) الرقيقُ النّاعمُ المُرهَف،
و (الدِّفْءُ) العاطِفيُّ الممزوجُ بالشَّجَنِ و الرُّومانسيَّة،
و (الاقترابُ منك)،
و (مُلامَسَةُ) كُلِّ تَفاصيلِكَ ،
( صَدِّقِينِي، وَحَيَاةَ غَرَامِنَا
مَا كَذَبْت عَلَيْكِ فِي حُبِّي
صَدِّقِينِي، أَبَدًا وَلَا حَوَّلْتُ
عَنْك مَرَّةً قَلْبِي
أَنْتِ فِي دُنْيَايَ آمَالِي وَأَهْلِي
كُلُ صَحْبِي
كُلُ زَهْرَة نَدِيَّة يَانِعَة أَنتِ
رَيَّاها وعَبِيرُها
كُلُّ فَرْحَة في فُؤادي أَنتِ
لَحَظاتها المُثِيرَة) ..
و لو أدرَكتُموني،
أُسْتَاذي (عَوَض أَحْمَدَان)،
و أُسْتَاذي (إِبْرَاهِيم أَحْمَد الحَسَن)،
و صديقي السفير الدكتور ( معاوية التوم ) ..
فهذا مُعْتَرَكُكُمَ ،
الغوصُ في بُحور
( الأشجان ) ،
و التنَّقُل بين ( الأغصان ) ،
و ( الألحان ) ..
٤- أُواصِلُ ..
و مِن هُنا كانَ حرصُ الأُستاذِ
(عُثمان حسَيْن) على ضَرورةِ أَخْذِ
أعمالِهِ بِحَقِّها، و بِطَريقتِها المُثلى،
أو قريبًا من ذلك.
أذكُرُ وأنا في (تلفزيونِ السُّودان)،
و في إحدى الفَتراتِ الرمضانيَّةِ المُباشرة، تغنّى لهُ الفَنّانُ (……)،
و بينما كانَ مُنهمِكًا في أداءِ الأُغنيةِ
و كأنَّهُ مَن نظَمَ كلماتِها وصاغَ
لحنَها، كانَ الأُستاذُ (عُثمان)
يُهاتفُني غاضبًا :
“يا حَسَن، كَيْفَ تَسمَح بِدَه؟
دَه بَشْتَن الغُنْيَة بَشْتَنَة!”
و لم أجِدْ عُذرًا أمامَ غَضبتِهِ غيرَ أنَّ (الفَنّان) قد فاجَأنا بالأُغنيةِ على
الهواء ..
و في (النيلِ الأزرق)، و هذهِ المرّة في (سَهْرَةٍ جَماهيرِيَّة)، تغنّى له نَجمٌ ذائِعُ الصِّيت، و أدّى الأُغنيةَ بأسلوبِهِ الذي عُرِفَ به،
و لم يتَّصِلْ بي هذهِ المرّة، بل جاءني (بالسِّكّة)،
و أعادَ على مَسمَعي ما سبقَ واحتَجَّ به، و هو أنَّ هذا (المُطرب) قد “بَشْتَن” الأُغنيةَ وقدمها بطريقةٍ أضاعَت معالِمَها ..
و هُناكَ موقفٌ ثالث، وهو أنَّ أحدَ الشباب جاءني يومًا ووجدني أُجالسُ الأُستاذَ (عُثمان) بمكتبي،
فأوحى إليَّ أن أستأذنهُ ليُرَدِّدَ أُغنياته، فاعتَذَر،
و يبدو أنَّهُ قد استمَعَ له، ولم يكن
راضيًا عن الطريقةِ التي يُؤدِّي بها،
و لو غنَّى من “من سُكات” لما
سأله ..
وهَلُمَّ جَرًّا ..
٥- كانَ يَضيقُ ذَرْعًا بأُولئك الذين
يُؤدُّون أُغنياتهِ بطريقةٍ (شائِهَة)،
و لم يكن ضدَّ أداءِ أُغنياتهِ في كُلِّ الأحوال ..
بدليل ،
و أنا في (النيلِ الأزرق)، جاءني مرّةً مُصطحِبًا الفَنّان (فيصلُ الصحافة)،
و قال لي آمِرًا :
“يا حَسَن، فيصل دَه يُغنِّي غُناي، وأَعمَل ليه سَهْرة”
وقد فَعَلتُ على جَناحِ السُّرعة ..
و كانَ يُحِبُّ الاستِماعَ إلى أُغنياتهِ من الطبيبِ الإنسانِ الدكتور (زروق الحَسَن)،
و (زروق) يُغنِّي (لعُثمان) كما يُحبُّ (عُثمان)،
بل كانَ (عُثمان) يُراجِعُ معهُ بعضَ
ما نَسِيَ أوِ التَبَسَ عليه ..
و السَّيِّدُ الوجيه (جَعفر فَضل)،
المُقيمُ في (لَندَن)، حيثُ عمِلَ
(زروق) هناك، وآخَرونَ في
( الإمارات ) ، حيث عمِل أيضاً ،
يُدرِكونَ عُمْقَ هذا التشارُكِ الأدائي الرائع،و الإعجابِ المبذولِ بينهُما..
و استمِعوا لدكتور (زروق) وهو يُغنِّي (لعُثمان) كُلَّ أُغنياته،
و من كلماتِ الكاتبِ والشاعرِ السُّعودي،السفيرالأسبق لدى
السودان (حَسَن عبدُالله القُرشي) :
( غَرَّدَ الفَجرُ فَهَيَّا يا حَبيبي
و استهامَ النُّورُ في الرَّوضِ الرَّطيب ) ..
٦- وَ هذا التَّعامُلُ الرَّاقي طَبْعُ (الكِبارِ)،
الَّذِينَ لَمْ تَكُنْ أَعْمالُهُمْ لِلسُّوقِ،
بِقَدْرِ ما كانُوا أَصْحابَ رِسالَةٍ،
تُخاطِبُ الوِجْدانَ وَتَسْمو بِهِ،
إِذْ يَسْتَحْسِنُونَ مَنْ يُحْسِنُ أَداءَ
حَصائِدِ أَرْواحِهِمْ، وَلا يَضيقُونَ
بِهِمْ ..
لَقَدْ تابَعْنا (حَسَن عَطِيَّة)،
يَحْتَفِي (بِعابِدَة الشَّيْخ)، وَهِيَ
في بِدايَةِ مِشْوارِها تُشارِكُهُ أَداءَ :
(هَلْ تَدْرِي يا نَعْسان
وَ أَنا طَرْفِي ساهِر ) ..
وَرَ أَيْتُ كَيْفَ أَنَّ غَواشيَ الاِرْتِياحِ
قَدْ غَمَرَتِ الفَنّانَ (مُحَمَّد وَرْدي)،
عِنْدَما تَغَنَّى لَهُ (عِصام مُحَمَّد نُور) :
(مِنْ صِحابَك وَمِن قَرايِبَك
يا حَبيبي بَغار عَلَيْك) ..
وَ (أَسْرار بابِكَر)…
(لَوْ بِإِيدِي كُنْتُ طَوَّعْتُ اللَّيالي)..
وَ (نُمَيْرِي حُسَيْن) ..
(قَسَمْ بِمحيَّاكَ البَدْري
غَرامَكْ مَنُو ضاق صَدْري) ..
وَ رَأَيْتُ الدَّهْشَةَ وَالاِنْشِراحَ يَرْتَسِمانِ عَلى مُحَيَّا (صَلاح اِبْنِ البادِيَة)،
في أَكْثَرَ مِن مُناسَبَة، وَ هُوَ يَسْتَمِعُ
إِلى (أَمْجَد السَّراج) يُرَدِّدُ أُغْنِيّاتِهِ :
(فاتَ الأَوان وَالإِنْكَتَبْ عَلى
جَبِينَا اللَّيْلَةَ بانْ
أَصْبَحْنا أَغْراب نَحْنَ القُراب
لا رَعْشَة، لا لَمْسَة حَنان) ..
وَ لَقَدْ شَهِدْتُ “صَلاحاً” وَهُوَ
يُحْيِي حَفْلَ زَفافِ (أَمْجَد)،
وَ كَأَنَّهُ أَحَدُ أَبْنائِهِ البارِّين ) ..
وَ بِالطَّبْعِ حَفِيدُهُ (مُعاذ) ..
وَ في بَرْنامَج ( أغاني و أغاني ) ،
كُنْتُ كَثيراً ما أَرى أَحَدَ (الكِبار)
في غايَةِ الاِنْبِساط و الاستغراق ،
يُشارِكُ أَحَدَ (الشَّبابِ) و هو
يُؤَدِّي إِحْدى أُغْنِيّاتِهِ كَما يَنبَغي،
فَأُنادِي عَلَى المُخْرِجِ، لا إِرادِيًّا :
(اقْطَع، اقْطَعْ عَلَى…)،
يَعْني يُصَوِّب (الكامِيرا)، حَتّى يَنْقُلَ لِلمُشاهِدِ هَذا التَّلاقِي الحَمِيم ..
وَغَنَّتْ يَوْمًا (هُدَى عَرَبِي)،
(يَا عَازِفَ الأَوْتَارِ مَالَكَ عَلَى قَلْبِي
أَشْعَلْتَ فِيهِ النَّارَ مِنْ جَمْرَةِ الحُبِّ)،
(لِلتَّاجِ مُصْطَفَى) ، مِنْ كَلِمَاتِ
(حُسَيْن بَازِرْعَة)، فَأَسَرَتْنِي،
وَقُلْتُ يَوْمَهَا: لَوْ كَانَ (التَّاجُ)
حَاضِرًا لَصَفَّقَ لَهَا ..
وَالفَنَّانُ (التَّاجُ مُصْطَفَى)،
رَحِمَهُ اللَّه، كَانَ يُبَادِلُنِي الوِدَاد،
وَعِنْدَمَا غَادَرْتُ (تِلِفِزْيُونَ السُّودَان)،
نَظَمَ عَنِّي (قَصِيدَةً) رَقِيقَةً ، بَعَثَ
بِهَا إِلَيَّ مَعَ صَدِيقِهِ الدُّكْتُور
(نَصْرُ الدِّين شلْقَامِي) ..
وَ كُلٌّ مِنْكُمْ يَذْكُرُ مَوْقِفاً مِن
هَذا القَبِيلِ لِرائِدٍ يَحْتَفِي بِمَنْ
يُؤَدِّي أَعْمالَهُ عَلى وَجْهٍ سَدِيد . .
و هذا نهجٌ متوارث ،
و مُباركٌ من الجميع ،
فقد رأينا اللاحقين من ( الكِبار ) ،
قبل أن ( يكبروا ) ،
يقتفون أثرَ السابقين من ( الكبار )،
و لكم أن تستمعوا إلى
( عثمان حسين ) نَفْسِهِ ، و هو يتغنى بمنتهى الروعة ( للكاشف ) ،
من كلمات ( سيد عبدالعزيز ) ،
(إِنتَ عارِف أَنا بَحِبَّك وَبَحلِف بِك
وَلا ما عارِف بِالمَرّة) ..
٧- وَ حُقَّ لِعُثْمَانَ حُسَيْنٍ،
أَنْ يَحْرِصَ عَلَى أَنْ تُؤَدَّى أَعْمَالُهُ،
كَمَا أَرَادَ لَهَا،
وَ تَعِبَ مِنْ أَجْلِهَا،
وَ رَفَعَ مِنْ قَدْرِهَا ..
وَ هُوَ كَسَائِرِ الرُّوَّادِ، الْكِبَارِ،
يَسُوؤُهُ جِدًّا أَنْ يَطَالَ التَّشْوِيهُ أُغْنِيَاتِهِ،
أَوْ أَنْ تُصْبِحَ وَسِيلَةً لِلتَّكَسُّبِ،
دُونَ اعْتِبَارٍ لِقِيمَتِهَا الإِبْدَاعِيَّةِ
وَ الْوَجْدَانِيَّةِ ..
وكلُّ أُغنِيَةٍ تُجَسِّدُ (لَوحَةً فَنِّيَّةً)،
مُكْتَمِلَةَ الأركَانِ،
وَاسأَلُوا (رَاشِد دِيَاب)،
وَاسأَلُوا (مُنْعِم حَمزَة)،
كَيْفَ يَكُونُ حَالُهُمَا عِندَمَا يَعبَثُ
(عَابِثٌ)، بِإِحدَى لَوْحَاتِهِمَا،
بِزِيَادَةٍ،
أَو نُقصَانٍ،
أَو زَحمَةِ أَلْوَانٍ…
وَهَلْ هُنَاكَ لَوحَةٌ أَرْهَبُ مِنْ :
(حِبِّي سَامَحْتَك لِحُبِّي، مَا لَاجْلَكْ
لِلمَعَانِي الكُنت بَنْظِمْ فِيهَا حَوْلَكْ
وَالحَقِيقَة كُلّ أَمَلِي أَبْقَى جَنْبَكْ
أَصْلِي بَعْدَكْ مَا هَوِيتْ
وَلَا حَتَّى قَبْلَكْ)..
إنها (من أجل حبي )،
و أكثر من مائة (أغنية) ،
كل واحدة تشكل ( لوحةً ) تزهو
على أخواتِها ..
فعُثْمَانُ عَبْقَرِيُّ زَمَانِهِ،
وَ هَذِهِ العَبْقَرِيَّةُ، شَهِدَ لَهُ
بِهَا عِظَامٌ ..
هَذَا فَنَّانُ أَفْرِيقْيَا مُحَمَّد وَرْدِي،
يَصِفُ عُثْمَانَ حُسَيْن بِأَنَّهُ
رَائِدُ التَّجْدِيدِ فِي مُوسِيقَى
الأُغْنِيَةِ السُّودَانِيَّةِ، وَهُوَ مَنْ
بَدَأَ التَّأْلِيفَ المُوسِيقِيَّ،
وَ هُوَ مَدْرَسَةٌ فَنِّيَّةٌ اسْتِثْنَائِيَّةٌ،
تَسْتَحِقُّ الدِّرَاسَةَ العِلْمِيَّةَ الْجَادَّةَ،
وَ قَدْ تَأَثَّرَ بِهِ فِي مَسِيرَتِهِ الفَنِّيَّةِ ..
وَ هُوَ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ،
أَعْلَامُ المُوسِيقَى فِي السُّودَانِ،
الأُسْتَاذُ شَرحْبِيلُ أَحْمَدُ،
وَ الْبُرُوفِيسُورُ المَاحِي سُلَيْمَانُ،
وَ الدُّكْتُورُ الفَاتِح حُسَيْنٌ ..
وَ آخَرُونَ مِنْ أُولِي السَّابِقَةِ ..
وَ هَذَا بَابٌ يُمْكِنُ أَنْ يُفِيضَ
فِيهِ أُسْتَاذُنَا الدُّكْتُورُ عُمَرُ الجَزْلِي،
فَهُوَ الخَبِيرُ بِمَكَانَةِ وَ عَطَاءِ وَبَلَاءِ
عُثْمَان حُسَيْنٍ، وَ أُولَئِكَ ( الكِبَارِ ) ،
فقد كان يسعى إليهم لِيُعَرِّف بهم
من خلال ( المايكرفون ) ،
و ( الشاشة ) ..
٨ – وَ إِنَّكَ لَتَتَعَجَّبُ، مِنْ أَيْنَ لَهُ ذَلِكَ
النُّبُوغُ وَالتَّبَحُّرُ، فِي تَطْرِيزِ
المُقَدِّمَاتِ المُوسِيقِيَّةِ، بِتِلْكَ
الطَّرِيقَةِ المُدْهِشَةِ الَّتِي تُدَرَّسُ
الْيَوْمَ فِي أَرْفَعِ المُؤَسَّسَاتِ الأَكَادِيمِيَّةِ ..
فَبِكُلِّ تَأْكِيدٍ، كَانَ عُثْمَان حُسَيْن
عَلَامَةً فَارِقَةً،
وَ كَانَ فَتْحًا فِي فَنِّ التَّأْلِيفِ المُوسِيقِيِّ،
وَ ضَعَهُ فِي مِصَافِّ
كِبَارِ المُوسِيقِيِّينَ العَرَبِ،
المُوسِيقَارُ مُحَمَّد عَبْدُالوَهَّابِ،
المُوسِيقَارُ رِيَاضُ السُّنْبَاطِي،
المُوسِيقَارُ فَرِيدُ الأَطْرَشِ ..
وَ الَّذِي مَيَّزَ عُثْمَانَ، تِلْكَ
المُزَاوَجَةُ بِاقْتِدَارٍ بَيْنَ التَّأْلِيفِ المُوسِيقِيِّ،
وَ الْبَرَاعَةِ فِي تَطْوِيرِ الأَلْحَانِ،
وَ رَوْعَةِ الأَدَاءِ بِشَجَنٍ وَتَطْرِيبٍ ..
أَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ يَا أستاذنا
الدكتور ( سعدالدين الطيب ؟ ) ..
٩- وَ الَّذِي ظَلَمَ عُثْمَانَ حسَيْن،
أَنَّهُ نَشَأَ فِي بِيئَةٍ لا تَحْتَفِي بِمُبْدِعِيهَا
كَمَا يَفْعَلُ الآخَرُونَ،
وَ نَشَأَ فِي قَوْمٍ يُقْعِدُ بِهِمُ
التَّوَاضُعُ عَنْ بُلُوغِ المَرَاقِي،
وَ أَعْلَى المَرَاتِبِ الَّتِي يَسْتَحِقُّونَهَا ..
وَ هُوَ الَّذِي شَكَّلَ ظَاهِرَةً وُجْدَانِيَّةً،
تَوَحَّدَ السُّودَانِيُّونَ عَلَى هَدْيِهَا،
وَ قَدْ فَرَّقَتْهُمُ السِّيَاسَةُ، وَ القَبِيلَةُ،
وَ شُحُّ الأَنْفُسِ ..
لَقَدِ ارْتَوَيْنَا مِنْ عَذْبِ رَحِيقِهِ حَتَّى
الثَّمَالَةِ ..
فَمَنْ مِنَّا لَمْ يَجِدْ عَزَاءَهُ فِي ،
( عَشَرَةِ الأَيَّامْ مَا بَصِحْ تَنْسَاهَا
كَأَنُّهُ مَا حَبَّيْتَكْ وَكَأَنُّهُ مَا عِشْنَاهَا
وَ ضَمَانَا أَحْلَى غَرَامْ ) ..
ومن منا لم تتغشَّاهُ تباريح تلك
الليالي ،
( إن تريدي يا ليالي تسعدينا
تجمعينا كما كنا ما تلمي زول
علينا ) ..
و مَنْ منّا لم يتَزَلَّف بلهفةٍ و ولَهٍ ،
( أرويني أرويني من ريدك أرويني ) ..
و يترجَّى ،
( داوِم على حبي
و اسأل على قلبي
ما تفكر تنساني ) ..
و لا يُسامح بعزةٍ و كبرياء و حنين ،
( جايي تترجاني أغفر ليك ذنبك
ما كفاية الشفتو من نارك و حبك ) ..
و من منا لم يَتَقلَّب معه على
مِهاد التحسُّر ،
( ليه تقول أيامنا راحت و انتهينا ) ..
و من مِنَّا ..
و من مِنَّا ..
و من منّا لم ينتمِ لحزبه ..
حزبُ ،
( أُفديك بالروح يا موطني ) ..
وَ لَمْ يَشْهَدْ السُّودَانُ حِزْبًا يُضَاهِي
حِزْبَ عُثْمَانَ حُسَيْنٍ، و الذي
شعاره ..
( أَفْرَاحْنَا تِهِلّ فِي رُبُوعْنَا
أَحْبَابْنَا يُضَوُّوا شُمُوعْنَا
فِي دُنْيَانَا
مَا أَحْلَانَا
أَرْوَاحْنَا الهَيْمَانَة
تَتْلاقَى مُشْتَاقَة
لِي غَرَامْنَا
وَ هَنَا أَيَّامْنَا ) ..
١٠- و كانَ (عُثمان حُسَين)، يُباهِي
و يَعْتَدُّ بِعَطائِهِ المُوسِيقِيِّ الباهِرِ،
و لي مَعَهُ قِصَّةٌ أُعيدُ سَرْدَها بِكُلِّ
فَخْرٍ واعتِزازٍ ..
لَقَدْ قامَ الدُّكتورُ (الفاتِح حُسَين)
بِتَوزيعِ إِحدَى أُغْنِيّاتِهِ مُوسِيقِيًّا،
و لَعَلَّها (الفَراشُ الحائِر)،
و كَدَأْبِنا في اقتِناصِ كُلِّ جَميلٍ،
بادَرْنا إلى بَثِّها على شاشَةِ
(قَناةِ النِّيلِ الأَزْرَقِ) ..
و في اليَومِ التالي، استَقْبَلْتُ بِمَكتَبي
الأُسْتاذَ (عُثمان)، و قدِ احْتَجَّ بِشِدَّةٍ
على بَثِّ العَمَلِ دونَ الرُّجوعِ إِلَيهِ..
و طَيَّبْتُ (خاطِرَهُ الغالِي)،
حَتَّى اسْتَبَنْتُ مِنهُ عَلاماتِ الرِّضى،
و في بالِي ما خَصَّني بِهِ أَكثَرَ مِن
مَرَّةٍ، مِن مَشاعِرَ، كَم أَسْعَدَتْنِي
و أَبْهَجَتْنِي :
(أَنا تَلْقاني جاهِز،
في أَيِّ حاجَةٍ تَطْلُبَا مِنِّي)..
و أثنى عليَّ مرةً بما لو قلته لما
صدقني أحد ..
قُلْتُ لَهُ :
(طَيِّب، يا أُسْتاذ، ما رَأْيُكَ فيما قامَ
بِهِ “الفاتِح حُسَين”، في تَوزيعِهِ المُوسِيقِيِّ لِهَذا العَمَل؟)..
قالَ لي :
(مُمْتاز) ..
و أَنا كُنتُ على قَناعَةٍ أَنَّ (الفاتِح)
مُوسِيقِيٌّ حاذِقٌ لا يُقْدِمُ على عَمَلٍ
إِلَّا ويَفيضُ عَلَيْهِ مِن بَهائِهِ وَإِتْقانِهِ
و إِحساسِهِ وَتَجْرِبَتِهِ المُوسِيقِيَّةِ..
ثُمَّ أَضافَ قائِلاً :
(أَنا بَيْني وَبَيْنَك، في كُلِّ أَعْمالي،
حَقِّتي الأَلْحانُ وَالمُوسِيقَى،
الكَلامُ ما حَقِّي،
فَمُفَكِّر أُنْتِج الأَعْمالَ دي
كَمُوسِيقَى)..
قُلْتُ لَهُ :
(طَيِّب، ما دامَ الأَمرُ كَذلِكَ، لِماذا
لا تُسْنِد هذا الأَمرَ لِدُكتور “الفاتِح”،
على أَن نَقومَ نَحْنُ في “القَناةِ”
بِتَسْجِيلِ هذِهِ الأَعْمالِ، وأُقْتَرِحُ أَن تُشارِكَ مَعَ الفِرْقَةِ بِالعُود؟) ..
و افَقَ بِلا تَرَدُّدٍ، وأَذِنَ لي
بِالشُّرُوعِ في التَّحضِيرِ ..
و قُمْتُ على الفَوْرِ بِإِطْلاعِ دُكتور
(الفاتِح) على ما دارَ بَيْني وَالأُسْتاذِ (عُثمان)،
فَأَبْدى سَعادَتَهُ وَاستِعدادَهُ لِلْقِيامِ
(بِالتَّوزِيعِ المُوسِيقِيِّ) لِعَدَدٍ مِن
الأَعْمالِ ..
و قَبْلَ يَومٍ مِن التَّسْجِيلِ اتَّصَلَ بي
الأُسْتاذُ (عُثمان) :
(أَعْفِينِي مِن المُشارَكَةِ بِالعُودِ مَع
الفِرْقَةِ، أَنا مُتَوَعِّك، وَالقَعْدَةُ صَعْبَةٌ بالنِّسبَةِ لِي) ..
و لَمَّا كُنْتُ أَحْظى عِندَهُ بِمَكانَةٍ
تَسْمَحُ لي بِالإِصْرارِ عَلَيْهِ، فَقَدْ
تَمَسَّكْتُ بِضَرورَةِ مُشارَكَتِهِ بِالعُودِ، فَوافَقَ لي ..
و قامَ الدُّكتورُ (الفاتِحُ حُسَين)،
بِتَسْجِيلِ الأَعْمالِ، بِمُشارَكَةِ
الأُسْتاذِ (عُثمانِ حُسَين)،
و قد حَشَدَ لَها أَبْرَعَ، وَأَمْهَرَ،
وَأَشْهَرَ العازِفِينَ ..
وَ تَمَّ اسْتِكْمالُ (السَّهْرَةِ) تَحتَ
عُنوانِ (الفَراشُ الحائِر)، بِحِوارٍ
جَمَعَ بَيْنَ الأُسْتاذِ (عُثمانِ حُسَين)،
وَ دُكتورِ (الفاتِحِ حُسَين)،
أَدارَهُ بِاقتِدارٍ المُذِيعُ البارِعُ
المُقْتَدِرُ (سَعْدُ الدِّينِ حَسَن) ..
و بَعْدَها بِأَيَّامٍ، انْتَقَلَ ( عثمان )
إلى رَحْمَةِ مَوْلاهُ ..
و كانَ أَنْ قُمْنا بِبَثِّ السَّهْرَةِ، بَعْدَ
مُرورِ (أَرْبَعينَ يَوْمًا) على وَفاتِهِ ..
١١ – كنتُ على وَشْكِ الاكْتِفاءِ بما
أَوْرَدْتُ،
وَ لَكِنَّ،
هُنَاكَ ما لا يُمْكِنُ تَجاوُزُهُ،
إِنَّهُمْ شُرَكَاءُ (عُثْمَانَ) في التَّألُّقِ
وَ الذِّيوعِ وَالسُّطوعِ..
وَ هذَا بابٌ لهُ حَفظَتْهُ وَسَدَنَتْهُ..
البروف (عُمَر قَدُورَ)،
وَ الأُستاذ (صَلاح شُعَيْبٍ)،
وَ الأُستاذ (أمير أَحْمَدَ)،
وَ صَدِيقِي (سِرَاج الدِّينِ مُصْطَفَى)،
وَ صَدِيقِي عاشق الفراش ،
(طارِقِ شَرِيفٍ)، الَّذِي تَتَبَّعَ مَقاماتِ (عُثْمَان حُسَيْنٍ) مِن خِلالِ مُؤَلَّفِهِ (الفَرَّاشِ الحائِرِ)،
وَ الَّذِي شَهِدَ الأُستاذ (عُثْمَان)
الاِحْتِفالَ بِإصْدارِهِ، وَإتَاحَتَهُ لِلْقُرَّاءِ،
وَ كُنْتُ حاضِرًا ..
أَقُولُ إِنَّ (عُثْمَان حُسَيْنٍ) قَدْ بَرَعَ
وَ نَبَغَ، في صياغةِ أَجْمَلِ الأَلْحانِ،
وَ تَأليفِ أَروعِ الموسيقى،
وَ هُوَ قَدِ اتَّخَذَ مِن ذَلِكَ هالاتٍ
وَ وَهَجٍ لأعْذَبِ الكَلامِ، لِشُعَراءٍ
أَفْذاذٍ مَنَحُونَا مِن أَنْفُسِهِمْ أَصْدَقَ
المَشاعِرِ وَأَعْذَبَهَا ..
(قُرْشِي مُحَمَّدِ حَسَنٍ)،،
مِن (الفَرَّاشِ الحائِرِ)،
مُرورًا (بِاللِّقاءِ الأَوَّلِ)،
إلى (خَمْرَةِ العُشَّاقِ)،
(عِنْدَما تَقْفُو الأَزاهِرُ في الرُّبا
وَ النَّسيمُ الحُلْوُ يَهْفُو رَطِبًا)..
و (السَّفير صَلاحِ أَحْمَدَ)،
(ماتَ الهَوى)،
و (نابكْ أَيَّهُ في هواهُ)،
و (لَيالي الغِرامِ)،
و (إِنْ تَريدِي يَالِيالي)،..
و (إِسماعيل حَسَنٍ)،
أَكْثَرُ مِن ثَلاثِ أُغْنياتٍ،
و (عارِفْنُو حَبيبِي
عارِفْنِي بِحُبِّهِ
حَرامٌ عَلَيْكُمْ تَقِيفُوا في دَرْبِهِ)..
و (عَوْضِ أَحْمَدِ خَلِيفَةٍ)،
(عَشْرَةُ الأَيّامِ)،
و (رَبِيعُ الدُّنيا)،
وَ أُخْواتُهُما النُّواضرُ الزَّواهِرُ..
و (دايْمًا أطيبُ خاطِرِك الغالي
وَ أَسامِحُك لَو نَسِيتَ)..
و (السِّر دُوليب)،
(لَو قُلْتُو حَبيبِي سَلاني
وَ دَّعَ حُبِّي وَنَساني
ما بَصْدَقكُم دَه حَبيبِي الرُّوحَ
بالرُّوحِ) ..
و (مُحَمَّد يُوسُف مُوسى)،
(تَمِيلُ خطواتِي نَشْوانَةً
تُعانِقُ دَرْبَك الأَخْضَرَ)..
وَ الدُّكتورُ (الزَّين عباس عمارَة)،
(أَوْعِدِينِي بِكَلِمَة مِنْكَ)..
و (أَبُو صَلاح)،
و (عُثْمَان خَالِد) ..
و(مُصْطَفَى سَنَد) ..
و (عَبْد المَنعمِ عَبْد الحَيِّ)..
و (عَلِيّ مَحمود التّنْقارِيّ) ..
و (فَضْل الله مُحَمَّدٌ) ..
و (الجِيلِي مُحَمَّد صَالِحٌ)،
و (مَحْجوب سِرَاجٍ)،
و (عَلِيّ شبَيْكَة)،
و (التِّيجانِي يُوسُف بَشِير)،
(أَنتَ يا نِيلُ يا سَليلَ الفَراديسِ
نبيل موفق في مسابِك) ..
١٢ – كان يختار ( أروع ) الأشعار ،
و كان ( أروع ) الشعراء يومها يسعون
إليه ليُؤْثِرونه ( بأروع ) ماكتبوا ..
و يروي أستاذنا الجميل ،
قرين السرور و النور ( بشرى النور ) ،
المُطَّلع على أنفس و أجمل كنوز
( أم در ) :
( هذا الموقف أنا شاهد عليه ،
و أُسأل عنه :
( “سيف الدين الدسوقي” جا ماري
بشارع بيتنا “حي العرب”
وصادف “محمد أحمد عوض” .
فسأله “محمد أحمد” .
– على و ين يا أستاذ ؟ .
– و الله ماشي الخرطوم .
– تخرطم فيها شنو ؟
– و الله يا ( محمد أحمد ) أنا
( عثمان حسين ) ما غنى لي ، عامل ليهو قصيدة عايزو يغنيها لي .
– القصيدة وين ؟
– يا هَدِي .
– أقراها .
بدأ سيف في قراءة القصيدة
“عندي كلمة أحب أقولا
عن مصيري و عن مصيرك” ،
هنا “محمد أحمد عوض ” كَفْ
خطف القصيدة من يد “سيف الدين “.
– عليَّ الطلاق الكلام ده ما يقطع
الكبري يمشي السجانة .
– مبروك .
و انتهت إلي “محمد أحمد عوض” .
و أيضاً كان هذا مصير أغنية
“صوتك النادر”
١٣- و (كُلُّ لَحْظَةٍ تَمُر عَلَيَّ
انْتَ فِي خَاطِرِي وَفِي عَيْنِي)..
و (بَاااااازرعَة)..
رَفِيقُ دَرْبِهِ،
وَ تَوْأَم مَشَاعِرِهِ ..
وَ لَعَلَّ (قُرْشِي مُحَمَّد حَسَن) كَانَ
سَبَبًا فِي هَذِهِ العَلَاقَةِ الَّتِي وَثَّقَتْ بَيْنَهُمَا،
لِيَتَشَارَكَا فِي تَطْرِيزِ أَبْهَى
وَ أَزْهَى حُلَلِ المَشَاعِرِ الإِنسَانِيَّةِ
فِي كُلِّ أَحْوَالِهَا وَتَجَلِّيَاتِهَا ..
وَ بِكُلِّ فَخْرٍ، أُعِيدُ هَذِهِ (الرِّوَايَةَ)،
وَ أَنَا بَيْنَ يَدَي (عُثْمَان حُسَيْن)،
وَ هِيَ أَنَّ صَدِيقِي،
(أَنْوَر مُحَمَّد حُسَيْن)، رَحِمَهُ الله،
المُقِيمِ (بِجُدَّة)، كَانَ قَرِيبًا مِن
(بَازِرَعَة)، لَا يَفْتَرِقَانِ، وَقَدْ شَهِدَ مَنْزِلُهُ العَامِرُ ذَلِكَ اللِّقَاءَ النَّادِرَ،
الَّذِي اسْتَضَافَ فِيهِ الأُسْتَاذَ الفَخِيم
(عُمَر الجَزْلِي) الشَّاعِرَ الجَمِيلَ
(حسَيْن بازرعة )،
وَ الَّذِي بَكَى فِيهِ وَأَبْكَي ..
وَ فِي صَبَاحٍ بَاكِر،
اتَّصَلَ بِي صَدِيقِي (أَنْوَر) لِيُخْبِرَنِي
أَنَّ (بَازرعَة) قَدْ عَادَ أَخِيرًا إِلَى (بُورْتُسُودَان)،
عَادَ مَنْ كَانَ يُحَمِّلُ أَشْوَاقَهُ أَجْنِحَةَ
الطُّيُورِ :
(كُلُّ طَائِرٍ مُرْتَحِلٍ عَبْرَ البَحْرِ
قَاصِدَ الأَهْلِ
حَمَّلتُهُ أَشْوَاقِي الدَّفِيقَة)…
نَعَمْ عَادَ،
إِلَى حَيْثُ مَرَاتِعِ (حُبِّهِ)،
وَ (شَجَنِهِ)،
وَ (وَكْرِهِ المَهْجُورِ)،
وَ (قِبْلَتِهِ السُّكْرَى)،
وَحَيْثُ كَانَ (مَقْعَدُهُ) فِي مَعِيَّةِ
(النَّجْمِ وَالمَسَاءِ)، وَقَدْ ضَمَّهُ
(الوَجْدُ وَالحَنِين) ..
١٤- وَ بَعْدَ فَتْرَةٍ، اتَّصَلْتُ بِالأُسْتَاذِ
(عُثْمَان)، وَزَيَّنْتُ لَهُ فِكْرَةَ أَنْ
يَصْطَحِبَهُ (فَرِيقٌ) مِن
(قَنَاةِ النِّيلِ الأَزْرَقِ) إِلَى
(بُورْتُسُودَان)، لِيُوَثِّقَ لَهُ، وَهُوَ
يَلْتَقِي (بَازرعَة) بَعْدَ أَمَدٍ طَوِيلٍ
مِنَ الاغْتِرَابِ وَالبُعَاد ..
سُرِرْتُ كَثِيرًا وَهُوَ يُوَافِقُ بِحَمَاسٍ
رَغْمَ ظُرُوفِهِ الصِّحِّيَّة ..
وَ رَتَّبْتُ لاِجْتِمَاعٍ بِمَكْتَبِي ضَمَّ كُلًّا
مِنَ الأُسْتَاذِ (عُثْمَان حُسَيْن)،
وَ مِنَ (القَنَاةِ)،
الأُسْتَاذِ (الشَّفِيع عَبْدالعَزِيز)،
مُدِيرِ البَرَامِجِ،
وَ المُخْرِجِ (لُؤَي بَابِكَر صِدِّيق)،
وَ المُذِيعَةِ (سَلْمَى سَيِّد) ..
وَ هُوَ (الفَرِيقُ) الَّذِي رَافَقَ
الأُسْتَاذَ (عُثْمَان حُسَيْن) إِلَى
(بُورْتُسُودَان)، وَأَنْتَجَ تِلْكَ السَّهْرَةَ
الَّتِي وَثَّقَتْ لِلِّقَاءِ العِمْلَاقَيْنِ ..
وَ أَذْكُرُ أَنَّنِي ذَهَبْتُ إِلَيْهِ عَصْرَ
(الجُمُعَةِ)، بمنزله الكائن في
( الخرطوم جنوب ) ،
وَاصْطَحَبْتُهُ بِعَرَبَتِي إِلَى المطَارِ،
وَمِلْءُ مَشَاعِرِي ،
(وَحَات اللُّوعَةِ وَالأَشْوَاقِ
يَا مُشْوَارَ مَا تَقْصَر) ..
وَ مَضَيْتُ خَلْفَهُ أَحْمِلُ (حَقِيبَتَهُ)
إِلَى أَنْ أَوْدَعْتُهَا (السَّيْرَ)،
وَ وَدَّعْتُهُ، فَكَانَتْ (قِصَّةٌ) ذَلِكَ
اللِّقَاءِ المَمْلُوءِ (بِالشَّجَنِ) ،
وَ (المَعَزَّةِ) ،
وَ (أَغلى الذِّكْرَيَاتِ) ..
١٥- وَ كَانَ ذَلِكَ (العِنَاقُ الحَارُّ) :
(يَا عُثْمَانْ يَاخْ وَحْشَة …. سِنِينْ!)
(وَاللهِ رَجَّعْتَ شَبَابْ، يَا حسَيْنْ)…
وَ مِنْ بَعْدُ أَقْبَلَا يَتَنَاجَيَانِ،
وَ (عُثْمَان) يَسْتَدْعِي فِي حَضْرَةِ
(حسَيْن) :
(فِي حِتَّة كِدَا أَنَا عَاجْبَانِي جِدًّا:
……..لم يكن في العمر إلا بقايا
وَ أَنْتَ اتَّخَذْتَ مِنَ الحُبِّ مَسْرَى
يَقُودُ لِمَسْعى وَيَمْضِي لِغَايَةٍ،
تَمَنَّيْتَ، وَالعُمْرُ أَضْحَى خَرِيفَا…)
و يدندن ..
( و مرت أعوام خمسة
من عمر الحب البدا بي همسة ) ..
و هااااااااك يا تَذَّكُر لأجمل أيام ،
و أنضر ، و أحلى ، و أزهى ، و أبهى ..
وَ يااااااااا ..
(إِنْتَ نَبْع حَنَانِي،
إِنْتَ كيَانِي،
إِنْتَ الدُّنْيَا بَهْجَتهَا وَشُرُوقُهَا،
وَ إِنْ حَصَلَ زَلَّتْ خَطَايَا مَعَاك،
أَوْ ضَلَّتْ طَرِيقَهَا،
هَلْ تصَدِّقْ تَنْتَهِي قِصَّتْنَا،
يَا أَجْمَلَ حَقِيقَة؟
نِحْنَ عِشْنَاهَا بِدُمُوعْنَا،
وَ بِالضَّنَى فِي كُلِّ دَقِيقَة،
يَا حَبِيبِي،
لَمْ تَزَلْ قِصَّتُنَا قِصَّةَ حُبٍّ أَقْوَى
مِنَ الحَقِيقَة)..
١٦- وَ لَعَلَّ آخِرَ مَا أَذْكُرُهُ، فِي آخِرِ
زِيَارَةٍ لَهُ، سَحَبَ مِنْ أَمَامِي
(وَرِيقَةً) كَتَبَ فِيهَا، وَقَالَ لِي :
(الأُغْنِيَّتَيْن دِيلْ مِنْ أَجْمَلْ مَا غَنَّيْتْ
وَ مَا وَجَدُوا حَظَّهُم مِنَ الانْتِشَار،
مَوْجُودَاتْ فِي الإِذَاعَة، جِيبْ تَسْجِيل
لِيهمْ وَخَلِّينَا نصَوِّرم)..
وَ كَالعَادَةِ، أَبْدَيْتُ لَهُ حِرْصِي عَلَى
إِنْفَاذِ مَا طَلَب،
وَ مَضَى قَبْلَ أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ ،
و ما تحسرت على شيء حسرتي
على ضياع تلك ( الوصية ) ..
وَ كَانَتْ ..
(كَانَتْ لَنَا أَيَّامٌ
فِي قَلْبِي ذِكْرَاهَا
مَا زِلْتُ أُطْرَاهَا
لَيْتَنَا عُدْنَا أَوْ عَادَتِ الأَيَّام)..
لَيْتَنَا ..
لَيْتَنَا ..
لَيْتَنَا ..
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَ ارْحَمْهُ ..
وَ السَّلَام ..
حسن فضل المولى ..
٢٦ سبتمبر ٢٠٢٥ ..