
الخرطوم؛ المنبر 24
تظهر الآن روايات عن فظائع جماعية ترتكب في مدينة كبرى بمنطقة دارفور في السودان. لكن على عكس موجة الغضب العالمي قبل عقدين إزاء الإبادة الجماعية في دارفور، فإن الاهتمام اليوم بالمنطقة أقل بكثير.
قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، يوم الأربعاء إن «أكثر من 460 مريضا ومرافقا في مستشفى الولادة السعودي» قد قُتلوا في مدينة الفاشر. وتنتشر عبر الإنترنت مقاطع فيديو لعمليات إعدام وانتهاكات أخرى، وعلى الرغم من صعوبة التحقق منها دائمًا، فإن هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) قامت بتحديد موقع أحدها جغرافيا وأثبتت أنه من المدينة. كما أفاد “مختبر الأبحاث الإنسانية” بجامعة ييل بوجود «أدلة على عمليات قتل جماعي» استنادا إلى صور أقمار اصطناعية تظهر جثثا ورمال المدينة ملطخة بالدماء.
وقعت المجازر عقب استيلاء مليـ شيا الدعم السريع على مدينة الفاشر بعد حصار طويل، وهي ميليـ. شيا تخوض حربا أهلية ضد القوات المسلحة السودانية، حصدت ما يصل إلى 400 ألف حياة، كثير منهم من النساء والأطفال. وعلى الرغم من اتهام الطرفين بارتكاب جرائم حرب، فقد وصفت الولايات المتحدة أفعال قوات الدعم السريع بأنها إبادة جماعية.
قد يرى الأميركيون أن هذه مأساة بعيدة لا تعنيهم؛ أو يعتقدون أن الخيار إما الغزو أو عدم التدخل. لكنني أؤمن أن بعض هذه الفظائع كان يمكن منعه بالفعل. فميلـ. يشيا الدعم السريع تلقت السلاح من الإمارات العربية المتحدة (رغم نفي الأخيرة)، في حين رفضت الولايات المتحدة باستمرار أن تتحدث بقوة وبشكل علني لمطالبة الإمارات بوقف دعمها للميليشيا.
لو أن الرئيسين ترامب أو بايدن أبديا استعدادا لتسمية الإمارات وفضحها علنا، لربما تراجعت – أو على الأقل أجبرت قوات الدعم السريع على الكف عن ذبح واغتـ. صاب المدنيين. فقد انسحبت الإمارات من حرب اليمن الوحشية عام 2019 إلى حد كبير بسبب الحرج الذي سببته الدعاية السيئة، وربما كان الضغط سينجح هنا أيضًا – لكنه لم يمارس بما يكفي.
ومن المعيب بشكل خاص أن إدارتي بايدن وترامب وصفتا ما يجري في السودان بأنه إبادة جماعية، ومع ذلك لم تبذلا جهدا علنيا جادا لوقفها. فقد كانت الدبلوماسية مع الإمارات أولوية أعلى من منع ما وصفته الإدارتان بأنه إبادة جماعية.
بعد الاستيلاء على الفاشر، حذر يان إيغلاند، مدير المجلس النرويجي للاجئين، من أن «حملة تدمير مدروسة ومخطط لها منذ زمن طويل جارية الآن في دارفور». وأضاف: «المدنيون الضعفاء يخبروننا عن مداهمات من منزل إلى منزل، وعن أشخاص يختبئون في حفر تحت الأرض للبقاء على قيد الحياة، فيما تُباد عائلات بأكملها».
ويصعب تحديد حجم القتل، جزئيا لأن مليـ شيا الدعم السريع اعتقلت الصحفي السوداني معمر إبراهيم الذي كان يراسل من داخل الفاشر. لكنني تحدثت العام الماضي مع ناجين من هجمات مماثلة نفذتها قوات الدعم السريع، وهم عادة من ذوي البشرة الأفتح من العرب ويستهدفون القبائل الإفريقية السمراء. قالت لي امرأة تدعى مريم سليمان إن عناصر الميلـ. يشيا صفّوا جميع الرجال والفتيان في قريتها وأطلقوا النار عليهم. ونقلت عن أحد قادة الميلـ. يشيا قوله: «لا نريد أن نرى أي شخص أسود».
وأوضحت أن الميـ. ليشيا أعدمت جميع الصبية فوق سن العاشرة، وكذلك بعض من هم أصغر سنا بكثير: إذ وصفت رضيعا عمره يوم واحد ألقي على الأرض وقتل. ثم جمعت القوات النساء والفتيات لاغتصابهن. وأضافت أن قائد المـ. يليشيا قال لهن: «أنتم عبيد».
ولعدة أشهر، حذرت منظمات حقوق الإنسان من أنه إذا كسرت مليـ شيا الدعم السريع حصار الفاشر، فستتكرر مثل هذه الفظائع هناك. ومع ذلك، تجاهل العالم الأمر إلى حد كبير.
وهذا ما يحدث حين تسود ثقافة الإفلات من العقاب. فبالنسبة لأمراء الحرب، تُعد الفظائع وسيلة مريحة: فالمجازر أداة فعالة لتطهير جماعة عرقية غير مرغوب فيها. والطريقة لإنهاء مثل هذه الجرائم ضد الإنسانية ليست بإرسال قوات أميركية لغزو، بل بترسيخ مبدأ المساءلة – عبر المحكمة الجنائية الدولية، وأيضا بقطع إمدادات السلاح عن الفصائل المسلحة وداعميها.
ورغم فشل البيت الأبيض فشلا تاما في القيام بذلك، فقد تحرك بعض أعضاء الكونغرس لدعم جهود الحد من مبيعات الأسلحة للإمارات طالما أنها تساهم في الفظائع في السودان. فكل التقدير لأولئك مثل السيناتورين كريس مورفي وكريس فان هولن، الديمقراطيين عن ولايتي كونيتيكت وميريلاند، ولنواب مثل سارة جاكوبس وغريغوري ميكس، الديمقراطيين عن ولايتي كاليفورنيا ونيويورك، لمحاولتهم ترسيخ مبدأ المساءلة وإثباتهم أن المذابح الجماعية في دارفور تظل مهمة في عام 2025 تماما كما كانت في عام 2005.
بقلم نيكولاس كريستوف


