عثمان ميرغني يكتب: مقال البرهان

 

فكرة جيدة أن يكتب رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان مقالاً في واحدة من أشهر المنصات الإعلامية الأمريكية، صحيفة «وول ستريت جورنال». وأن يحاول مخاطبة العقل الرسمي الأمريكي بأدوات الطرح العقلاني؛ ليحقق التأثير المطلوب لصالح السودان.
لكن هل تكفي الكلمات وحدها لتجميل مواقف البرهان وتلميع الصورة الذهنية لنظام حكمه؟

الإعلام سلاح عصري فعال ومؤثر، لكن هل الإعلام مجرد نصوص أو صور أو فيديوهات؟ رغم أن هذه الأدوات الثلاثة تشكل قوام الرسالة الإعلامية.
الإعلام المؤسسي – أي المرتبط بالعمل الفعلي على الأرض – هو أقوى أدوات التأثير الإعلامي على الإطلاق، لأن الأفعال أكثر قدرة على إقناع المتلقي بإثبات الواقع الحقيقي، وليس مجرد صورة أو توصيف نصي.

مجمل المقال إيجابي للغاية، كتب بأسلوب عميق يخاطب العقل الغربي باهتماماته وهواجسه، وأكد على أهمية فهم الواقع الذي يكابده السودان وخطورة تبعاته على الإقليم والعالم. لكن هل يكفي الخطاب الرصين في تحقيق الهدف المنشود؟
بكل يقين: لا.�لأن الصورة الحقيقية للدولة السودانية في أعين الغرب عموماً وأمريكا خصوصاً لا تزال ناقصة ومشوهة.

الواقع أن السودان لا يعاني من الحرب وحدها، بل أخطر منها: غياب الدولة بمعناها المؤسسي وسماتها العصرية. ومهما تزلفت الكلمات والمقالات لتحسين الصورة الذهنية، فلن تتخطى الواقع الذي يراه ويعلمه العالم أجمع.

السودان دولة بلا مؤسسات حقيقية.�صحيح أن هناك مجلس سيادة، لكن الأصح أنه هيئة صورية لا تتحكم فعلياً ولا تصدر قراراتها وفق دورة مؤسسية حتمية ملزمة.
صحيح أن هناك رئيس وزراء ومجلس وزراء، لكن الأصح أنه مجلس مثل ظل بلا جسم مستقل وحقيقي، لا يكاد يقدر حتى على ممارسة مهامه التنفيذية بصورة مؤسسية تعبر عن شخصية اعتبارية فاعلة.

ويغيب الجسم التشريعي الرقابي – البرلمان – الذي ينتج «السوفت وير» المحرك للدولة والمحافظ على قوامها المؤسسي.
وتغيب أجهزة ضبط الأداء التنفيذي وكبح الفساد، رغم تسميتها في هياكل الدولة التي أعلنها رئيس الوزراء في أسابيعه الأولى.

السودان يعاني من حرب ضروس قاسية، لكن هذا لا يمنع أن تعمل مؤسسات الدولة في المناطق التي لا تخضع للعمليات العسكرية وتؤدي وظائفها للمحافظة على وجود الدولة. فالذي يهدد السودان بالفناء ليست الحرب وحدها، بل حالة الفراغ الواسع التي تجعل جسم الدولة أجوف، كشجرة أكل السوس عظمها وترك اللحاء الخارجي فقط.
لا أدري ما هي المعضلة في أن تكون لنا دولة كاملة الأوصاف: لها مؤسسات تعمل بمنهج مؤسسي في صناعة القرار ودوران عجلة العمل التنفيذي.
وجود دولة حقيقية في مصلحة الجميع، وعلى رأسهم البرهان شخصياً. كلما قويت الدولة سهُلَت إدارتها… وارتقت في سجلات التاريخ.
لسان الحال أوقع من المقال.

#حديث_المدينة الخميس 27 نوفمبر 2025

موقع المنبر
Logo