تقرير – المنبر 24
استباحت مليشيا الدعم السريع، قرى ولاية الجزيرة – وسط السودان منذ شهر ديسمبر الماضي، ونفذت عمليات قتل ونهب وتشريد، ورغم أنها ليست المرة الأولى التي تمارس فيها القوات ذات الأفعال، إلّا أنّ خصوصية الجزيرة وقراها أوجدت صدىً مختلفاً لدى الرأي العام، فالولاية الوسطية تضم أكبر تركيبة سكانية متنوعة، وتتميّز بأكبر مشروع زراعي على مستوى أفريقيا، وسكانها مسالمون يمتهن أغلبهم الزراعة، وتتم هذه الممارسات في مناطق ليس بها وجود عسكري، مما يجعلها غايةً في البشاعة.
تقارير مُخيفة
أفادت مصادر موثوقة «المنبر 24» بأن القرى التي تغلغلت فيها مليشيا الدعم السريع بلغت 150 قرية في محليات الحصاحيصا وشرق الجزيرة وجنوب الجزيرة وجنوب المناقل.
وذكر بأنّ عدد القتلى من المدنيين بلغ نحو 400 قتيل والجرحى 1000، بجانب نهب الآلاف من السيارات، كما قامت عناصر المليشيا بنهب المنازل والأثاثات والمحاصيل الزراعية، كما ارتكبت جرائم بشعة بينها اغتصاب النساء والتهجير القسري للمواطنين من القرى، وأضاف المصدر الذي فضّل حجب اسمه أن المليشيا منعت المزارعين من حصاد القمح إلّا بعد دفع جبايات عنوةً حسب المساحة المزروعة.
مصيرٌ مجهولٌ
يقول محمد علي أحمد أستاذ بالمرحلة الأساسية بولاية الجزيرة، إنّ ما حدث ويحدث في ولاية الجزيرة حالياً من انتهاكات من قِبل مليشيا الدعم السريع يفوق كل التصوُّرات، في ظل تخاذل واضح للجيش السوداني الذي ترك مواطني الجزيرة يواجهون مصيرهم في مواجهة قوات بربرية متوحشة، تمارس كافة أنواع الانتهاكات من قتل وسلب ونهب واغتصاب وترويع وتهجير قرى ومناطق بأكملها.
ويضيف: “بعد صمود طال أشهر عقب سقوط عاصمة الولاية ود مدني، آثرنا البقاء في مناطقنا جنوب الجزيرة رغم انقطاع الكهرباء لما يقارب الشهرين وانقطاع الأدوية المنقذة للحياة وتعطل المستشفيات والمراكز الصحية، ولكن بعد انقطاع الاتصالات أصبحت الأوضاع كارثية وأصبحنا نعاني من نقص الغذاء وعدم توفر سيولة “كاش” بعد توقف التطبيقات البنكية التي نعتمد عليها في شراء الاحتياجات الأساسية، كما أصبح غالبية المواطنين يعتمدون على تحويلات المغتربين من الخارج، هذا الواقع أجبر مواطني الجزيرة على النزوح إلى المناطق الآمنة والتي تتوفّـر فيها الاتصالات وخدمات الصحة، ويتابع محدثي: (ما أجبرنا على مغادرة مناطقنا مؤخراً الانتهاكات المروعة لمليشيا الدعم السريع بعد وصول إمداد لها من عناصر متوحشة وصلت بغرض السلب والنهب وسرقة حتى قُـوت المواطنين من المنازل، هذا غير سرقة السيارات السمة الملازمة لهذه القوات، ويضيف محمد علي: إن ما أرغمنا على النزوح التهديد باغتصاب النساء واختطاف الأطفال مقابل دفع فدية، للأسف هذا ما يحدث بصورة يومية في مختلف مناطق الجزيرة ولا حياة لمن تنادي والجيش يتفرّج ونسمع منذ أكثر من ثلاثة أشهر أنه حشد آلافاً من قواته لتحرير الجزيرة من قبضة المليشيا، ويعتقد محمد علي أن كل هذا يمثل تخديراً ودعاية إعلامية رخيصة يكذبها الواقع على الأرض، وللأسف المواطن في هذه المناطق فَقدَ الثقة في الجيش تماماً وأصبح يحس بغبن بأنّ الولاية تمّت التضحية بها والانسحاب المخجل منها مقابل سحب المليشيا من الخرطوم، وهذا التصور أصبح قناعات لدى مواطني الجزيرة.
فرقعة إعلامية
ويعتقد عثمان بابكر اسم مستعار لمواطن حالياً يتواجد في إحدى القرى بولاية الجزيرة التي تسيطر عليها مليشيا الدعم السريع بأنّ الإدارة المدنية التي تم إعلانها مؤخراً لا تعدو أن تكون غير عمل إعلامي باهت لتجميل صورة انتهاكات الدعم السريع البشعة والتي تمارس بصورة يومية، كما رأى أن المواطنين في الجزيرة لا يثقون بمليشيا السريع مطلقاً ولديه رأي واضحٌ أن قيادات الدعم فشلت في السيطرة على عناصرها، بل إنّ تلك الانتهاكات تتم بمباركة منها.
مهام السلطة المدنية
في خطوة مفاجئة، أعلنت «مليشيا الدعم السريع» في 25 مارس الماضي، تشكيل إدارة مدنية لولاية الجزيرة في وسط السودان، تتمثل مهامها في استعادة النظام الإداري وحماية المدنيين وتوفير الخدمات الأساسية، مما عزّز مخاوف كثيرين من تقسيم البلاد وتحويلها إلى مناطق نفوذ، يتقاسمها طرفا النزاع؛ الجيش و«مليشيا الدعم السريع»، في سيناريو شبيه ببعض الدول في المنطقة.
وأعلنت «مليشيا الدعم السريع» إنشاء «مجلس التأسيس المدني» الذي يضم 31 عضواً، وأن «المجلس» انتخب صديق أحمد رئيساً للإدارة المدنية بولاية الجزيرة، وذلك وسط حضور كبير لرموز وقيادات أهلية ومنظمات المجتمع المدني في الولاية.
وأقَرّ رئيس الإدارة المدنية التي عيّنتها قوات الدعم السريع في ولاية الجزيرة بتهجير سكان عديد من القرى في الولاية الواقعة وسط السودان.
وقال صديق أحمد في تصريح صحفي، إننا (نقر بصور تهجير القرى، لكن هناك جهات تنفذ الانتهاكات ويطلب بعض السكان من الآخرين مغادرة القرى بالترويج لهجوم قادم من الدعم السريع).
وأشار إلى أنه سجل زيارة لقرى الحلاوين، وجد خلالها السكان في الشوارع بعد نهب أموالهم، موضحاً أنه أخطرهم بأنّ من ينفذ الانتهاكات متفلتون وليس قوات الدعم السريع التي طالبها بحفظ الأمن ونصب ارتكازات في القرى.
هجماتٌ بربرية
ووسع الدعم السريع من نطاق هجماته البرية على قرى ولاية الجزيرة والقرى الواقعة غرب ولاية سنار، حيث وصفتها قوى سياسية بأنها انتهاكات ممنهجة ترقى إلى جرائم حرب.
وتحاول الدعم السريع فرض سيطرتها على ولايتي سنار والنيل الأبيض اللتين تجاوران ولاية الجزيرة، متبعةً نمط ارتكاب انتهاكات بحق السكان لدفعهم لمغادرة منازلهم واحتلالها واتخاذها ثكنات ومنصات عسكرية لتنفيذ هجماتها عبر المدفعية الثقيلة.
وكان الجيش قد سحب قواته من قاعدة ود مدني في 18 حين هاجمتها «مليشيا الدعم السريع» التي أضحت تسيطر على الولاية منذ ذلك التاريخ.
تفاصيل هجوم ود السيد
قامت مليشيا الدعم السريع بالهجوم على قرية ود السيد جنوب غرب الحصاحيصا بقوة قوامها أكثر من 60 موتراً بغرض النهب والسرقة، وقد تمت سرقة كل المحلات التجارية والأموال والمركبات والبضائع وحتى المركز الصحي بأدواته وأدويته، كما قامت أيضاً بسرقة ألواح الطاقة الشمسية من محطة توليد المياه.
وقد أدت هذه الهجمة الغاشمة إلى استشهاد المواطن أبو عبيدة عبد الرحيم محمد (ود الكاس) نسأل الله تعالى له الرحمة والمغفرة وإصابة أربعة مواطنين، كما تم إخلاء أهل القرية بالقوة.
جلد وقهر كبار السن
في قرية الخور بجنوب الجزيرة، أقدمت مليشيا التمرد على جريمة جديدة، حيث أجبرت المواطنين على مغادرة منازلهم في نهار رمضان.. أكثر من 8 آلاف مواطن تم إجبارهم على مغادرة منازلهم، وعصابات التمرد قامت بتدمير عربات المواطنين التي لم يتمكنوا من سحبها.. وقام جنود المليشيا بجلد كبار وصغار السن وفي مظهر استفزازي، قام أوباش التمرد بالتبول أمام تجمعات المواطنين المقهورين والمغلوبين على أمرهم.
وتشير «المنبر 24» أنّ قرية الخور تبعُد حوالي 37 كيلومتراً من حاضرة ولاية الجزيرة على طريق مدني – سنار.
انتهاكاتٌ مُروِّعةٌ
واتهمت لجان المقاومة في مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، مليشيا الدعم السريع بالتورط في انتهاكات متصلة ضد المدنيين في عدد من قرى الولاية.
وقالت في بيان سابقٍ اطلع المنبر 24 عليه، إنّ مليشيا الدعم السريع استغلت انقطاع خدمات الاتصالات، واجتاحت عدداً من القرى، وأوقعت عدداً من القتلى ونهبت السيارات في جميع قرى ومحليات الولاية
ولجأ السكان إلى الأجهزة المتصلة بنظام الإنترنت عبر الأقمار الصناعية Starlink وهي خدمة توفرها إحدى شركات رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك، بعد استمرار قطع الاتصالات.
وحسب المتابعات، خرجت كل المستشفيات بمدينة ود مدني وعدد من مدن الولاية عن الخدمة، عدا الطوارئ والنساء والتوليد التي تعمل بشكل جزئي، وسط انعدام ونُـدرة بعض الأدوية، بعد إغلاق الصيدليات أبوابها خوفاً من عمليات السرقة والنهب.
وأشار عضو لجان الطوارئ بمدينة الحصاحيصا، ذو النون الطريفي في رسالة صوتية إلى أن “معظم الأسواق بولاية الجزيرة أغلقت أبوابها، مما أدى لحالة من النُّدرة وزيادة في أسعار السلع، وأُجبر آلاف السكان إلى النزوح لمدينة المناقل التي يسيطر عليها الجيش”.
وقال الطريفي الذي فرّ ضمن آخرين من الحصاحيصا إلى مدينة المناقل، إنّ “خدمة الكهرباء والمياه عادت إلى بعض المناطق في ولاية الجزيرة بشكل جزئي، بينما انعدمت خدمات الغاز ووسائل المواصلات بشكل كلي، وأصبح السكان يعتمدون على الدواب في التنقل”.
ملاذٌ للهاربين
وتحوّلت مدينة المناقل، التي تقع غرب ولاية الجزيرة إلى ملاذ للهاربين من حجيم الحرب، وذلك لوجود الجيش بها، إذ زادت أهميتها عقب استيلاء قوات الدعم السريع على مدينتي ود مدني والحصاحيصا.
لكن نزوح الآلاف من سكان ولاية الجزيرة إلى المناقل “رفع الضغط على الخدمات بالمدينة، بخاصة في مسألة الصحة والأمن الغذائي”، بحسب الطبيب نادر عمار.
وقال محمد، وهو طبيبٌ ينشط في منظمة طوعية محلية بالمناقل، بعد أن فَقَدَ عمله في ود مدني بسبب الحرب، إنّ “توافد أعداد النازحين إلى مدينة المناقل وضع نظامها الصحي المتهالك أمام تحديات جديدة، إذ ظهرت ندرة في الأدوية والمستلزمات الطبية”.
وأضاف: “الأوضاع في ولاية الجزيرة تمضي نحو سوء بالغ، خاصةً مع توقف التطبيقات المصرفية البنكية التي يعتمد عليها السكان والنازحون في معاملاتهم الشرائية اليومية.
وتمددت قوات الدعم السريع جنوبا حتى تخوم ولاية سنار، لكنها لم تتمكن حتى الآن من دخول “المناقل”، وهي إحدى أهم المدن التجارية والصناعية بولاية الجزيرة.
نهب أصول مشروع الجزيرة
وبعد سيطرة الدعم السريع على الولاية، نهبت مشروع الجزيرة الذي يعتمد عليه السودان في المحاصيل الزراعية، ما جعل جميع السودانيين يواجهون خطر المجاعة التي دقت ناقوسها المنظمات المحلية والدولية، في ظل رفض حكومة الأمر الواقع ببورتسودان إدخال الإغاثة عبر تشاد.
وقال محافظ مشروع الجزيرة عمر مرزوق في تصريحات صحفية، إنّ جميع مدخلات المشروع تمت سرقتها ونهبها بواسطة قوات الدعم السريع بعد دخولها لمقر المشروع بمنطقة بركات جنوب ود مدني.
وأكد تعرُّض نصف مليون فدان مزروعة بالمحاصيل الشتوية للفساد، من بينها 200 ألف فدان مزروعة بالقمح، وذلك بسبب فقدان إدارة المشروع القدرة على إدارة عمليات الري.
وتعتبر ود مدني المركز الرئيسي لعمليات الإغاثة في السودان، وسبق أن حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) من فقدانها القُـدرة على الاستمرار في برنامجها الذي يوفر الرعاية لنحو خمسة ملايين طفل/ة.
تقريرٌ قاتمٌ للصحة العالمية
وكانت منظمة الصحة العالمية هي الأخرى قد حذّرت من أنّ جهود مواجهة تفشي الكوليرا في الجزيرة أصبحت عسيرة بعد دخول الدعم السريع ود مدني.
وبحسب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوغاريك، نزح نحو ستة ملايين شخص داخل السودان منذ اندلاع الحرب، بينهم نحو نصف مليون نزحوا من ولاية الجزيرة بعد دخول الدعم السريع إليها.
واتّهم برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، مليشيا الدعم السريع بنهب الإمدادات الغذائية من مقره في الجزيرة، ما اضطره لتعليق عملياته هناك.
ومنذ منتصف أبريل الماضي 2023م، يخوض الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع حرباً خلّفت أكثر من 13 ألف قتيل ونحو 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقاً للأمم المتحدة.
وفي وقتٍ سابقٍ، أعلنت منظمة الهجرة الدولية أن حوالي 8.1 مليون شخص نزحوا من ديارهم داخلياً وخارجياً منذ اندلاع القتال في السودان منتصف أبريل الماضي.
ارتكاب جرائم حرب
على نحو متصلٍ، اتّهم “تحالف أبناء الجزيرة والمناقل”، مليشيا “الدعم السريع” بارتكاب “جرائم اغتصاب وجرائم ضد الإنسانية بالجزيرة”. ووصف “مرصد الجزيرة الحقوقي” ما تقوم به “مليشيا الدعم السريع” في ولاية الجزيرة بأنه “كارثة حقيقية وعقاب جماعي، وعنف غريب، بقتل الأبرياء وتشريدهم”.
ما زالت قرى ولاية الجزيرة تعيش وضعاً مأسوياً من عنف ورُعب ونهب وتشريد لم تختبره منذ نشأتها قبل 100 عام، قرى صغيرة تتوزّع وسط مشروع الجزيرة الزراعي بسكانها من المزارعين، ما زالت تنتحب في صمت وتعيش أسوأ كوابيسها وسط عتمة انقطاع الاتصالات..!!