الطاهر ساتي يكتب: و ليس بعيداً ..!!

:: حبيبنا الراحل المقيم زكريا حامد، يحكي .. رافقنا يوسف عبد الفتاح إلى منطقة – بالرميلة – غمرها الفيضان، ولم نجد شيئاً من معالم الحي غير بعض الجدران وأشجار النيم..وقف يوسف على شاطئ البحيرة متأملاً سطحها، ثم إلتفت إلينا قائلاً : ( رب ضارة نافعة، هنا نعمل حوض سباحة مفتوح)، ثم سألنا : ( ولا رايكم شنو؟)، ولأن السلطة عهدئذ كانت مطلقة وذات شوكة، آثرنا السلامة و قلنا : (تمام سعادتك، فكرة كويسة)..!!
:: ولاحقاً، تعودنا على تنفيذ المشاريع بالصُدف و الأمزجة الفردية التي من شاكلة ( هنا نعمل حوض)، بدون دراسة وتخطيط، ودون الرجوع إلى الشعب ببرلمان منتخب أو إستفتاء حُر ..نعم، فالكثير من مشاريع ذاك العهد، الاقتصادية منها و السياسية والثقافية، تم تنفيذها بالعنترية التي من شاكلة ( هنا نعمل حوض)، حسب مزاج أحدهم، بعيداً عن المؤسسية و رأي الشعب، ولذلك لم يبق منها غير الذكرى و الأطلال ..!!
:: المشروع الحضاري، صندوق دعم الشريعة، تزكية المجتمع، ترعتي كنانة والرهد، صياغة الإنسان السوداني، مشروع الذكر والذاكرين، أسلمة المجتمع، و.. الكثير من أوهام تلك المرحلة، أخذت حظها من الصخب ثم ذهبت جفاءً كالزبد، لتبقى الحقائق الصادمة، وهي انشطار البلد، انهيار القيم، انتقال الحرب من الجنوب إلى الخرطوم وكل الأقاليم، التناحر القبلي والعرقي، و..كل موبقات الأرض ..!!
:: واليوم، فقدان الأنفس والأموال والثمرات، لم نتعظ بحيث يكون الحكم على الأشياء منهجياً، وصناعة القرار مؤسسياً، و لا بالرهان على الشعب في اصلاح الحاضر وتشكيل المستقبل.. لم نتعظ، فالنهج الردئ المتوارث يتواصل .. (مقترح الرئيس البرهان لتغيير علم السودان، هي بداية حقيقة للعودة إلي سودان الجدود الذي شوهته نخب متلسطة)، مصطفى تمبور، والي ولاية غير موجودة في واقع السودان، ولاية وسط دارفور ..!!
:: فالديار التي أنت واليها، عزيزي تمبور، من مفقودات سودان الجدود، وذلك منذ أن غزتها مليشيا آل دقلو ومرتزقة مشيخة أبوظبي ..هل الأولى – لأهلك، والشعب – إعادة ديارهم المفقودة أم إعادة ما تسمونه بعلم السودان القديم ؟..و بالله عليك، إن لم يكن إلهاءً لعقول الناس عن القضايا الكُبرى، فما جدوى علم السودان – قديماً كان أو جديداً – طالما خاطر الشعب ( مكسور) والبلد ( مبتور) ..؟؟
:: و ليس بعيداً عن سباق الحمير، فيما حملة إبن زايد الإنتقامية تقتل وتنهب بكردفان و دارفور، يقترح الدكتور ناجي مصطفى (تغييراً آخر)، أي ليس علم السودان، بل اسم السودان ذاته، وذلك باسم آخر مشرق يخرجنا من السواد والرماد والظلام الذي نحن فيه، أو كما قال.. وليس هناك من وصف لهذه الأفكار والأقوال غير أنها محن جديدة حلت بالبلد، وكأن محن الحرب لاتكفي شعب الله المنكوب ..!!
:: وما يٌحمد لثيران مستودع خزف ما قبل الثورة، رغم أنهم هرّجوا كثيراً وهرجلوا، لم يقتربوا من الرموز الوطنية.. نعم، طمسوا الكثير من روائع السودان بقبُح التنطع و التطرف، ومع ذلك لم نسمعهم يتحدثون – ولو همساً – عن تغيير علم السودان، اسم السودان، شعار السودان وغيره من رموز البلد التي أمر تغييرها بات يشغل عقول عباقرة المرحلة..ما يتغيّر حالياً ليس علم السودان ولا اسمه، بل جغرافيته، ولكن العباقرة لايشعرون ..!!

موقع المنبر
Logo