
السودان يعاني حالة (تيه).. لا أحد يعلم أين نحن وإلى أين نسير.. أشبه بركاب سفينة في عرض البحر، يبكون كثيرًا ويضحكون قليلًا، ويصفقون ويهتفون كلما أطلّ عليهم “كابتن السفينة”، وهو يلوّح إليهم بيديه ويبتسم في وجوههم..
رئيس مجلس السيادة يتجول في أنحاء البلاد، يظهر في صابرين بأم درمان، وفي اليوم التالي يطلّ في قرية بالجزيرة، واليوم الثالث في الشمالية، ثم نهر النيل وكسلا والقضارف والأبيض.. في الأسواق والمساجد، مع المواطنين وشيوخ الطرق الصوفية، ومع “ستات الشاي” وأصحاب الأعمال البسيطة..
جولات تنتهي كل واحدة منها بتلاوة خبر الزيارة في نشرة تلفزيون السودان، وبعد الخبر والتقاط الصور.. لا شيء..
إلى أين تسير البلاد؟ لا أحد يعرف.. بل ربما لا أحد يهتم.. الغرق في اليوميات والاستغراق في الذات.
لدينا أكثر من عشرة ملايين طالب في مختلف مراحل التعليم، ترتبط حياتهم بتقويم دراسي محسوب بأعمارهم.. من كانوا في سن بداية المدرسة عند اندلاع الحرب بلغوا الآن 11 سنة وهم أميون، لا يفكّون الخط ولا يحفظون سورة الصمد..
ومن كانوا في المرحلة الثانوية اقترب عمرهم من ميقات تخرجهم من الجامعة واتجاههم لسوق العمل، لكنهم لا يزالون متخلفين عن أعمارهم، وقد يفقدون القدرة على المواصلة حتى لو توقفت الحرب.
فتيات بلغن سن الزواج، وقطار العمر يجري بسرعة، ولا يعلمن متى يحق لهن أن يحلمن مجرد حلم بالبيت السعيد.
حاضر الحرب مصيبة، لكن أكبر منها مصيبة مستقبل مؤجّل (إلى حين إشعار آخر)..
السودان يعيش مرحلة تيه خطيرة..


