
:: قصة قصيرة.. اليوم يتم وضع حجر أساس أطول جسر بالبلد.. و قد تمّ حشد الجماهير وذبح الذبائح.. و لكن قبل بداية الحفل، أفادهم حكيم القرية بأن المكان المُستهدف بالجسر ليس به نهر يستدعي بناء جسر، فاعتقلوه، ثم أدانوه بإعاقة النظام عن أداء واجبه، ثم أعدموه.. فالمرحوم لم يكن يعلم أن نهج النظام يبني الجسور أولاً، ثم يبحث عن الأنهار لاحقاً..!!
:: وعندما يتكلم وزير الثروة الحيوانية، أحمد التجاني المنصوري، عن إقامة مدينة للإنتاج الحيواني بنهر النيل، نُفكّر في تنبيهه بعدم وجود ثروة حيوانية بنهر النيل، والأفضل أن تكون المدينة بكردفان و دارفور، أوبالبطانة والدمازين، هكذا نرغب في التنبيه ..ولكن نخاف من مصير ذاك الحكيم، وربما نهج المنصوري يبني المدينة أولاً ثم يبحث عن المواشي لاحقاً..!!
:: و..(فجأة)، من نهر النيل، نقل الوزير المنصوري مدينته إلى كل ولايات السودان، بحيث كشف عما أسماها بخطة لإنشاء مدينة متكاملة للإنتاج الحيواني بكل ولايات السودان.. وهذا يعني أن الشمالية أيضاً موعودة بمدينة المنصوري للإنتاج الحيواني، كذلك كسلا و النيل الأبيض وغيرها من الولايات المستهلكة، وليست المنتجة فقط..!!
:: ثم بالأمس، دون ذكر المكان، كشف المنصوري عن خطة لقيام مدينة الإنتاج الحيواني على المدى القصير (2026)، ثم المدى البعيد ( 2028)، لزيادة صادر المنتجات الحيوانية، موضحاً أن مشاريع المدينة تشمل ( 37 ) مشروعاً، بهدف الوصول إلى الاكتفاء الذاتي و التصدير و المنافسة على المستوى الإقليمي والدولي ..!!
:: وعليه، فالشرود الذهني يعني الإنفصال عن الواقع، وهذا يعني (السرحان)، ويصف أهلنا شارد الذهن ب ( سارح بي غنم إبليس)، وهذا حال شعبنا منذ إندلاع الحرب، خاصة الذين كانوا نياماً وأيقظهم دويُّ راجمات اليوم الأول.. فالفرد منا يخرج من منزله لشراء كيس رغيف ويعود حاملاً كيس فحم، ويخرج قاصداً صيدلية ثم يتفاجأ بنفسه في سوبرماركت، و السبب (غنم إبليس)..!!
:: و المنصوري لم يكن من الشاهدين لصدمة الحرب لنصف حال تصريحاته ب (سارح بغنم إبليس)، ولكن يبدو أن الرجل عاشر قوماً مصدوماً بالحرب في بورتسودان أربعين يوماً، ثم صار مثلهم شارد الذهن ومنفصلاً عن الواقع، لحد الحديث عن مٌدن الإنتاج تحت أزيز الرصاص و دوي المسيّرات ..!!
:: فالخطة لا تُولد بالصدفة أمام عدسات الإعلام، بل هي ثمرة ورش ودراسات وجولات ميدانية وإحصائيات وغيرها، وهذا ما لم يحدث..وليس منطقياً أن يهبط الرجل مطار بورتسودان بعد نصف قرن من الغياب، ثم يقول للناس (أنا عندي خُطة)، هذا قبل أن يعرف اسم وكيل وزارته، ناهيك عن معرفته لطبيعة وتفاصيل قطاع الثروة الحيوانية بالبلد ..!!
:: وكما تعلم، من الأبجديات أن خُطة الإنتاج والتطويرتُبنى على إحصائيات، فكم حجم الثروة الحيوانية في بلادنا، بحيث تبني عليه خطتك؟، و كم منها خارج دائرة الإنتاج والتطوير بدارفور وكردفان؟.. أنت لاتعلم، ولاغيرك، فالحرب لم تتوقف لنعرف التعداد السكاني ( الفضل)، ناهيك عن الإحصاء الحيواني، ولذلك يجب التوقف عن السرحان ..!!
:: وما لم يكن المقصود بمدينة الإنتاج (زريبة ضأن وسلخانة)، فلاتُوجد بنية تحتية يُقام عليها مجمع إنتاج، ناهيك عن مدينة (بي حالها)..فالمشاريع الكبرى بمدن الإنتاج بحاجة إلى محطات وشبكات كهرباء وطرق وصرف صحي، وكل هذا عدم..ثم مدن الإنتاج بحاجة لشركات كبيرة، وهذه لن تُغامر بأموالها حالياً، علماً بأن المدى الزمني للخطة – 2026 و 2028 – مجرد أسابيع ..!!
:: لست مٌحبطاً أو كارها الخير لبلادي وشعبها سيدي الوزير، ولكني واقعي للغاية، و غير حالم، ولا شارد ذهن ولا مُخادع ..فالمرحلة التي عليها بلادنا وظروف شعبنا، بحاجة إلى (برامج إسعافية)، أي حلول سريعة للمشكلات والأزمات، كضبط وتسهيل الصادر، وحماية القطيع من الأمراض ( مثلاً)..!!
:: وإن كانت الذرة الشامية قد تنقذ جائعاً، فمن الغباء زراعة القمح أوشتول البلح لإنقاذ الجائع، لأن الفترة ما بين النمو و الحصاد هي معيار النجاح – أو الفشل – في إنقاذ الجائع من الموت، وليس هناك أي معيار آخر.. مطلوب برامج إسعافية لحين السلام، ثم بعد ذلك خطط للمدى البعيد و .. ( سوقنا بالخلاء) ..!!


