خاص: المنبر 24
يحتفل السودانيون الأربعاء بعيد الفطر المبارك في ظروف مختلفة، حيث تشهد البلاد نزاعات وحروباً، أذهبت كثيراً من بهجة العيد،
ويتصدر الصراع المسلح الدائر فيها منذ 15 أبريل 2023م اهتمامات الناس، الذين يختلف واقعهم من منطقة إلى أخرى، ميدانياً واقتصادياً، وإن كانت السمة الغالبة على السودانيين هي البؤس والمعاناة في مناطق النزوح واللجوء. ولم تمنع الحرب الطاحنة بعض السودانيين من التشبث ببارقة أمل تمنحهم فرصة للفرح والاحتفال.
وتعوّد السودانيون قبل عيد الفطر سنوياً اصطحاب أطفالهم لشراء الملابس الجديدة، وتبدأ الأسر في الاستعداد للاحتفال بتجهيز المنازل بمشروبات وستائر وحتى طلاء جديد. بينما يحرص النسوة على إعداد أجمل وأفخر المخبوزات لتقديمها للزوار في هذا اليوم المشهود، يوم غير عادي، مختلف عن كل دول العالم من حيث العادات والثقافات.
يؤدون صلاة العيد في الساحات، ثم تبدأ الزيارات واللقاءات العائلية، حيث يجتمع الأطفال ويستمتعون في الحدائق والمتنزهات العامة بملابسهم الجديدة.لكن هذه الأجواء تلاشت في ظل قتال متواصل بدأ منتصف أبريل الماضي، حيث يقضي الآن السودانيون ليالي العيد وسط القصف وزخّات الرصاص.
ذكرياتٌ وآمالٌ
وتقول الشابة براءة سر الختم، إن العيد هو مناسبة للفرح والتجمع العائلي، لكن الحروب هنا في السودان تفرض واقعاً مختلفاً، حيث يجد الكثيرون أنفسهم بعيدين عن أحبائهم. في هذه الأوقات الصعبة، يصبح العيد فرحة غير مكتملة.
وتضيف براءة «تتجدد الذكريات مع كل هلال يرتسم في السماء، ذكريات الأعياد التي كانت تجمعنا حول مائدة واحدة، نتشارك الضحكات والقصص. اليوم، تلك المائدة أصبحت فارغة، والضحكات تحولت إلى صدى في الأرجاء، والقصص أصبحت حكايات نرويها لأطفالنا عن أعياد كانت أجمل».
وتقول أيضاً محدثتي في العيد، نتذكر أولئك الذين فرّقت بيننا الحرب، نتذكرهم بكل حب وشوق. ندعو الله أن يحفظهم ويعيدهم إلينا سالمين. ندعو للسلام الذي يمكن أن يجمع شملنا مرة أخرى.
ولكن مع ذلك، ترى براءة أنه لا يزال العيد يحمل في طياته الأمل، أمل في أن الغد سيكون أفضل، وأن الحرب ستنتهي حتماً، وأن العيد القادم سيجمعنا معاً مرة أخرى. حتى ذلك الحين، نحتفظ بالعيد في قلوبنا، نحتفل به بطريقتنا الخاصة، متمسكين بالأمل والدعاء.
وتأمل أن يجلب العيد السلام والسعادة للجميع، وأن تنتهي الحرب، ويرجع السودان آمناً مستقراً.
قِصة نازح
أما عبد الرحيم الطيب فيروى للمنبر 24، حجم المأساة بسبب الحرب الطاحنة بين الجيش السوداني ومليشيا بين الدعم السريع، ويقول: «نزحنا من منطقتنا النوبة شمال الجزيرة الى كسلا شرق السودان».
ويأتي العيد هذا العام ونحن بعيدين عن أهلنا، شعور رهيب عبارة عن غربة قاسية اسماً ومسمى، إحساس مؤلم وقاس بالنسبة لي هذا أول عيد بعيد عن قريتنا وأهلنا وأحبائنا ، ولكن هي الأقدار تأتي بما لا تشتهي الأنفس،
ويتذكر عبد الرحيم أعياداً ماضية، حيث كنا في قريتنا الجميلة بعد صلاة العيد نزور الأهل ونتصافي عقب صلاة العيد
ويتابع: «هنالك في الجزيرة فرحة حقيقية، ولكن نحن في بلاد النزوح بعيدين عن أهلنا إحساس الغربة، والحزن حزنان، حزن هذه الحرب الدائرة وحزن بُعدنا عن الديار يبقى كامناً في القلب».
لاجئة في تشاد
فاطمة أبوبكر 45 عاماً التي هجّرت من غربي دارفور قسراً على يد مليشيا الدعم السريع التي ارتكبت أفظع الجرائم في مواجهة إثنية المساليت ولجأت إلى معسكر في الجارة دولة تشاد ضمن حرب وصفتها تقاير أممية كجرئم حرب، تقول فاطمة لـ(المنبر 24): حالياً أقطن في خيمة بالية مع ابنتي ذات الـ(17) ربيعاً، قُتل زوجي وابني محمد 25 عاماً على يد المليشيات العربية، في إشارة للجنجويد ومليشيات الدعم السريع. وبكت والحسرة لا تزال تلازمها، لأنّ العيد صار عندها بطعم الدم.
وتعيد فاطمة زكريات مضت قبل الحرب لأجواء العيد وهي بين أهلها وأسرتها وزيارة الجيران والمعارف في حي الشاطئ بمدينة الجنينة، وتبادل التهاني، لكن فاطمة رغم تلك الفجيعة القاسية تأمل في انجلاء الحرب وعودة الأوضاع لسابقها من أمن وسلام.
إحساسٌ بالغربة
يعيش عثمان في مدينة أسوان جنوبي مصر، بعدما فر من حجيم الحرب مع أسرته المكونة من زوجته وأربعة أبناء، بعد اندلاع القتال في بلاده.
وتابع: “الكلام لا يعبر عن مزيج المشاعر بداخلنا، ففي السودان كنا نجهز للعيد بشراء الملابس للأطفال وتهيئة المنزل بأجمل الأناتيك” العيد في السودان مختلف بمعنى الكلمة ولكن هي الأقدار التي دفعتنا إلى اللجوء في دولة جارة، وتمنى أن يأتي عيد الأضحية وهو بين أسرته في حي بري العريق بالخرطوم.
ويقول إن هناك شعوراً بأنهم “في بلد غريب ولم ننس بلدنا وشكل العيد فيه وكيف كنا نقضيه. هنا البلد مختلفٌ والأوضاع مختلفة في ظل مشاعر فراق الأصدقاء والأصحاب والأهل، فنحن في واقع جديد ولم نغادر إليه طواعيةً، بل فُرض علينا الرحيل”.
وفي حي الصحافة جنوبي الخرطوم رصد (المنبر 24) سيدة في ستينيات العمر وهي تقف في صف المياه في ظل الشبكة المقطوعة منذ أبريل من العام الماضي وتقول بصوت خافت ممزوح بالألم : (حتى المياه من الربار بها صفوف وضع صعب للغاية لا كهرباء ولا مياه ولا اتصالات، وتحاول السيدة ةمن خلال مقطع الفيديو، بث رسالة لأطراف الصراع لوقف الحرب ).
لاجيء في جنوب السودان
ويقول مٌحمد دفع الله تيراب أحد سكان مدينة بحري لـ(المنبر 24) بعد اللجوء إلى جنوب السودان، إن اصعب احساس خلال العيد هو البعد عن الأهل والبعد عن كل الظروف المحيطة بهم، وزاد : ( العيد يراودني شعور عدم الفرحة لأنني اتذكر باني بعيد من الأهل والأشخاص الذين كنت أتشارك معهم فرحتي وافتقد التبريكات والتهاني من الأقربين، وإحساس البعد للاسف يقتل كل شيء جميل وتصبح الاحاسيس الجميلة بلا طعم، والآن شعور الفقد والبعد مؤلم جدا لكن لا شيء لدينا سوى الحمدلله).
ويضيف تيراب : «الأهم الآن الأهل يكونوا بخير وأتمناهم بخير دوماً وبصحة وعافية تامة، وطالما أنهم “بخير وعافيةهي في حد ذاتها عيد وفرحة وسٌرور بالنسبة لي، وأتمنى وادعو الله عز وجل أن يصلح حال العباد والبلاد».
إقبالٌ على اقتناء الملابس
ورغم ظروف الحرب التي تقترب من إكمال عامها الأول في السودان، لم يتخل السودانيون عن الاستعداد لعيد الفطر باقتناء ثوب جديد (جلابية) يختارون قماشه بعناية ويذهبون إلى ترزية حياكة الملابس لصناعته كما هي عادتهم في كل عام.
لكن هذا الإقبال ليس كسابقه قبل اندلاع الحرب التي فاقمت من الوضع الاقتصادي الذي يعاني في ظله معظم السودانيين.
وفي أحد مشاغل الملابس، يقول المواطن معاوية عمر الذي ذهب لاقتناء جلابية جديدة “الناس تشكو ظروفها بسبب الحرب وضغوط المعيشة وقلة الدخل، البعض أحوالهم تدهورت للغاية، وإن شاء الله ربنا يصلح الحال”.
أما تاجر الأقمشة أبوهريرة عباس فقال “بالرغم من الظروف الحاصلة في البلد من الحروب والمشاكل الموجودة، الناس مقبلة على شراء الملابس والزي السوداني الثابت، والأسعار طبعا متفاوتة”.
إلى ذلك، قال حائك الملابس إسماعيل محمود “الطلب ليس بالحجم المعتاد، لكن الحمد لله الناس أقبلت بشكل كبير ولم نتوقّع أن يكون بهذا العدد، رغم الحرب الناس يقبلون على الجلابية ولم يتخلوا عنها أو يتوقفوا عن شرائها”.
وذكر بيان لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية “أوتشا”، أن الحرب الدائرة في السودان أسفرت عن مقتل 13 ألفاً و100 شخص، وجرح 26 ألفاَ و51 آخرين في جميع أنحاء البلاد.
عيد حزين حل على كثير من السودانيين، غلّفه ثوب حداد قاتم، وبدلاً من تلقي باقات التهاني بحلول عيد الفطر لا زال الجميع يشكو من ويلات الحرب القاسية . غاب الفرح وبدت ملامح الأسى على الوجوه.