ترجمة – المنبر 24
كشف السفير الروسي لدى السودان، أندريه تشيرنوفول، أن الصراع المطول في السودان يرجع لعدة عوامل، وأن أول قنبلة موقوتة في أساس الدولة السودانية، زرعها الغربيون مع مشروعهم للتحول الديمقراطي في عام 2019 بعد تفكيك نظام عمر البشير.
وفي حوار مع وكالة “تاس” الروسية يوم الجمعة الماضي ونشرته أمس الاثنين، قال: “إن المحاولات المهووسة لتكييف السودان مع المعايير النيو ليبرالية الغريبة جداً عن سكان البلاد أدت بطبيعة الحال إلى أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة”.
وأضاف: “في المرحلة الأخيرة، صب الرئيس السابق لبعثة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان، فولكر بيرتس، الزيت على النار، بصفته أحد الموقعين على الاتفاق الإطاري السياسي المثير للجدل وغير الشامل الذي تم التوصل إليه في 5 ديسمبر 2022. لقد كان يعني ضمناً نقل السلطة إلى جهة غير منتخبة مدعومة من الغرب”.
ولفت تشيرنوفول إلى أنه “لم يقتصر الأمر على أن هذه الوثيقة لم تولي اهتماماً كافياً للقضايا الأكثر حساسية للتسوية السودانية الداخلية، بما في ذلك إصلاح قوات الأمن، بل تم المضي قدماً في تنفيذها أيضاً في أقصر وقت ممكن، من دون النظر إلى المشاكل الرئيسية التي ظلت دون حل”.
وتابع: “كان حجر العثرة الرئيسي هو نقطة دمج قوات الدعم السريع داخل الجيش، وهو ما أصرت عليه قيادة البلاد. ومع ذلك، كان هذا غير مقبول بالنسبة للغربيين، حيث تم تكليف هذا الهيكل بدور غطاء السلطة لـ”الديمقراطيين” المحليين الذين لم يكن لديهم قواعد اجتماعية واسعة”.
وأردف: “عندما رفض الجيش أن يحذو حذو الغربيين، أُعطي الضوء الأخضر للإطاحة بالجنرالات العنيدين في الجيش على يد قوات الدعم السريع. لكن الرهان على الحرب الخاطفة فشل”.
كذلك، أكد السفير الروسي أنه “وعلى خلفية الجرائم الجماعية ضد المدنيين، دعم المجتمع السوداني دون قيد أو شرط الجيش، الذي احتشدت حوله كل القوى الوطنية، بما في ذلك متمردي دارفور السابقين”.وكشف أن “قوات الرد السريع مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمرتزقة الأجانب والهجرة السياسية من بين الديمقراطيين المحليين ورعاتهم الخارجيين. ومن المهم، وفقاً لبعض البيانات، أن ثلاثة أرباع المتمردين اليوم هم من المسلحين من البلدان الأفريقية.
وبالنسبة لمبادرات الوساطة الدولية، أكد تشيرنوفول دعم روسيا لجميع المبادرات الرامية إلى “إنهاء سلمي مبكر للصراع لمصلحة الشعب السوداني، ونحن على استعداد لمساعدتها”.
وقال: “وبحسب الرأي العام لأغلبية المراقبين السياسيين، فإن من المتوقع العودة إلى منبر جدة، حيث سبق أن تم التوصل إلى اتفاقات عملية بشأن إنهاء المرحلة العسكرية من الصراع وضمان وصول المساعدات الإنسانية. ولسوء الحظ، فإن تنفيذها محدود بسبب عدم وجود آليات واضحة مناسبة”.
كما شدّد تشيرنوفول على أن “روسيا لا تفرض أبداً وصفاتها لحل المشاكل الداخلية على أي أحد. وفي هذه الحالة، موقفنا ليس منفصلاً على الإطلاق. إننا ننطلق من أولوية مصلحة الشعب السوداني الصديق”، مؤكداً أن “التسوية السياسية للأزمة أمر يخص السودانيين أنفسهم. ومن جانبنا، نحن منفتحون على أي مساعدة في إيجاد حلول مقبولة”.
وأوضح أن روسيا “على اتصال وثيق مع الجهات الرسمية، بما في ذلك رئيس المجلس السيادة عبد الفتاح البرهان”، مشيراً إلى أهمية أن “رئيس مجلس السيادة في السودان هو الذي يمثل البلاد رسمياً في الساحة الدولية. أما محمد حمدان دقلو فلم ترد منه أي طلبات لنا من أجل المساعدة، رغم أنه خارج السودان يتواصل بشكل نشط مع الغربيين والأفارقة”.
وتعليقاً على ما نشر في الإعلام الغربي بشأن إرسال السودان أسلحة لأوكرانيا سراً، نفى تشيرنوفول الأمر، وأكد أن “هذه القصة مبتذلة جداً، صُنعت بأسلوب صحافة التابلويد، ويتم تضخيمها بانتظام في وسائل الإعلام الغربية من أجل إفساد تطور العلاقات بين روسيا والسودان. أستطيع أن أؤكد لكم أن هذه القضية ليست على جدول أعمالنا الثنائي.
وبشأن تصريحات وزير الخارجية السوداني السابقة حول “اتفاقيات بناء القاعدة البحرية ومركز المواد واللوجستيات الروسية” قال تشيرنوفول: “هناك اتفاقية مشتركة موقعة عام 2020 بشأن إنشاء قاعدة ومركز دعم لوجستي للبحرية الروسية في بورتسودان (…) تم التأكيد علناً على الموقف المبدئي للمضي قدماً في هذا الاتجاه عدة مرات، بما في ذلك من قبل القيادة العسكرية السودانية”.
وأضاف، رداً على الكلام المتعلق ببناء قاعدة بحرية إيرانية في السودان: “هذه مسألة تتعلق بالعلاقات الثنائية السودانية الإيرانية. ولا نستبعد أن تكون الإثارة المصطنعة حول هذا الموضوع، والتي يغذيها الغربيون أنفسهم، تهدف إلى عرقلة عملية التطبيع بين إيران ودول الجزيرة العربية”.
كذلك، لفت تشيرنوفول إلى أنه “من السابق لأوانه الحديث عن إعادة السفارة إلى الخرطوم”، وأكد أنه “أُجبر معظم المواطنين الروس على مغادرة البلاد، بسبب الحرب”، ومشدّداً على أنه “حالياً لا يوجد أكثر من 100-150 مواطناً، بما في ذلك موظفو السفارة”.
وحول الوضع الإنساني في السودان، أكد تشيرنوفول أنه “لا يزال الوضع الإنساني صعباً للغاية، خاصة في دارفور وفي ولاية الجزيرة. هناك أكثر من 7 ملايين نازح داخليا في البلاد، وحوالي 2 مليون آخرين أصبحوا لاجئين”.
وختم بالقول: “قصص الرعب التي تروج لها المنظمات غير الحكومية الموالية للغرب حول المجاعة الشاملة الوشيكة لا تتوافق مع الواقع. والحقيقة البسيطة هي أن السودان يواصل تصدير الحبوب والماشية، والأسواق المحلية جيدة جداً، توفر شراء الضروريات الأساسية. وبطبيعة الحال، هناك مشاكل تتعلق بالتضخم وإيصال المواد الغذائية إلى مناطق الحرب. هذه هي القضايا التي تعالجها الوكالات الإنسانية السودانية والأمم المتحدة معاً”.