القاهرة : محمد آدم بركة – وثيقة سياسية لقوى ميثاق السودان، وقع عليها نحو 50 كيانًا، ضمن أحزاب وكتل سياسية، وحركة كفاح مسلح، ومنظمات مجتمع مدني، وشخصيات مستقلة، مؤخرًا بالعاصمة المصرية القاهرة، في الثامن من مايو الجاري، قدمت “رؤية القوى السياسية والمدنية لإدارة الفترة الانتقالية”.
حملت الوثيقة محاورًا وأهدافًا ذهبت حول كيفية وقف الحرب، وتمسكت القوى الموقعة بوحدة السودان وشرعية القوات المسلحة والاعتراف بالتعدد الاثني والديني في البلاد – ضمن المبادئ العامة – وأجمعت على أن الانتخابات هي طريق الحكم الأوحد للشعب السوداني وإنجاز ملف السلام واعتماد اقتصاد يقود إلى التنمية.
ومنذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023م تسعى القوى السياسية في السودان بأطيافها المختلفة للتوصل لحل الأزمة السودانية الماثلة، وانخرطت الأحزاب والكيانات السياسية والمجتمعية في حراك ونشاط لم يخلوا من النقد والاتهامات من قبل أطياف المجتمع.
مؤتمر دستوري
تهدف وثيقة الميثاق إلى تسوية الأزمة السياسية وإنهاء الحرب لإرساء دعائم السلام الشامل والمستدام، وإعادة بناء وإصلاح أجهزة الدولة واستقلاليتها وعدالة توزيع الفرص فيها، وترتكز الوثيقة على: التوافق الوطني بحده الأدنى، والحوار السوداني السوداني دون اقصاء وفق توافق حول المصالحة الوطنية دون خارجية، على أن تكون الفترة الانتقالية تأسيسية لمخاطبة جذور الأزمة السياسية عبر المؤتمر الدستوري لحسم قضايا نظام الحكم وشكله وصولا لدستور دائم للبلاد باستفتاء شعبي.
وكان وفدي التفاوض “الجيش السوداني والدعم السريع” في منبر جدة قد توصلا لاتفاق تم التوقيع عليه في 11 مايو 2023م يقتضي بخروج الدعم السريع من منازل المواطنين والمستشفيات والأعيان المدنية، ولا تزال بيوت المدنيين والمرافق والأعيان المدنية محتلة من قبل من قوات الدعم السريع والمليشيا التابعة لها في أغلب مدن المشتعلة.
على خطى تقدم
انتقادات واتهامات طالت “ميثاق القاهرة” من قوى مناهضة له وشخصيات موالية لتنسيقية القوى المدنية والديمقراطية (تقدم)، حيث يرى البعض أنه إعادة تدوير لمنظومة موالية لنظام البشير، والبعض الآخر يرى أن توجه داعم للحرب واستمرار حكم “العسكر” وشرعنه انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر وفق حاضنة سياسية أسمته تصحيح المسار وقتها.
في مقال لوزير الثقافة والإعلام بحكومة الفترة الانتقالية السابقة الأستاذ فيصل محمد صالح يرى في تحليله أن ميثاق القاهرة يمضي على خطى تقدم، واصفًا له بـ”التحالف الجديد – القديم على خطى تقدم” مشيرًا إلى انقلاب التحالف على الادعاءات السابقة التي واجه بها تحركات القوى المدنية المعارضة للحرب واعتراف “الميثاق” عمليًا باستحالة عقد المؤتمر داخل السودان، مما يسقط ما وصفه بـ “ادعاء الحل من الداخل”.
نقاط متشابهة
يقول فيصل “على المستوى الموضوعي، حملت الوثيقة كثيراً من النقاط المتشابهة والمتفقة مع طرح القوى المدنية بشكل عام، والمطالب التي ظلت تتكرر منذ انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وما سبقه؛ فمع أن التحالف ضم حركات مسلحة أعلنت انحيازها للجيش وانضمامها له، وتشاركه الدعاية المضادة لدعوات وقف الحرب، ووصفها بالانحياز لـ«الدعم السريع»، إلا أنها في النهاية تبنَّت نفس الرؤية.
ويمضي صالح في مقاله داعيًا ” نحن الآن ندعو القوى التي تتقاتل في الميدان، ويذبح بعضها بعضاً بكل وحشية، أن تقدم المصلحة الوطنية على كل شهوة انتقام أو تشفّ، وتجلس للتحاور وتوقف هذه الحرب اللعينة، وبالتالي فإن الدعوة للحوار وتجاوز مرارات ومواقف الماضي بين القوى السياسية تصبح واجباً أعلى وأكثر أهمية والحاحاً” وفق مقال الذي نشر على صحيفة الشرق الأوسط وتناقلته الوسائط.
نظام فيدرالي
تناول المحور السياسي لوثيقة القوى الوطنية بنود وقضايا شملت: نظام الحكم خلال الفترة الانتقالية بنظام حكم فيدرالي ومستويات حكم (اتحادي، ولائي، محلي)، على أن تكون مهام الفترة الانتقالية التي حملت (18) فقرة أبرزها: إعادة ما دمرته الحرب، معالجة الأزمة الاقتصادية وفق سياسات مرنة وسليمة، معالجة أوضاع المتضررين، تنفيذ اتفاق سلام جوبا، استكمال الترتيبات الأمنية والاتفاقيات الأخرى، ومعالجة قضية شرق السودان وتعزيز فرص السلم الاجتماعي في دارفور والمناطق المتأثرة بالحرب.
أجهزة الحكم
وتضمنت الوثيقة أجهزة الحكم الانتقالي على مستوياته الثلاثة وفق ما حملته الوثيقة الدستورية وحكومة الفترة الانتقالية بأن يكون المستوى الاتحادي (مجلس سيادة يمثل رمزية الدولة، مجلس وزراء يمثل الجهاز التنفيذي الاتحادي، المجلس التشريعي، السلطة القضائية، المحكمة الدستورية، النيابة العامة) يندرج تحته حكمًا اقليميًا ذاتيا يحمل الجهاز التنفيذي للحاكم وعدد من الوزراء والمفوضيات يحددها القانون.
وعلى المستوى الولائي يتكون الجهاز التنفيذي من الوالي ويضم المدراء العامين للوزرات الولائية، أما على صعيد مستوى الحكم المحلي اعتبرته الوثيقة من أهم المستويات وتركت هيكلته وسلطاته للقانون، واستندت الوثيقة في تكوين المجلس على ما نصته عليه الوثيقة الدستورية بأن يضم مجلس السيادة في تشكيله من أعضاء عسكريين ومدنيين، وحكومة وحدة وطنية دون محصصات حزبية بل تأتي بكفاءات سياسية ذات خبرة، مع مراعاة التمثيل الجغرافي.
رئيس الوزراء
أشارت الوثيقة إلى مجلس حكماء من احدى عشرة شخصية قومية مشهود لهم بالنزاهة والخبرة والكفاءة لاختيار قائمة من ثلاثة شخصيات من ضمن ترشيحات مؤتمر الحوار السوداني لرئاسة الوزراء، وتقدم لجنة الحكماء الأسماء لمجلس السيادة لاختيار رئيس الوزراء، وأمد فترة انتقالية يحددها المؤتمر أوان انعقاده، هذا وتضمنت الوثيقة في بنودها وفقراتها (العدالة الانتقالية ومعالجة آثار الحرب، والإصلاح القانوني، والسياسة الخارجية، والاقتصاد، والتعليم، والإعلام، حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، الشباب والسلام والوحدة).
أجهزة نظامية
في جانب الأجهزة النظامية اعتمدت الوثيقة (القوات المسلحة والشرطة وجهاز المخابرات العامة) كأجهزة نظامية رسمية لا غيرها في سبيل استئصال المليشيات، ومنحت القوات المسلحة السودانية قوميتها ومهنتيها والاعتراف بها بعيدًا عن التحزب، وأن تكون على مسافة واحدة كافة القوى السياسية والمجتمعية مع تولي مسؤولية حماية سيادة البلاد واستقلاليتها، ومنح الشرطة مهامها في تنفيذ القانون وحفظ النظام، وحصر مهام جهاز المخابرات في جمع المعلومات وتحليلها ورفعها للجهات المختصة وما يحدده القانون لها من مهام.
ومن البنود المهمة التي حملتها الوثيقة ويتوقع خبراء سياسيين وعسكريين أن تكون محل خلاف وهي “أيلولة شركات الجيش إلى المالية عدا الصناعات الدفاعية”، ويرى البعض الآخر أن شركات الجيش جلها داخل منظومة الصناعات الدفاعية – ما اعتبر البعض تحايل – كما حملت الوثيقة بند “أيلولة شركات وأموال قوات الدعم السريع للمالية” كأحد البنود المهمة في هذا الجانب.