تقرير – خاص المنبر 24
الوضع بإقليم دارفور في غاية الخطورة .. المأساة تعٌود من جديد في ظل انتهاكات وفظائع جديدة ترتكبها مليشيا الدعم السريع وصفتها تقارير دولية أنها ترتقي للإبادة الجماعية وفقاً لما حدث لإثنية المساليت ذات الأصول الأفريقية والتي تعرضت العام الماضي لجرائم بشعة خلال هجوم مليشيا آل دقلو والجماعات الوافدة المتحالفة معها على غرب دارفور.
الصورة هنا أصبحت مسألة بقاء أو فناء ،مدينة الفاشر إلى جانب كونها عاصمة شمال دارفور، تعد الفاشر مركز إقليم دارفور المكون من خمس ولايات، وهي الوحيدة في المنطقة غير خاضعة لسيطرة الدعم السريع، التي حشدت منذ أشهر، آلاف المقاتلين من أجل إسقاطها.
ومنذ العاشر من مايو الماضي، بدأت في العاصمة التاريخية لإقليم دارفور مواجهات دامية بين الجيش وحلفائه من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام مليشيا قوات الدعم السريع، مما تسبب في قتل وجرح أعداد كبيرة من المدنيين ودمار هائل طال البنى التحتية.
وضع مخيف
ويقول المدير القطري للجنة الإغاثة الأفريقية سيف الدين دهب يس لـ(المنبر 24)، إن وضع العاملين والمواطنين في ولايات دارفور في غاية الخطوزة، ويضيف: وفق مؤشرات لدينا تقترب دارفور من شبح المجاعة.
وتناول المخاطر التي يتعرض لها العاملون في الحقل الإنساني، بجانب اقتراب نفاد المخزون الغذائي بسبب تفاقم الأوضاع الأمنية في المناطق الساخنة.
وتناول دهب معاناة المواطنين وظهور آلاف حالات سوء التغذية بسبب الجوع لدى الأطفال في معسكرات النزوح،.
ويضيف (الصراع الدائر الآن سيتسبب في دمار جيل كامل، وسيدفع السودانيون الثمن على مدار نحو 30 عاماً والخراب طال كل شيء والبنية التحتية للبلاد حُرقت ودُمِّرت تماماً).
ويعتقد دهب أن حل المشكلة ليس بتوفير الغوث لوحده أو قوافل المساعدات، إنما بتحقيق السلام بين الجيش السوداني والدعم السريع في أسرع وقت ممكن، لأن الوقت ينفذ وفاتورة الحرب باهظة جداً.
موجة نزوح
وحسب إفادات مصدر عامل بوكالة أممية، تواصلت في الفاشر، خلال الأيام الماضية عمليات فرار آلاف المواطنين من المدينة، بعد اشتداد المعارك بين الجيش وحلفائه من الحركات المسلحة ضد مليشيا الدعم السريع.
وأضاف ذات المصدر بأن عدداً قليلاً من العاملين في المنظمات التطوعية أيضاً غادر الفاشر في ظل الوضع المُعقّد بالمدينة.
هنا المشهد في غاية الصعوبة، يخاطر العاملون الإنسانيون بحياتهم في سبيل إنقاذ الأرواح وحمايتها وتوفير المستلزمات الأساسية للحياة، فهم يقفون جنباً إلى جنب مع أبناء المجتمعات التي يخدمونها ويجلبون لهم الأمل.
أرقامٌ كبيرة
لكن عمال الإغاثة يدفعون ثمناً باهظاً في سبيل القيام بهذا الواجب النبيل. فمنذ بداية حرب 15 أبريل لقي ما لا يقل عن 30 منهم مصرعهم بحسب مصدر عامل بوكالة أممية فضّل حجب اسمه لدواعِ أمنية.
العام الماضي المجلس النرويجي للاجئين – المنظمة الشريكة للأمم المتحدة – فقد اثنين من العاملين السودانيين التابعين له في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور.
السيدة ماتيلد فو، مديرة المناصرة في المجلس النرويجي للاجئين تُسلِّط الضوء على الأوضاع الصعبة التي يمر بها العاملون الإنسانيون في السودان وتروي قصة حزينة..
الشيخ: نازح وعامل إنساني
الشيخ وأبو بكر عاملان إنسانيان كانا يعملان مع المجلس النرويجي في مدينة الجنينة، ولقيا حتفهما خلال الهجوم العنيف على المدينة. حدثتنا ماتيلد عن الشيخ فقالت:
“كان الشيخ عاملاً مجتمعياً، وكان نازحاً يعيش في أحد مخيمات النازحين بالقرب من مدينة الجنينة. نزح الشيخ منذ فترة طويلة. تعرضت عائلته للهجوم منذ بضع سنوات، وكان يعيش وضعاً صعباً وظروفاً معيشية قاسية للغاية. عمل معنا في مجلس اللاجئين النرويجي وتمثلت مهمته في التواصل مع المجتمع المحلي. على سبيل المثال، كان يخبر الناس قبل أي عملية لتوزيع المساعدات. كان يجمع أيضاً المعلومات حول الاحتياجات في المخيم، ثم يتصل بالمجلس النرويجي للاجئين ويخبرنا إذا حدثت أي مشكلة في المخيم”.
قتل الشيخ في منتصف شهر مايو خلال الهجوم الذي استهدف مدينة الجنينة، وأسفر عن مقتل وجرح المئات وتشريد الآلاف.
تقول ماتيلد إن المهاجمين لم يضعوا “أدنى اعتبار للمدنيين أو حياتهم. تم إحراق الكثير من مخيمات النازحين التي كان الشيخ يسكن في واحد منها. لقد شقّ علينا نعيه”.
أبو بكر: شخص إيجابي ومحبوب لدى الكل
لم يمض على مقتل الشيخ سوى شهر واحد حتى قُتل عاملٌ إنسانيٌ آخر يتبع للمجلس النرويجي للاجئين، وهو الزميل أبو بكر الذي قتل أمام منزله في مدينة الجنينة. تقول عنه ماتيلد:
“لقد تأثرنا جداً بمقتله. انضم إلينا أبو بكر أكتوبر 2021 وكان شخصاً إيجابياً للغاية. كان معروفاً جداً في المجتمع، وكان على دراية تامة بمخيمات الجنينة. كان يهتم جداً بمساعدة المجتمع. قتل أمام منزله أثناء اندلاع العنف. في تلكم اللحظة، كنا قد أوقفنا بالفعل أنشطتنا في غرب دارفور. اضطررنا إلى إيقاف أنشطتنا في وقت مبكر جداً، مع نهاية أبريل، لأنه كان من الخطير جداً على الزملاء التواجد في مدينة الجنينة. حوصر الكثير من زملائنا في منازلهم. نفد الماء والطعام عند الكثيرين منهم. لم يكن بإمكانهم السير في الشوارع بسبب وجود القناصة. لذلك، طلبنا منهم البقاء في منازلهم لأطول فترة ممكنة”.
رغم أن مقتل أبو بكر حدث في مطلع يونيو، تشير ماتيلد إلى عدم التمكن من تأكيد خبر وفاته إلا بعد أكثر من ثلاثة أسابيع بسبب تعطل شبكة الاتصالات في غرب دارفور، تماماً مثلما كان الحال في كافة أنحاء دارفور. وتضيف:
“كان من الصعب علينا الاتصال بأسرته ومحاولة التحقق من خبر وفاته. ولم نتمكن من تأكيد ذلك إلا في وقت لاحق جداً عندما تمكنت عائلته من عبور الحدود إلى تشاد. لقد شقّ علينا نعْيه. أفكر في جميع زملائنا في الخرطوم ودارفور وأماكن أخرى ممن فقدوا أيضاً أقاربهم”.
يقول مصدر عامل بإحدى وكالات الأمم المتحدة لـ(المنبر 24) انسحبت غالبية العاملين الأجانب في المناطق الساخنة والتي تشهد هجمات في دارفور.
انسحاب عمال الإغاثة
وتبقى عددٌ قليلٌ من العاملين المحليين في عدد من المعسكرات، حتى العاملين في مدينة الفاشر انسحبوا في ظل الحصار المحكم من الدعم السريع على المدينة التي تشهد أوضاعاً سيئة.
وحذّر المصدر من شبح المجاعة بحسب المؤشرات ومراصد المنظمات والوكالات الدولية التي يعمل غالبها في معسكرات اللاجئين في الحدود مع دولة تشاد.
وأضاف المصدر: خلال الفترة الماضية لقي عدد من العاملين في الحقل الإنساني مصرعهم مما يعد مخالفاً للمواثيق والأعراف الدولية.
وتناول المصدر، انتهاكات الدعم السريع في حق المدنيين، وذكر بحادثة سرقة مخازن برنامج الغذاء العالمي في مدينة ود مدني حاضرة ولاية الجزيرة التي تقع الآن تحت سيطرة الدعم السريع.
تحذيرات اليونيسف
وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف» وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية، في بيان مشترك، الخميس الماضي من أن السودان يواجه خطر فقدان جيل كامل من الأطفال، إذا لم يتحرك المجتمع الدولي «الآن» لحماية الأطفال من مخاطر سوء التغذية.
ونقل البيان عن المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، سيندي ماكين، قولها إنه من دون الوصول الفوري والتقديم الآمن للمساعدات الإنسانية في السودان، قد تصبح الأزمة أكبر حالة طوارئ للجوع في العالم.
مقال واشنطن بوست
وفي مقال له بصحيفة واشنطن بوست، الثلاثاء، أشار ديفيد سايمون – الذي يعمل مديراً لبرنامج دراسات الإبادة الجماعية في جامعة ييل بالولايات المتحدة – إلى أن قوات الدعم السريع، التي تخوض حرباً ضد الجيش السوداني، تسيطر على 3 من الطرق الرئيسية الأربعة المؤدية إلى الفاشر حاضرة الإقليم، فيما القوات الحكومية والقوات المحلية المتحالفة معها بالكاد تتشبّث بمواقعها.
ويعتقد سايمون – الذي يعمل أيضاً محاضراً أول في كلية جاكسون للشؤون العالمية التابعة لجامعة ييل – أن سقوط الفاشر، إذا ما حدث، سيمنح الدعم السريع سيطرة شبه كاملة على غرب السودان وستكون لها، من ثم، يد طولى في معركتها للسيطرة على البلاد، الأمر الذي ينذر بعودة الإبادة الجماعية على نطاق واسع في الإقليم المضطرب.
وتوشك الدعم السريع أن تنجح في مسعاها للسيطرة على دارفور، مما قد يتيح لها – في حال سقوط الفاشر – الفرصة لاستكمال ما يسميه كاتب المقال “مشروع الإبادة الجماعية” الذي بدأته في العقد الأول من القرن الحالي، حيث كانت تُسمى مليشيا الجنجويد التي تحالفت مع نظام الرئيس السابق عمر البشير.
وناشد سايمون، العالم الاستجابة سريعاً لما يحدث في دارفور رغم أن خياراته تتضاءل يوماً بعد يوم، مشيراً إلى أن أفضل مسار الآن هو التفاوض على وقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات إلى المدينة.
وفي اعتقاده أن الخيار الآخر الوحيد هو نشر قوات لحفظ السلام، بموافقة الأمم المتحدة، لحماية السكان المدنيين. وفي هذه الحالة – يضيف الباحث الأميركي – قد يتعين على المنظمة الأممية أن ترجع إلى الاتحاد الأفريقي في تحديد مصادر القوات وتنظيمها، على الرغم من أنّ الولايات المتحدة والدول الأوروبية ينبغي أن تكون مستعدة لتوفير العتاد.
عودة لتاريخ النزاع
وبدأ النزاع المسلح في إقليم دارفور منذ عام 2003 عندما ثار المتمردون ضد نظام الرئيس عمر البشير، مشيرين إلى أنهم يتعرضون للتهميش.
2003 أعلنت حركتان مسلحتان هما حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة تمردهما على السلطة المركزية في الخرطوم، متهمتين إياها بتهميش إقليمهما.
وأربك التمرد الجديد خطط الحكومة التي كانت أحرزت آنذاك تقدماً كبيراً في مفاوضاتها مع حركة متمردة في جنوب البلاد وهي الحركة الشعبية لتحرير السودان وتوجت بالفعل باتفاق سلام في مطلع 2005 مهد لانفصال جنوب السودان في يوليو 2011 بموجب استفتاء شعبي منصوص عليه في الاتفاقية.