كانت ولا زالت ولاية كسلا – شرقي السودان. – أو ما يُطلق عليها بـ”الوريفة”، أحد الملاذات الآمنة لآلاف الوافدين من السودانيين الذين نزحوا إليها من العديد من مدن السودان المختلفة جرّاء الحرب المستعرة بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع منذ أكثر من عام.
تقرير – خاص المنبر 24الأصيلون الغرباء
ومن تصاريف القدر أنّ هناك أعداداً مقدرة من الوافدين يعتبرون من سكان ولاية كسلا الأصيلين، إذ أنّهم نشأوا وترعرعوا بها وسط أهلهم وذويهم وجيرانهم، وكانت لهم أملاك وعقارات باعوها في فترات متباعدة من الزمان، ولم يدر بخلدهم أنهم سيعودون إليها مُرغمين مرةً أخرى.. ولكن هذه المرة كنازحين شأنهم شأن من تذوق مياه توتيل لأول مرة بعد أن ساقته قدماه لديار نهر القاش، وجد هؤلاء الأصيلون الغُـرباء أنفسهم يرزحون بين مطرقة استئجار المنازل مرتفعة الثمن، وسندان الإقامة في دور الإيواء (المدارس والأندية والداخليات)؛ لأنّ منازل الأهل والجيران القدامى نفسها اكتظت بالوفود النازحة من ولايات الحرب ولم تعد تحتمل المزيد..!
دور الإيواء
لم يخلُ حي أو مدينة من مدن كسلا العامرة إلا دار إيواء للنازحين، وتختلف مراكز الإيواء في سعاتها وجاهزيتها ما بين المدارس وداخليات الجامعات، وبعض دور الأندية الرياضية التي كانت في أولى أيام النزوح بمثابة متنفس للشباب للعب الكوتشينة وممارسة الأنشطة الرياضية والمشاهدة، بيد أنّ بعض ذات هذه المتنفسات أضحت تحتاج إلى من ينفس عنها، إذ صارت دُوراً للإيواء بعد مهاجمة قوات التمرد لولاية الجزيرة خواتيم العام الماضي، ونزوح أعداد كبيرة من الفارين من جحيم الحرب إلى ولاية كسلا التي امتلأت مدارسها عن سعاتها، ولم تجد السلطات مخرجاً إلا بتحويل بعض دور الأندية الرياضية إلى مراكز إيواء لاستقبال الوافدين الجدد.
المتعايشون الجدددون سابق ترتيب ومعرفة، وجد المقيمون في مراكز الإيواء، أنفسهم جزءاً من مجتمعات جديدة تختلف في طرق تفكيرها وطبقاتها الاجتماعية وأوضاعها الاقتصادية، وكان لا بد للجميع من تقديم تنازلات حتى يتسنى لهم الانصهار والاندماج في المجتمع الجديد.
قطعاً، تختلف طبيعة السكن في مراكز الإيواء عن المنازل، سيما في الفصول في المدراس التي تضم أكثر من أسرة واحدة، ولكن سرعان ما يجمع بين الجميع الهَـمّ الواحد، وهو (النزوح)، وبهذا الانصهار نجد أنّ بعض الأسر أصبحت تعتمد على نظام المطبخ الموحد في إعداد الطعام بأن تقسم عليها الأيام والأدوار لتجهيز الطعام للموجودين في المركز، خاصةً وأنّ مصدر المواد الغذائية في الغالب يكون واحداً وهو المنظمات.
الأوضاع الاقتصادية
أبت الأوضاع الاقتصادية المتدهورة إلا وأن تلاحق النازحين أينما حلوا، فالمصائب لا تأتي فرادى، فأسعار الخدمات والاحتياجات في ولاية كسلا قبل عام الحرب أي في شهر أبريل من العام ٢٠٢٣م كانت جميعها في متناول اليد، ولكن تضاعفت كل الأسعار مع عام الحرب، إذ تضاعفت قيمة خطوط المواصلات الداخلية من ٢٠٠ جنيه إلى ٥٠٠ جنيه، وارتفع سعر طلب الفول – الوجبة الأكثر شعبيةً ورواجاً في المطاعم السو
دانية – من ٤٥٠ إلى ١٢٠٠ جنيه، وارتفع سعر طلب (القهوة) من ١٠٠ جنيه إلى ٤٠٠ جنيه، وارتفع سعر استئجار الغرفة من ٢٥٠ و٣٠٠ جنيه إلى ٥٠٠ و٦٠٠ جنيه للغرفة المفروشة، وعلى ذلك فقس بالنسبة لبقية الخدمة، لا شك أن هذا الغلاء المضطرد نتاجٌ طبيعيٌّ للتدهور الاقتصادي خلال عام الحرب، وتساقط الجنيه السوداني أمام الدولار الأمريكي الذي لامس حاجز الـ١٩٠٠.
مصائب أتت بعضها فوق بعض مع شُـح فرص العمل، وضعف الخدمات المقدمة من المنظمات، ولكن لازال أمل النازحين معلقاً في الله، وفد غد مشرق يعودون معه إلى ديارهم سالمين آمنين..